أدناه، كلمات لم يعد لها أشناف إذ قد ضربت لنفسها موعداً مع القرّاء على شاطئ اللامعنى / المعنى الذي لا نهاية له؛ عارية من التنقيط، من كالسونات الدلالة المعطاة، لتُعرِب عن نفسها غيرَ مُقيّدةٍ بهدفٍ أو بمعنى يفترضها الكاتب وينتظرها القارئ؛ كلمات قد أضربت عن العمل في دائرة خدمات المعنى العام، تطلق قهقهات من الضحك على ذقون قرّاءٍ عبيدي الدال والمدلول؛ سجناء "الفهم"؛ قرّاء يجهلون متعة أنْ تكون بلا معنى، بلا وظيفة؛ أنْ تكون المُنْعَدَم عينَهُ! انظر كم هذه الكلمات سعيدة بتجاورها حيث كلُّ كلمة تبني لنفسها بيتاً من الرّمل، كلمات لعوبات، تنساب مغناجة، تحت شمس الكتابة الآلية، تتصبّب عرقَ المعنى المحجوب بحدود مَعْنا"هم"، الضيّقة.

آه منك، أيُّها القارئ الصغير، ألا ترى كيفَ ينبض عُري الكلمات حيويةً بهذا الاستلقاء الخالي من أيّة غرضية؟ المسِ الكلمة الرابعة، مثلا، وستشعر بسلاسة زغبها الفاضي بك إلى نقاط الأناناس عند الشفرتين! أما السّابعة... يا إلهي ما هذا...& إنّها تتناكح مع الثامنة فوق بياض أعيننا، غير آبهة لهذا أو لذاك؟
إنّ الكلمات، أيّها القارئ الصغير، لهي كائنات تتجاسد دلالةً في الحياة اليومية لم يدركها بعدُ دماغك... ولم تشعر، أنت نفسك، برعشتها؛ بلزوجة أنْ تكتب...!
عليك أنْ تفهم أنّك تتعامل مع كلمات وليس خادمات... كلمات لا تنبس ببنت شفة أحدٍ. لا تفتح فرجَها إلا لمن يعرف كيف يُحيي فيها رهزةً تُهدّد تركيبَ الكلام. إنّها كلمات الساعة المُحرِقة من ظهيرة الكتابة وجحيم الابتكار... متعةٌ لا يعرفها رجال الإنشاء؛ الإسهال!

آه، يا كلمات، يا حبيباتي الأبديات، أجمل ما فيك هو أنك دوماً كلمات؛ دوماً استباقٌ وولادةٌ للمرّة الأولى. فكلّما تعلو الرّتابةُ، سوء الاستعمال، أجيءُ قاصداً انحاءَكِ بحثاً عن منفذ يدلف منه هواءٌ جديد؛ عن انقلاب في بنية الكلام.

فلنلتقِ، بعد أنْ يمزّقَ برقُكِ الضاري سُحبَ المنطق المرسوم، في أفياء بعيدةِ الغور؛ أفياء الأنهر اللا افصاحية، فأوشّح كلّ نتوءاتك بالقُبل في ليالي الأعياد.
والآن، أيُّها القارئ الصّغير، أيُّها السَّلفي الثقيل، انظرْ القصيدة أدناه بكلّ تمعّن، وتخيّل مَعْناكَ. إذ بعد أسبوعين، سترى، عندما سأعيد نشر هذه الكلمات نفسها (بأشنافها ونياشينها وعلامات ترقيمها؛ باختصار بلباسها الرّسمي)، كم هي محدودة، تعيسة وممتعضة كملايين الأبيات الغافية كالعوانس في مجلدات التراث، بحيث بات لا غنى عن الدعوة إلى محو الشّعِر العربي المكبوت كلّه،&وإعادة طبعه بلا تنقيط، يضع القارئ بنفسه النقاطَ الأساسية في خلق الرّعشة...&علّ قصائد تستحق، فعلا، عَناء القراءة، تبرز أمام عين اليوم!

&

&