«إيلاف» من بيروت: بالنسبة إلى أي شخص قال ذات يوم إن ديفيد أغناتيوس، كاتب العمود في "واشنطن بوست" والحائز على جائزة والروائي الشعبي، يدافع بشدّة عن وكالة الاستخبارات المركزية، فكتابه الجديد عبارة عن دحض مثير لهذا كله. "الجاسوس الكمّي" The Quantum Spy (منشورات دبليو نورتون؛ 323 صفحة، 26 دولارًا) قصّة مثيرة مزخرفة بشكل جميل، تتجلى فيها وكالة الاستخبارات المركزية بوصفها مؤسسة عنصرية ومتحيزة جنسيًا، ما يمكن أن يخدم مصالح أجنبية معادية.
حرب التقنية
ما يحافظ على سير حبكة رواية "الجاسوس الكمّي" وتقدّمها هو المنافسة بين الولايات المتحدة والصين لتطوير جهاز كمبيوتر كمي سيفكّ الرموز ويؤدّي أعمال تجسس أخرى أسرع بملايين المرات من الآلات التقليدية.
يبدو أن شركة سياتل قريبة بما فيه الكفاية لتحقيق اكتشاف رئيسي، لذلك تجبرها الوكالة على إخفاء عملها عن الرأي العام حتى لو كان مالكها، المهووس جاسون شميت، يريد أن يستفيد العالم كله من هذه التقنية الجديدة. وتتضمّن الرواية جدلًا بين شخصيات عدة حول انفتاح التقانة الحديثة من جهة مقابل السرية من جهة أخرى.
أما بطل إغناتيوس المفضل فهو هاريس تشانغ، النجم الصاعد في وكالة الاستخبارات المركزية. نشأ في فلاغستاف، وهو وطني بكل ما للكلمة من معنى؛ خدم بشجاعة ونجاح ضابطًا في الجيش في العراق قبل تجنيده جاسوسًا.
يقرأ تشانغ قصص المؤامرات السياسية في ترولوب في القرن التاسع عشر لفهم طرائق واشنطن الحالية، التي يجدها مثبطة للعزيمة. كما يشعر بالحيرة بسبب الفكرة الطاغية على بعض الزملاء ومكتب التحقيقات الفيدرالي بأن الأميركيين الصينيين قابلون ليصبحوا عملاء لصالح بكين.
تشويق استخباري
هذه الفكرة الخاطئة نشرها لي زيان، رئيس وزارة أمن الدولة الصينية الذي يحاول تجنيد تشانغ من خلال جاسوس زرعته أم أم أس (الصين) في الوكالة. ويضع جون فانديل، مدرب تشانغ الوضيع والجاهل ثقافيًا، خطة للقبض على الجاسوس وعرقلة حركة أم أس أس الواقعة أيضًا تحت حصار فرع المخابرات العسكرية الصينية. يصبح هذا معقّدًا بشكل معقول، بسبب الخلافات الداخلية والخيانات على جانبي المحيط الهادئ.
الجدير ذكره أن أغناتيوس قادر حتى على جعل المعلومات العلمية على أجهزة الكمبيوتر الكمي مفهومة للقارئ العادي. كما أنه لا يكثر في الكلام عنها. ووفقًا لمدير وكالة الاستخبارات المركزية، الحوسبة الكمومية "نقلة نوعية، مثل غاليليو ونيوتن". وهزيمة الصينيين في سباق الكمبيوتر الكمي هو "كإتمام مشروع مانهاتن والتقاط العميلين روزنبرغ، في آن معًا".
يستوفي كتاب "الجاسوس الكمّي" شروط رواية التجسس الجيدة، بما في ذلك التصوير الحي للمواقع الملونة، من سنغافورة إلى بكين وفانكوفر ومدينة مكسيكو وأمستردام. هذا الكتاب شبيه بفلم جايسون بورن، لكنّه يتّسم بالذكاء والصدقية، وفيه أيضًا عرض ذكي للّون المحلي للعاصمة، من مخابئ وكالة الاستخبارات المركزية على طريق غليب وصولًا إلى أولد تاون، حيث يعيش المشتبه به الرئيس.
مسلية ومقلقة
بقدر ما تعتبر هذه الرواية مسلية، فهي مثيرة للقلق في تصويرها التحيز العنصري والجنسي في مكان لا تُعتبر فيه هذه المواقف مجرد ظلم؛ بل تعيق الطريق أمام المهمة القيّمة التي تؤدّيها المؤسسة. في هذا السياق، تحدثت خبيرة أمنية تدعى كيت ستورم كيف أنّها "أحبّت الوكالة، لكنّها كرهت طريقة تحويل النساء إلى المناطق الهامشية، حيث تعمل المرأة مسؤولة عن إعداد التقارير، في خدمة رجل برتبة "ضابط الاستخبارات". وتخضع عاملة أخرى أيضًا لمعاملة سيئة للغاية لدرجة أنّها تنتقم بطريقة شنيعة.
تجدر الإشارة إلى أن أغناتيوس، الروائي الجاسوس، يفتقد إلى بعض الأمور. فهو لا يكتب جملًا جميلة مثل جون لو كاريه، كما تفتقر روايته إلى البنية المتوازنة التي نجدها في روايات تشارلز مكاري عن وكالة الاستخبارات المركزية. لكن، بالنسبة إلى المعلومات الداخلية حول العمل اليومي والحياة الشخصية للجواسيس في أميركا، فإنه الأفضل.
في صفحة الشكر والتقدير، يقول المؤلّف إن الكتاب خيالي تمامًا، لكنّه الشيء الوحيد في الكتاب الذي واجهت صعوبة في تصديقه.
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "واشنطن بوست". الأصل منشور على الرابط:
https://www.washingtonpost.com
التعليقات