يتراكض العمال نحو شاحنة جمع القمامة حين تبدأ بتفريغ حمولتها في مكب عملاق على اطرف اسونسيون عاصمة بارغواي. وينقَّض العمال على أكياس القمامة الطافحة بالنفايات المنزلية. أياديهم سوداء من الوساخة ووجوههم ملثمة لحمايتهم من رائحة العفن وأشعة الشمس. ويُقدر ان 500 عامل مختص بإعادة تدوير النفايات يشتغلون في المكب حيث تُرمى 1.5 مليون طن يوميا، مهمتهم فصل البلاستيك عن الالمنيوم لبيع الكيس الكامل منه مقابل 15 سنتا فقط.

وهناك بين أكوام النفايات أواني طبخ وصواني أفران وعلب دهان مختلفة الأشكال والأحجام. ولكن هذه النفايات التي يرميها سكان العاصمة البارغوائية ذات قيمة كبيرة عند نيكولاس غوميز الذي يلتقطها ويصنع منها آلات موسيقية مثل الكمان والغيتار والتشيلو.وكان غوميز نجارا وجامع نفايات لإعادة تدويرها ولكنه يعمل الآن لحساب فابيو تشافيز، مايسترو الاوركسترا الوحيدة في بارغواي التي تستخدم الأزبال لصناعة الموسيقى. وتضم اوركسترا النفايات 30 تلميذا وتلميذة هم ابناء وبنات عمال المكب الذين يعزفون على آلات مصنوعة من أزبال المدينة.
وتعود فكرة تحويل النفايات مصدرا للأنغام الجميلة الى عام 2006 يوم كان تشافيز يعمل فنيا في المكب يساعد العمال في فرز النفايات. ولكن حبه للموسيقى كان يقوده في نهاية اسبوع العمل الى بلدة كارابيغوا التي تبعد 80 كلم عن اسانسيون لقيادة اوركسترا شبابية.وحين جاء تشافيز بالفرقة ذات يوم الى منطقة المكب لتقديم حفلة موسيقية طلب منه عمال جمع النفايات ان يعلم اطفالهم الموسيقى بدلا من قضائهم ساعات العصر باللعب بين اكوام النفايات والأزبال منتظرين آباءهم في نهاية يوم العمل. ولكن سعر الكمان يزيد على قيمة الدار التي يسكنها عامل المكب ومن المتعذر توفير آلة نظامية لكل طفل بالكاد تستطيع عائلته إطعامه. لذا قرر تشافيز ان يصنع الآلات الموسيقية من النفايات. واكتشف المواد الأنسب والتي تطلق الصوت المنشود وتلك التي تتحمل شد الأوتار. وبذلك تمكن من صنع آلات موسيقية وتوزيعها على الأطفال لتعلم العزف عليها دون أعباء مالية تثقل كاهل آبائهم من عمال النفايات الفقراء.ويستخدم تشافيز الآن هذه الآلات المصنوعة من النفايات لتعليم نحو 70 طفلا العزف عليها والاشراف اسبوعيا على تمارين الاوركسترا.وفي حين ان اعضاء الاوركسترا تعلموا العزف وسط الذباب ورائحة العطن فهم الآن محط اعجاب في انحاء العالم. وتكلل نجاحهم مؤخرا بإحياء حفلة موسيقية في امستردام عزفوا فيها مقطوعة كانون دي ميجور للموسيقار الالماني يوهان باتشيلبيل.