1.

لئن كان الترنمُ في محرابكِ نكهةً للخلود، يتبدى خلالها التنفسُ أشد مرارةً.. فالصمت بين يديكِ عواءٌ لافح، ينوس بين الشفتين، موحياً بشيخوخة العالم، ساكباً في أوردة الروح نبضَ الصحراء وفحيحَ رهافتها..

هكذا، يا جوليا، ما بين الابتهال الواجس والصمت المتفرس في غيابكِ، تقبعُ مسافاتٌ من الضوءِ المتخثر.. مسافاتٌ من الأشداق الفاغرة تزدرد الخُطى، لتتفل في وجهي حلماً موشىً بيوانع الرضوض.. هكذا، ينغمد ظلُ دفئكِ مُديةً في فمي، فأبتسم مرتجفاً.. هكذا، أعتنقُ فيكِ صليباً أضمّد اهتراءه بأعواد الثقاب، بينما أناملك تصوغُ من جمجمتي مرمدة سجائر..

2.

quot;حينئذٍ جاء يسوع إلى جوليا..وصوتٌ من السموات قائلاًquot;:

أنا العقل الأب الموثوق للموت.. ها أنذا أهبك ابني اللعين.. وجهاً ينكأ بأظافر طفولته أحشاءَ الماء، فتنبجسُ الأسماكُ صديداً مؤتلقاً بالذاكرة.. ظلاً يخمش بتلات الأزهار المتصوحة، فتغادر صحراءها فراشاتٍ من لظىً، في تحنان صارم تنخس بأجنحتها نعاسَ المطر..

ها أنذا أهبك ابني اللعين.. همسةً يتحطم على جدرانهاما يحيق بك من سماءٍ زائفةٍ ومن جيوشٍ مدججةٍ بمناجل الضجيج.. كهفاً تغوص إلى غوره لتنصت ملياً إلى نبض روحك الشاحب..

هذا هو ابني اللعين.. فلتعمّده في مرارة توحدك وبفشلك المقدس فلتقمّطه.. عانقه كلما باغتك الشتاء الممزوج بالقهوة.. على نَصل ما بينكما من مسافات انثر شفتيك قبلاتٍ تدمي.. فلتكن كلماتُك أُماً ترأمه بحليب إرادتها، إذ أن جمالاً لا يتمرأى في عينيه الفادحتين لا يملك إلا هشاشةَ الاسم ورائحة الصمت الموبق.. إذ أنك دميمٌ ما لم تتجرد في أنفاسه من أغلال الفرح الرخيص، وتنفض عن نعليك دروباً تأبى إلا أن ترتكب الوصول..

3.

الآن، فلتتأملي المرآة التي ترنو إليَّ بينما أحدق فيكِ ؛ فبغتةً قد تشيخ لتصيرَ جداراً.. ستجدين عينيَّ صرختين مترعتين بأرق الخواء.. نافذتين على طوفانٍ أيقظته رائحتُك؛ ليعانقَ في روحي أكواناً ليس لها إلهٌ يطمسها بمخالب رأفته.. أكواناً ظلت موبوءةً بالضياء والذاكرة، إلى أن اغتسلت بين شفتيك من أوضار اللغة وبين نهديك من دنس الارتواء..

هأنذا احدق فيكِ، وما صمتي إلا ندوبٌ تلهج باسمكِ، وما لحمي إلا ظلٌ ممزوجٌ بالخل..

هأنذا أحدق فيك؛ كيما أتناثر حباتٍ من الزيتون، تتلقفها نواجذ المعصرة، لتتقيأها زيتاً ونوىً.. هاهو قدحُ quot;الزيتquot; يُصعّد حشرجته -بين كفّيك- لهيباً ليس في خفقانه سوى صدىً لأنفاسك.. وهاهي حفنةُ quot;النوىquot; -مُقلٌ من خشب الانتظار الناقع- تهفو والهةً إلى خصلةٍ من شعرك المخضل بالرؤى لتروّض بعثرتها، متخمةً بالثقوب الغائرة لا تني تتضرع لأناملك أن تُحيلها مسبحة..