القوّة البيضاء أكثر من عنصرية. إنها نقطة بداية لحرب تعود إلى الوطن بطرق دموية وغير متوقّعة. فما هي هذه القوة البيضاء. ها هي كاثلين بيلو تشرّحها.
إيلاف من بيروت: في يوم سبت مُشمس من الصّيف الماضي، في حديقة أعشاب لا يزيد حجمها على حيّ في المدينة، كانت أعلام الجنوب الكونفدرالي وألمانيا النازية ترفرف جنبًا إلى جنب، يرفعها شبّان بيض حملوا الشعلات في الليلة السابقة، كما حملوا بعض الدروع والعُصي والمسدّسات. كان زيّهم شبه عسكري إلى درجة أن بعض الأشخاص وجدوا صعوبة في التمييز بين متظاهري اليمين المتطرّف من جهة والشرطة من جهة أخرى حين شاهدوا صور العنف المعروضة على الإنترنت.
نقطة بداية
كتبت كاثلين بيلو دراستها المشوّقة عن القوّة البيضاء، بعنوان "جلب الحرب إلى الوطن" Bring The War Home (نسخة مع صور؛ 339 صفحة؛ منشورات جامعة هارفارد؛ 29.95 دولارًا)، قبل أن تصبح مدينة شارلوتسفيل علامة هاشتاغ.
يتناول كتابها الأنشطة في السبعينيات والثمانينيات، لكن تستحيل قراءته من دون تذكّر الحوادث الأخيرة. قام ناشطوها - كانوا ناشطين يقومون ببناء حركة شعبيّة - بتعزيز القوّة في أعقاب حرب فيتنام. إنها نقطة البداية التي تلمّح إلى الأطروحة المتفجرة للكتاب، ومفادها أن حركة القوّة البيضاء التي بلغت ذروتها مع تفجير أوكلاهوما سيتي في عام 1995 برزت بوصفها ردّ فعل راديكاليًا على الحرب.
إنّها حجّة مثيرة، تعامل السياسة الخارجيّة كحافز لحركة ينظر إليها معظم الناس من خلال عدسة العنصريّة المحليّة. لكنّ بيلو، وهي أستاذة مساعدة في التاريخ في جامعة شيكاغو، تجد في حركة القوّة البيضاء شيئًا أكثر من العنصريّة المنتشرة؛ فهي ترى النتيجة الخبيثة للحرب التي "تعود إلى الوطن بطرق دمويّة وغير متوقّعة".
القوّة البيضاء
بحسب بيلو، خيبة الأمل الراديكالية من نخبة حاكمة أشرفت على حرب خاسرة، قد دفعت بعض المحاربين القدامى (وغيرهم ممن لم يؤدوا خدمتهم العسكرية لكنّهم تأثروا بالحرب) إلى رفض الحكومة رفضًا قاطعًا، من خلال عدسة العنصرية. هؤلاء المحاربون الذّين تعرّضوا للإستغلال والخيانة والإهمال، حملوا في نهاية المطاف السلاح ضدّ بلدهم، فأحضروا الحرب إلى الوطن دفاعًا عن أميركا البيضاء.
مثير للإهتمام من دون شكّ أن الحرب تزامنت مع تقدّم كبير في الحقوق المدنيّة، قانون الحقوق المدنية وقانون حقوق التصويت وقانون الهجرة والجنسية، أمور مهمّة بالتأكيد. لكن وفقًا لبيلو، تلك الإصلاحات الداخلية انزلقت نحو الهامش، بينما احتلّت السياسة الخارجية مركز الاهتمام.
تُشير بيلو إلى أن الرّجال الذين بنوا حركة القوّة البيضاء وضعوا نصب أعينهم فيتنام باستمرار، وصوّروا قتالهم كأنّه عودة "رامبو" إلى الوطن، مستعدّين لتصحيح الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة على الجبهة الداخليّة، تمامًا كما فعل البطل الذي مثّل دوره سيلفيستر ستالون في فيتنام. وكما تُبيّن بيلو، هؤلاء الرجال قاموا بتعبئة غضبهم في خليط سام من العنصريّة ومعاداة السّامية والروح الحربيّة والراديكاليّة والرجولة التي أصبحت حركة القوّة البيضاء.
ثورة ضدّ الحكومة
بحلول عام 1983، قامت مجموعات مختلفة، بما فيها كو كلوكس كلان، والنازيون الجدُد، والأمم الآرية، والهويّاتيون المسيحيون، بتطوير حركة في ثورة مفتوحة ضدّ الحكومة. بالنسبة إلى بيلو، يمثّل هذا نقطة تحوّل، لأنّ هذه الراديكاليّة تميّزها من الحركات السابقة المكرّسة للتفّوق الأبيض.
في العصور التي سبقت حركة الحقوق المدنيّة، كان بإمكان القوميّين البيض متابعة الأجندة العنصرية من دون الخروج عن سياسة الحكومة. بالفعل، عُنفهم لأخذ حقوقهم بأيديهم ساهم إلى حدّ كبير في تعزيز السياسات الرسميّة مثل العبودية وجيم كرو.
اختلف الوضع بالنسبة إلى مناصري القوّة البيضاء في السبعينيات. كانوا يستعدّون لحرب عرقيّة وثورة تخزين الأسلحة، بعضها مسروق من القواعد العسكرية القريبة، والبعض الآخر تمّ الحصول عليه في سوق الأسلحة الناريّة غير المنظّمة، والاستعداد للمعركة.
أما الحكومة فرأت القليل من التهديد في هؤلاء الناشطين المسلحين. تؤكّد بيلو فشل المسؤولين مرارًا في سدّ الثغرات أو تعديل العقيدة القضائية للتصدّي للتهديد المتنامي، ما سمح لحركة القوّة البيضاء بالحصول على السلطة باطّراد.
إزدهار بعد الإنسحاب!
عندما حلّت هذه الكارثة بعد روبي ريدج، وبعد واكو، عندما قام تيموثي ماكفي وزملاؤه الذين ترسم بيلو ارتباطهم بالقوّة البيضاء بشكل مقنع، بقتل 168 أميركيًا وجرح أكثر من 500 آخرين في أكثر الهجمات الإرهابية المحليّة دموية في التاريخ الأميركي، تَعامَل المحامون ووسائل الإعلام بشكل عام مع التفجير من منطلق أنّه حادث ارتكبه شخص بمفرده، ما سمح للخلايا الإرهابيّة في القوّة البيضاء بالإنسحاب من أمام أعيُن الناس، ولم تعاود الظهور إلاّ في السنوات الأخيرة.
إنّه إتّهام مدهش بالإدانة الرسميّة. تُثبّت بيلو قضيتها بالاستناد إلى الطبّ الشرعي. وبقيامها بذلك، تُظهر أنّه في الوقت الذي تتواجد فيه العنصرية معنا، فإنّ الخيارات السياسية التي تتراوح بين استراتيجيات الشرطة المحليّة وأبعد مجالات السياسة الخارجية تخلق المجال أمام ازدهار القوّة البيضاء.
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "نيويورك تايمز". الأصل منشور على الرابط:
https://nyti.ms/2Neg7qz
التعليقات