لكننا سنراه دوماً يتمشّى في ممرّات الذاكرة، كياناً من ألمعية الابداع. فمذ بواكير شبابه انغمس في العطاء، نضالاً،عملاً، مساهمات ثرّة ً في أكثر من مجال خلّاق. وإذ يختفي ظلّه في مثوى غربته يظلُّ حُضورُه، بيننا، ويُطلُّ ذكرُه على خلجاتنا / خللَ تراثه الإبداعي / صوناً عراقيّاً أصيلاً بذل حياته، شباباً وكهولة، في اغناء ثقافتنا. تسنى له أن يتبوأ أكثر من مركز اعلامي، كان مُتميّزاً،حداثيّاً . فلا يُمكنُ أن نذكر تألق الثقافة العراقية من دون أن يقترن َ اسمُه بها، بل يتخطّى سائرَ الأسماء. ولئنْ أنسَ لن أنسى روايته / البابُ / التي كتبها عن ابني حين انقطعت عنا أخباره ورسائله أيامَ دراسته في بلغراد. صلتي به أخويّة، فقد أمضت عائلته في بيتنا قرابة الشهرين ابانَ تعرض بغداد وبقية مدائننا العراقية الى القصف الصاروخي والجوي الأمريكي عام 1991. كنا / الرجالُ / ننام في صالتنا الطويلة، أمّا زوجته المريضة وابنتاه وزوحتي وابنتِي فيَبتِنَ في غرفة المعيشة. فنسمع ليلاً هزيم الطائرات ودوّي صواريخها فوق رؤوسنا. كان ينامُ لصقي، بل يندّسُ في حضني عند اشتداد القصف. صبحاً يقوم هو بصنع العجين، فيخبزُ لنا جميعاً دوائر رقيقة من الأرغفة فوق حديدة /على المدفأة / فيها ثقوب صغيرة. بعد أقلّ من ساعة يستأجر سيارة تنقله وزوجته الى مدينة الحلة لغسل كليتيها العاطلتين. حين هدأت أعمال العدوان الأمريكي عادوا الى شقتهم في منطقة زيونة. بعد وفاة أم أحمد تركت العائلة بغداد، سكنت في الشارقة. هناك التقيتُه مرّات، زرته في شقته، بل زارني في شقة ابني ب/ دبي/ . عُدنا نحنُ الى ستوكهولم، وظلّ في الشارقة، ثم انتقل الى بلجيكا، كانت اخباره شحيحة، بل تخاطبنا مرّة على صفحة ايلاف الثقافية. حين ذكرت أسماء أصدقائي الأدباء في البصرة، فوجّه لي لوماً على عدم ذكر اسمه معهم. اجبتُه: انه واحدٌ من أهلي وليس بصديق.

لن تنسى مسيرةُ ثقافتنا اسم الجزائري رائد اً مؤسساً ومساهماً في بلورة صورتها. فقد ترك لنا كمّاً زاخراً من مؤلفاته التي تراوحت بين النقد الأدبي والتشكيلي والمسرحي والسيناريو وأنماط أدبية أخرى .

..........

حتما،ستذكره محافلنا الثقافية ٌ، رائداً جريئاً له كشوفاتٌ ثرّةٌ في أكثر من جبهة. بل ستفتقده أيضاً، كونه مُبدعاً أصيلاً نزفَ روحه في صقع غربته وخافقُه ينبض بحبّ العراق .. وما أكثر النجوم َالتي افلت في أصقاع الغربة. واُهيلت عليها أغبرة ُالنسيان .. تغمده اللهُ بوسيع آلائه ورحمته