مع رحيل أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي، عادت إلى الواجهة قصيدة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري (شسع لنعلك) التي ما زال الغموض يكتنفها، ولم يعرف إذا ما كانت مديحًا في كلاي أم هجاء في لعبة الملاكمة وذمًا لها.

بغداد: على الرغم من مرور 40 عامًا على نشر قصيدة شاعر العرب محمد مهدي الجواهري، التي تحمل عنوان (شسع لنعلك)، أو كما نشرت للمرة الأولى (حيث تضيع المقاييس)، والتي كتبها عن الملاكم محمد علي كلاي عام 1973، إلا أن الكثيرين ما زالوا متحيرين في ما إذا كانت القصيدة تمتدح الملاكم كلاي أم تذمّه وتذمّ لعبة الملاكمة، خاصة أن القصيدة حينما نشرت للمرة الأولى في جريدة (الثورة) البغدادية عام 1976 نالت أصداء واسعة، وأحدثت ضجة في حينها.

فهناك شبه إجماع على أنها تتغنى ببطولات كلاي، خاصة أن مقدمة نثرية توضيحية كتبها الشاعر قال فيها (تلاكم وخصمه فهزمه وأدماه فحاز إعجاب العالم وملايينه!!)، لكن الوقائع في ما بعد تغيرت، وصارت القصيدة مثيرة للجدل، وقد تعددت تفسيراتها، فهناك من قال إنها في مديح الملاكم العالمي، وهناك من قال إنها سخرية من الملاكم واللعبة، لأن "مجد الملاكم يقوم على قوته، على عضلات يديه، التي يسحق بها خصمه، فينال المال الوفير، وينال إعجاب الناس وتصفيقهم، وليس الناس بإعجابهم على حق من الرأي، ولقد قام "مجد" الطاغية على قوة هوجاء حمقاء، لا تتجه إلاّ إلى الدمار"، وهذا رأي لأحد النقاد. وإن بدا عنوان القصيدة ومطلعها لا يحتمل التأويل:

شِسعٌ لنعلِكَ كلُ موهِبةٍ***وفداءُ زندِك كلُ موهوبِ
فيما أشار البعض إلى أن هذه القصيدة البليغة جدًا عن محمد علي كلاي أوضح بها الجواهري أحوال الأمم السخيفة و"الرعاع الجاهلين" الذين يتركون مفكريهم ومبدعيهم ومنقذيهم، ويتراكضون وراء الملاكمين.. وقد نشرت الصحف بعناوين لافتة أنه يمتدحه، مشيرة إلى أنه في حوار أبدى الجواهري دهشته من فهم الناس الأعوج لشعره التهكمي الساخر من اهتمامات البشرية.. حيث قال "أشاهد مع الأسرة الألعاب الرياضية إلا الملاكمة"!.

ليست مدحًا بكلاي 
وقد أوضح رئيس مركز الجواهري رواء جواد الجصاني لـ "إيلاف" حقيقة القصيدة قائلًا: في القصيدة سخرية، ليست من كلاي كشخص، ولكن من الرياضات العنيفة، التي يحصل أصحابها على الملايين، بينما الأدباء والنبغاء مفلسون، وقد ظنها كثيرون مدحًا لكلاي !، والحقيقة أن فيها انتقادًا لاذعًا للمجتمعات التي تهتم بالقوة والضربات واللكمات، وتنسى الموهوبين، وهو أرادها هكذا نوعًا من التحريك، ومخاطبة للمشاعر.

أضاف: هو الجواهري كان يحسب ألف حساب حول كيف يسدد إيجار شقة صغيرة في أثينا على البحر الذي يعشقه، وكان لا يملك الكثير لتسديد الإيجار، وفجأة يقرأ أن كلاي ربح الملايين من الدولارات، لأنه أدمى خصمه في لعبة ملاكمة قاسية. وتابع: هناك مقدمة موسعة لها في الديوان حول الموضوع وتشير إلى هذا الأمر تحديدًا، أقصد الالتباس.

مديح لمواقفه
يستذكر الشاعر العراقي جواد غلوم في حديثه لـ "إيلاف" وقع القصيدة حينها قائلًا (منذ أن ظهرت قصيدة الجواهري، وهو يمدح محمد علي كلاي في جريدة الثورة عام 1973، أسرعنا نحن طلبة الآداب لقراءتها متلهفين ماذا سيقول الجواهري عنه، إذ المعروف أن رياضة الملاكمة والرياضات العنيفة لا تستساغ في فكر ونفس هذا الشاعر الكبير، وليست ضمن اهتماماته، لكنه أراد أن يقول شيئًا بين ثنايا القصيدة).

أضاف: من يقول إنها مبطنة بالهجاء لشخص كلاي نفسه فهو واهم، لأن هذا الملاكم الذي أسلم وهو في عزّ تألقه ونجاحاته كسب قلوب العرب والمسلمين وقتها، وكان نصيرًا لشعوبنا العربية وشاتمًا حتى لبلاده اميركا ورافضًا سياستها، خاصة انه رفض ان يكون جنديًا محاربًا في فيتنام اثناء الحرب الاميركية على الفيتناميين، ويبدو ان الجواهري مجّد بطولاته، وكأننا نريد منقذا بطلًا مثله ينجينا كما أراد ان يذكرنا بحالة مفكرينا ومبدعينا الموهوبين، الذين لا يعبأ بهم مسؤولونا (شسع لنعلك كل موهبةٍ --- وفداء زندك كل موهوب) باعتبار ان القوة اسمى وأهمّ واكثر تأثيرًا من العقل والرأي، على خلاف ما قال المتنبي (الرأي فوق شجاعة الشجعان --- هو اولٌ وهي المحل الثاني).

اما وجود الهجاء المبطن في داخل القصيدة فلم ألمس - يقول غلوم - هذا في ابياتها، بل بالعكس، ففيها من المدح لكلاي وقوته ومواقفه الشيء الكثير، والذم والقدح لمنافسيه وضحاياه من الخاسرين، انها تمجيد للقوة في مجتمعنا، الذي يصبو الى منقذ ليرفع من شأنه ويعلي مراتبه.

بطل ينذر بالحق
لكن د. يحيي معروف، في بحث له بعنوان (الجواهري: حياته، مخزونه الثقافي و ميزاته الشعرية) يقول (لم تكن الحوادث الشهيرة العالمية تسترعي انتباه الجواهري فقط، فلقد كان يتفاعل إنسانيًا حتى مع مفردات قد لا تستهوي أمثال الجواهري، لقد رأى الجواهري في الملاكم (محمد علي كلاي) بطلاً ينذر بالحق، ويجول جولته كالذي يناضل ضد الطغاة والظالمين، وان دل هذا على شيء فانما يدل على مدى إحاطته بالقضايا العالمية، وعلى ذوقه الرفيع ونزعته الحضارية. اذ أنشد قصيدة، وأهداها الى محمد علي كلاي، ونشرت في صحف عدة معنونة: "رسالة من محمد مهدي الجواهري الى محمد علي كلاي".

ضياع المقاييس
فيما كتب سليم البصون في جريدة الأنباء في 16/3/1977 (ما زالت قصيدة عميد الشعر العربي الأستاذ محمد مهدي الجواهري الساخرة في الملاكم العالمي محمد علي كلاي، "حيث تضيع المقاييس"، ما زالت أصداؤها تتردد في الأوساط الثقافية العراقية، وكنت قد نقلت بعض أبياتها في حلقة سابقة. 

وحيث يقضي الجواهري الشتاء في داره بجانب الكرخ من بغداد، أجرى حوار صحافي قصير معه، فسأل الجواهري: قصيدتك الأخيرة عن "كلاي" لماذا أثارت كل تلك الضجة؟، رد الجواهري: توقعت ذلك، لأني أتحدث فيها عن المدى الذي وصل إليه ضياع المقاييس في هذا العالم.. ان كلاي مجرد حجة لانطلاقة. سئل الجواهري: هل تعتقد ان إعجاب الناس بالجواهري يوازي إعجابهم بكلاي؟.. رد الجواهري: ليس تواضعًا مني، فأنا واثق بنفسي، لكن إعجاب الناس بأكبر عبقرية بيننا محدود بحدود مجتمعنا. حتى طه حسين بعظمته لم يخترق كل العالم !.. في بيتنا نحب كل أنوع الرياضة والسباحة والكرة و.. إلا الملاكمة، حين أراها أغلق التلفزيون.

ويستبعد الجواهري ذكرى كبته لقصيدته عن كلاي فيقول: قبل ثلاث سنوات تقريبًا كنت مسافرًا على الطائرة العراقية الى براغ، وعندما وزعت المضيفة علينا بعض الجرائد، قرأت خبرًا بارزًا عن نزال كلاي المرتقب آنذاك. فتناولت اقرب ورقة الى يدي. وكانت ورقة نشاف صغيرة، وبدأت اكتب مطلع القصيدة.. 
يا مطعم الدنيا وقد هزلت شحما بلحم منه مقطوب 
ومشيت بها بيتًا بعد بيت، حتى حطت بنا الطائرة فنسيتها تماما.. الى ما قبل فترة قصيرة حين طلبت مني اللجنة المكلفة بإعداد ديواني كل قصائدي غير المكتملة، فعثرت على تلك الورقة المهملة، التي قرأها احد الأصدقاء، فقال لي: هل هذه قصيدة تترك؟.. وعدت الى البيت، وسهرت الليلة مع انفعالاتي، ومن دون أي تعب وبكل سهر لذيذ أكملت القصيدة مع الضحى.. وظهرًا كنت اتلوها على مسامع ذلك الصديق.

خطاب ساخر 
فيما يرى الباحث عباس علي الفحام في تحليله لهذه القصيدة أن الجواهري وظّف التراث التاريخي والأدبي وكذلك ذكر الشاعر صورًا ضاحكة داخلية في قصيدته، ذكر الباحث مقاطع منها، وينتهي المؤلف بالقول (إن الخطاب الساخر عند الجواهري تتداخل فيه بنيات متعارضة من الهجاء والمديح، بحيث يصعب الفصل بينهما، لأنه لا يريد مجرد السخرية، وهو خطاب مبني على حسن توظيفه للتراث في مخاطبة العصر).

ملاكمة شعرية
كما كتب سعيد عدنان بعنوان (ملاكمة شعرية مع كلاي) قال فيها (لقد صنع الشاعر رمزه، ومضى يساقيه على مهل مشاعره، مما يختلج في أعماقه من أسىً على ما أضاع الطغيان من قيم الإنسان السامية. لم يكن الرمز خفيّاً مركباً بعيداً، بل كان في أقرب متناول، فمن لم يسمع بمحمد علي كلاي، ومن لم يره على شاشة تلفزيون أو على صفحة جريدة، وهو لدى الناس رياضي احترف الملاكمة، ولعل أحداً لم ير فيه صورة طاغية. هو رياضي، ولكن الشاعر في ساعة بعينها وجد فيه محوراً صالحاً أن تدور عليه جملة أفكار ومشاعر تخرج به من حيّز الرياضة وتقذف به إلى سعة العالم، وتجعله في طرف يقابل صاحب الموهبة، وليست الموهبة هنا موهبة الشعر وحده، ولكنها الموهبة العاملة المنتجة التي تزيد الحياة خيراً وجمالاً وترتقي بالإنسان.

أضاف: "ويقول قارئ شعر الجواهري إنه لم يصنع من قبل شخصية على هذا النحو، كان يعجب بشخص ما من التاريخ أو بشخص من الحاضر فيصور صفاته على أتم ما تكون، أو كان يسؤوه أحد، فيناله بالهجاء. أما أن يصنع شخصية، ويجعل منها رمزاً، فهذا أمر جديد على شعر الجواهري، وهو جديد على قراء شعره، حتى من منهم لا يحسن قراءة الشعر رأى أن الجواهري يمدح محمد علي كلاي، وإذا أردت أن تجد مساغًا لهذا الزعم، قلت إن الشاعر فاجأ قراءه بما لم يألفوه من فنه، إنه بإزاء منحى جديد، غذته عناصر كثيرة، ظلت تحتدم سنوات في نفسٍ يؤذيها ضياع الفضل واهتضام الحق ويزيد من مرارتها، وقد تهيأ هذا المنحى في رسم كيان تُلقى عليه سوآت الطغيان وانحراف المعايير وفساد الأنفس.

القصيدة 
* تلاكم وخصمه فهزمه وأدماه فحاز إعجاب العالم وملايينه!!
يا مُطْعِمَ الدنيا ـ وَقَدْ هُزِلَتْ ـ
لحماً بشـحمٍ منـه مقطوبِ
و مزيرَهـا يقظى وغـافيـةً
أطيافَ بادي البطش مرهوبِ
يا حالباً من ضَرْعِها عَسَلاً
عن غيرِ سُمّ غيرَ محلوبِ
وَمُرَقّصَاً منها كما انتفضتْ
نُطَفُ الحَبابِ بكأسِ شِرّيبِ
وكما تراقصت الدمى عبثاً
ما بين تصعيد وتصويب
يا طاعنـا أعجاسَ صفوتهـا
بمَطى شديدِ الصُلبِ ألهوب
شِسْعٌ لنعلِكَ كلّ مَوْهِبةٍ
وفداءُ ((زندِك)) كلّ موهوبِ
وصدى لُهاثِكَ كلّ مُبتَكَرٍ
من كلّ مسموعٍ ومكتوب
من كلّ ما هَجَسَ الغواةُ بهِ
عن فرط تسهيدٍ وتعذيبِ
* * *
يا سـالـباً بجِمـاع راحتِـهِ
أغنى الغنى، وأعزّ مسلوبِ
ما الشعرُ؟.. ما الآدابُ؟.. ما بِدَعٌ
للفكر؟.. ما وَمَضاتُ أُسلوب؟
شِسْعٌ لنعلِكَ كلّ قـافيـة
دوّتْ بتشـريـق وتـغـريـب
وشدا بـهـا السّـمّارُ مـالئـةً
ما يُفرِغُ النّدمانُ من كوبِ
ومُعيلُـهـا يجـترّ من ألـمٍ
دامٍ على الأَسلاتِ مسحوب
يُلغى ويُنفى شأنَ مُنتَبَذٍ
سَقْطٍ من الأغلاطِ مشطوبِ
* * *
يا سيّدَ ((اللّكَماتِ)) شـامخـةً
تهـزا بمنسـوبٍ ومحسـوب
ومريّبَ الضّرَباتِ، ما مَسَحَتْ
يوماً على أكتافِ مَربوبِ
مجّدْ ذراعَكَ، إنّـهـا هِبَـةٌ
أغنتْكَ عن أدبٍ وتأديبِ
محبوكةُ ((الأليافِ)) في نمَطٍ
عَجَبٍ، مُعَنّى فيـه، مطلوبِ
وتغنّ فيها، واسْـتَجِدّ لهـا
غَزَلاً، ولا تبخلْ بتشبيبِ
لله نسجُكَ.. أيّ ذي عَصَبٍ
من عالَمِ القُدُراتِ مجـلوب
ما كان إلا أنْ مددت به
سبباً لمجـدٍ جدّ مكذوب
حتى انثنيت بخيرِ ما حَفَلَتْ
حَلَباتُ موروثٍ ومَكْسوب
يفدي عروقَك كل ما حملت
أعـراق داود و يـعـقـوب
ونثارُ عُرسِكَ كلّ مُقتَرِنٍ:
من خاطبٍ عِرساً، ومخطوب
* * *
سُبحانَ ربّكَ كيف عَوّضَني
عن ((حَوْملٍ)) قفرٍ و((ملحوبِ)
رَبْعـاً أنيسـاً فـي ملاعِبِه
ما شئتُ من لهوٍ وتطريب
مُحاضنَيْنِ، و بيننـا مُـلَـحٌ
من عاتبٍ صبّ ومعتوبِ
نتبادلُ ((اللّكَمات)) نحسـبُـهـا
قبـلاتِ محـبوبٍ ومحبـوبِ
* * *
يا سيّدَ ((اللّكَماتِ)) يَسْحَرُها
ذهباً، بِذِهْنٍ منهُ مَشبوبِ
نحنُ الرعيةُ.. عِشْتَ من مَلِكٍ
بِمفـاخِـرِ ((العَضَلاتِ)) معصوب
زَنْدٌ بزندٍ.. والورى تَبَعٌ
لكما، وَ عُـرْقُوبٌ بعُرقوب
مَرّغْهُ.. مَزّقْ ثوبَ سَحْنَتِهِ
رَقّعْهُ من دَمِهِ بِشُؤبوبِ
لَدّغْـــه بـالنّـغَـزاتِ لاذعـةً
ما لـم يُـلدّغْ سُـمّ يعسوبِ
سَلِمَتْ يداك.. أأنت صُغْتَهما
أمْ صوغُ ربّ عنك محجوبِ
* * *
قل لي ـ أبيْتَ اللّعْن ـ مُمتَدَحاً
وَكَرُمْتَ عن لَوْمٍ وتثريبِ
الملهمـــونَ أأنتَ ترسُــمُهُمْ
خَوَلاً من الشّبّانِ والشّيبِ؟
خَدَماً ((لقصرِكَ)) صُنْعَ ساحرةٍ
ذي ألفِ سَقْفٍ فيه مَذهوبِ؟!
ذي ألفِ ((باطيةٍ)) وساقيةٍ
وبألـفِ رُعبـوبٍ ورُعْبُـوبِ
أمْ أنتَ تخشى أن تَعِيثَ به
نزواتُ ((مَـرْعوصٍ)) ومجْـذوبِ
* * *
((أمحمّـدٌ)) والدهـرُ مَلْحَمـةٌ
من غاصبٍ عاتٍ ومَغْصوبِ
والناسُ ذُؤبانٌ تَضيقُ بـهـا
أسلابُ تثقيفٍ وتـهـذيـبِ
لا يَرتضونَ ـ لِفَرْطِ مَكْلَبَةٍ ـ
وَثَبات ذئبٍ غير مَكْلُوبِ
ويُصفّقُونَ لِمُحْـرِبٍ شَـرسٍ
وَيُبَصّقُونَ بوجـهِ محـروبِ
يُذكي ((الهِراشُ)) حماسَهمْ طرَباً
لِدَمٍ بِعُرف الدّيكِ مَسكوبِ
و كأنـهُمْ يُسْقَوْنَ صـافيـة
بنزيفِ رأسٍ منـهُ مَنخوبِ
و ((الثّوْرُ))، تصطخِبُ الجِراحُ بهِ،
مدعاةُ تهليـلٍ و تـرحيـبِ
وكأنّ مُرْتَكَزَ الرّماحِ به
نَغَمٌ بِعُودٍ منـه مضـروبِ
كُنْ حيثُ أنتَ تَجئكَ صاغرةً
دُفَعُ اللّهى والزّهْوِ والطيبِ
تَسعى لذي بَطَرٍ، وقد زُوِيَتْ
عن نابغٍ أسيانَ مغلوبِ
* * *
كم ((عبقرياتٍ)) مشتْ ضَرَماً
في جُنحِ داجي الجنْحِ غِربيبِ
وتنفّستْ رئـةُ الحيـاةِ بهـا
من بَعْدِ تعبيسٍ وتقطيبِ
عاشتْ وماتتْ فـي حِمى جَشِبٍ
جاسٍ، شَتيمِ العيشِ مسبوبِ
مَجْـلـودةً ـ تُلـوى أعنّـتُـها ـ
بسـياطِ تـرغيبٍ وترهيـبِ:
بمرجّمين.. نهارَ مُرْتَخَصٍ
وبليْلِ نابي الجنبِ مرعوبِ
حِجَجٌ مِئونٌ، دون شهقتِها
شَـهَـقاتُ مخنـوقٍ ومصـلـوبِ
أعطتْ وأغنتْ، واسْتُرِدّ بهـا
أنفاسُ محزونٍ ومكروبِ
ما عادلتْ أعشـارَ ((ثـانيَـةٍ))
عُمِرتْ بساحٍ مُوحشٍ مُوبي
تلكَ ((الملايينُ)) التي سُحِبَتْ
سَحْبَ ((المخاضةِ)) عَبْرَ ((أُنبوبِ))
نُثِرَتْ على قدميْنِ خُضّبَتَا
بِدَمٍ لآخـرَ منـهِ مخضـوبِ
* * *
يا أيـهـا ((العـمـلاقُ)) نَـازَعَـهُ
((قَزَمٌ)) على سَبَبٍ.. وتسبيبِ
كم جاءَ دهرُكَ بالأعاجيبِ
من كلّ مرفوضٍ ومشجوبِ
كم راغبٍ نَحّى، ومُرْتَغَبٍ
وكم استعزّ بِغيْرِ مرغوبِ
وكمِ اصطفى هَمَلاً بنادرةٍ
وكم ابتلى فَحْلاً بمجبوبِ
* * *
شسْعٌ لنعلِكَ كلّ موْهبةٍ
وَفِداءُ زندِكَ كلّ موهوبِ
براغ، عام 1976