نورة البدوي ــ تونس

تجمع اللبنانية سهى صباّغ بين خارطة الفنون، لنجدها عالما ممزوجا بنكهة الكتابة والقصص ومخرجة أفلام وثائقية ترصد اللحظة والتاريخ لتقدمها ببصمة لا تخرج عن واقع ومشاغل وطنها لبنان، لم تتخلى صباغ عن الألوان لتشكلها في لوحات متعددة المعاني بمعارض دولية ووطنية فالألوان بالنسبة إليها "ترسم القصيدة، كما ترسم اللوحة، كما تصنع الفيلم، كما تدخل على الرّواية، ولا مانع أن تعطي طيفها بمقال أكتبه. "
بهذا المزيج الفني الذي تتمتع به سهى صباّغ و الذي لا يخرج من دائرة المخاطبة الكلية للمتلقي بمختلف أبعاده الروحية و الفكرية و الشعورية تضعنا من خلال رسمها و تصويرها و كتابتها أمام مشهدية لا تخلو من مخاطبة مباشرة للهاجس اللبناني؛ الهاجس الذي ينطلق من ذاتها باتجاه الآخر لتتشكل لوحة الانصهار في خرائطها الفنية والإنسانية .. وكان لإيلاف هذا اللقاء مع الفنانة التشكيلية سهى صبّاغ.

-&& &لو طلبنا من سهى صبّاغ أن ترسم لنا لوحة تقدّم فيها نفسها للقارئ، كيف ستكون؟&
&أقدّم نفسي كما أنا.. وعلى القارئ أن يكتشفني من خلال كافّة أعمالي.. أنا كل ما أكتب أو أرسم.. ربّما.. حتى لو قدّمت للقارئ لوحة، ربّما يراني في مكان ما بشكل مختلف. أحب أن أتّكل على ذكاء القارئ وإحساسه باكتشاف الأمور. باكتشافي. استطراداً، سوف تجدين الجواب على سؤالك في معرضي القادم؛ وأجوبة أخرى، في روايتي القادمة التي لم تٌنشر بعد. أمّا ما سبق من أعمال، فهناك آثار لي، لا بدّ.

- هل يمكن القول أن تكثيف الألوان بلوحاتك و"تشويه" الأشكال هو أسلوب تعتمدينه؟&
(تبتسم) .. أنا لا أشوّه الأشكال، لكنّني أنتمي إلى التيّار أو المدرسة التعبيريّة (وأحياناً التعبيريّة الوحشيّة)، وفيها لا نعتمد على نقل الشّكل كما تراه العين فقط، (كالتّلميذ الذي يحفظ أمثولته بَصم ودون استيعاب عميق للموضوع). أنا أعيش الحالة وأنقل الاحساس الدّاخلي. مثلاً لو كنت أرسم إنساناً غاضباً أو حزيناً ممزّقاَ من الدّاخل، فأنا لا أعتمد بالضّرورة على مقاييسه الجماليّة الخارجيّة فحسب، أدخل إلى أعماقه أعيش حالته، وأقتلع صرخته، ألمه، غضبه، بخطوطٍ تحفر بقلب المشاهد قبل عينه. أشرّح القهر وأخرجه.

-ما انعكاس انتمائك إلى المدرسة التعبيرية على سهى صبّاغ القاصّة أو الشّاعرة؟ &
ما اخترت الإبداع بكل جوانبه إلا لكي أعبّر، وأفَجّر بركاناً يغلي بداخلي. التّعبيريّة، فتحت لي المجال لأكون حرّة في أسلوبي، لا يُقَيّدني شيء. مثلاً أقول بقصيدة: طار عقل الصّبي/بين طائرته والطّائرة التي تمرّ من أمام شرفته/ كل يوم تمرّ الطّائرة/ حتى حَفِظَ الدّرس عن ظهر قلب/ طار الصّبي/ يصرخ البيانو/ يُريد الّلحاق به/ غيثارته تعنّ/ تطلع منها امرأة بتنّورة واسعة، تضرب الأرض بنعالها.. &

- أنت، مخرجة أفلام وثائقيّة و قاصّة و شاعرة و فنّانة تشكيليّة هل هناك عمل فنّي قدّمته سهى صبّاغ جمعت من خلاله كل هذه الفنون؟&
&سأحاول أن أتكلّم عن كلٌ من هذه الفنون التي ذكرتِ. بالنّسبة إلى الأفلام الوثائقيّة، فأنا استفدت كَمُعِدّة، من كوني كاتبة، فيهون عليّ الاختصار والتقطيع، اللذان سيعبّران عن الفكرة برشاقة وسرعة بعيداً عن الوقوع بالثرثرة المملّة، وإلى ما هنالك. أستفيد من عيني التشكيليّة حين أصوّر المشاهد، أُكَوْدِرها (من كادر أو إطار) أرى المشهد كلوحة. كذلك الأمر، في القصيدة، التي يتحوّل فيها المشهد إلى لوحة أو حتى لوحات ومشهديّات ما بين التشكيل والفيلم المتحرّك، وأستفيد من النور والظّل في كل أعمالي. من المساحات الواسعة والضيّقة. الألوان ترسم القصيدة، كما ترسم اللوحة، كما تصنع الفيلم، كما تدخل على الرّواية، ولا مانع أن تعطي طيفها بمقال أكتبه. الفن يُكَمّل بعضه، والفنّان حتى لو لم يكن مُتَعَدّد عليه أن يعرف أسرار باقي الفنون ويتغذّى من روحها. الموسيقى أيضاً تدخل في حواس اللغة المكتوبة أو المرسومة أو الذي تحضن الفيلم.&

-&& &هل أثّر الجنوب وما يعانيه من أجواء جيوسياسيّة وهموم إنسانيّة بؤرة خريطة الفن لك؟&
&ليس الجنوب فحسب، لبنان بأكمله وخاصّة بيروت التي ولدتُ وعشت فيها بكل حالاتها من حرب، وحروب لا تنتهي في كل أنواعها. رسمت الحرب بلوحات كثيرة. كذلك رسمت الانتصارات. بالتّحديد رسمت من وحي حرب تمّوز 2006 (وذلك ما بين الجنوب وجزء من بيروت). رسمت المدينة بعبثيّتها كما هي، بجنونها، فرحها، تناقضاتها.. السّياسة لا تنفصل عن حياة الإنسان، فكما رسمت التظاهرات الاحتجاجيّة، رسمت "مظاهرة العشّاق" وهم يحملون يافطات كُتِب عليها "إنّما للصّبر حدود يا حبيبي".. أمّا في روايتي التي تنتظر وقت طباعتها، أيضاً هناك أمور شبيهة، لن أستبق الكلام عنها قبل أن تبصر النّور.

- لمن ترسم سهى صبّاغ؟ و لماذا؟
&أرسم لأرضي نفسي أولاً. إن لم يرضِ الإنسان نفسه، لن يتمكّن من إرضاء أحد. أرسم لأشعر أنني أعيش. أُخْلِقُ شيء. أُنْجِب، بمعنى الولادة. كتبت مرّة، أن اللوحة هي الملاذ الأوّل والأخير.. نعم هي كذلك. حتى أقرب النّاس إليك لهم خصوصيّتهم ويتركوك من أجل أمورهم، أمّا اللوحة فهي تلازمني. أتحدّث معها كل يوم. نتكلّم بالفلسفة والوجود، نبكي ونبتسم سويّةً.. وحين تخرج إلى المتلقّي، يُصبح من حقّه أن يحاورها كما يريد وكما تصله الأمور عبرها

-هل هناك أعمال إبداعيّة جديدة؟&
&ليس من قيمة للوقت إن لم أستيقظ وأنام وأنا أُبدع. بالأشهر القليلة المُقبلة، وحسب الظّروف، هناك مشروع معرض جديد، ورواية، وهناك أكثر من ديوان ينتظرون كلّهم ولادتهم. أنتظر أنا بدوري الظرف المناسب.&

نص
&فيما تمد ساقيها؛ غريب يسترق النظر!
(تمدّ ساقيها تمدّ ساقيها بمقهى للذين يرتاحون مع أنفسهم بانتظار طلبها من غداء. تُكمل قراءة الرواية. غريب يتناول طعامه يسرق نظرة خجولة يصل طلبها يتشاركا تناول الطّعام كل من مكانه يقطع المشهد بينهما زبائن يروحون ويجيئون ينجلي المشهد من جديد الطّاولة خالية لذلك تحبّ الغرباء لكنّه يعود)&

&