تكتب الشاعرة في إحدى قصائدها قائلة:

"المأساة ليست أن لا أحد يطرق بابكَ بل أن لا يكون لديكَ بابا تقصده.

إذن هي اِقامة زائلة غير موجودة لذات متشضّية لا يدل عليها ثابت أو علامة تعلنه القصائد التي تكتبها عليًة عبد السلام بضمير المتكلم وكأنها في لحظة مصيريٌة شاء لها أن تهدًم باللغة العفوية ما هو مختلف فنيًا في البناء اللغوي الشعري، كل ما تفعله هي أن تضع أصعبها عليه ليتحول إلى أشلاء سوف يقفز بعضها ، لا يهمها لو أن هذه الأشلاء تستقر في وجوه بعض العابرين خاصة ذلك الذي تحاول أن ترتقي به إلى تجسيد صورة الخالق في احدى القصائد قائلة:

" إركن روحك بين أقدامها

راقب ومن خلال المرآة

كيف يكون كمال الله

في المضاجعة "

أو كما تقول في ذات القصيدة :

" تُقدم لي جدران أربعة تضاجعني

في روعة أمام المرآة

تأخذني

في حضنك ولا تتركني أبدا"

بين شهوة الجسد التي تريد لها أن تكون لحظة اكتمال مطلقة وسمو تصل إلى تحقيق الوجود بذات الإله في صورة إلتحام الرجل والمرأة معا وبين الخداع الزائل للصورة الناقصة للوجود التي تنتهي بنشوة عابرة لا تستطيع المرآة المجاورة لها أن تؤطرها بعلاقة أبديًة وعشق لطالما بحثت عنه في أغلب قصائدها خاصة في مجموعتها الشعرية "موت من أحبوني"

حيث تقول في احدى قصائدها من ذات المجموعة المذكورة:

" فأنا مجرد عربة تقل العابرين

إلى ملاجئهم الأخيرة"

وكأنها لحظة النهاية التراجيديًة الأبدية المعلومة التي تريد أن تصل لها بعد الخسارة التي تعلنها في هذا المقطع من احدى قصائدها:

تقول:

"في معركة الحياة

ليست الفجائع التي مررت بها

أمر ما فيها

لا هشاشة روحي

أو نقاء عقلي

ولا هؤلاء من أحبوني

بل خاسرة لكل حروبي

أقضي أيامي حاضرة

متى استسلم"

والمعنى التراجيدي المعروف لا يتوقف هنا عند نقطة الاستسلام الحتمية بل يقفز للسؤال الفلسفي المفتوح الذي يشبه الحكمة

حيث تقول:

ادراكنا للحياة يبدأ متأخرا

تمضي سنوات العمر

كمقامر يخسر كل يوم يوما

وحين نتعلم كيف نربح

يكون قد فات الأوان "

أو كما في هذا المقطع الذاتي حيث تقول :

"طفا ظلي فوق السعادة

تماما كما طفوت في البحر الميت"

أو كما تقول في مقطع آخر :

"لولا الملل ما أشرقت الشمس"

ويتحول السؤال الفلسفي الوجودي إلى استنتاج عرضي يعكس خصوصية الشعر الذي يحاول أن يرى العالم من خلال رهافة الجمال الذي يتفوق على القوة بمعناها المجرد كما في هذا المقطع:

الحياة بدون شجاعة ليست حياة

والشجاعة بدون القوة انتحار

والقوة ليست بطشا

بل أحيانا هي رقة الورد "

وتتجلى الشاعرة في احدى قصائدها المكتوبة لاِدانة الحرب حيث تناسق البناء الداخلي للنص في اختيار المفردات وعدم تكرار الصورة لما يسبقها من صورة سالفة حتى تنتهي بايقاع سوداوي لكنه عميق يكشف عن بشاعة الحرب وويلاتها ما تتركه من خراب ينعدم فيه شرط الحياة للبشر الذي يقود للخصوبة والبقاء

حيث تقول في القصيدة :

شارفت الحرب على الاِنتهاء

سيكون الموت قد حظي بنصيب هائل

من أرواح شابة

ستقوض المأساة من بقي منا

سوف يعذبنا الحرمان

الحرمان المتجبر

على كل طفل تائه

أو مسن مشرد

سيكون ليس لدي حبيب

ولا قريب ولا دموع

ستكون أنت وحدك أيها الدمار

كل عائلتي

كل ما ترى عيناي

وتلمس يداي

شارفت الحرب على الاِنتهاء

شقوق الأرض تبتلع الشعوب

والجبال المنعزلة

فوقنا سماء بدون إله

هناك لا يوجد ما يدعى مأساة "


ولا تتوقف الشاعرة عن القبض على المأساة التي ترى ذاتها فيها نبتة لم تستطع مد جذورها في الأرض كي تثمر كما تذكر في هذا المقطع:

"أشرقت في تربتي السوداء

جرفني المطر

كل الدموع

قبل نهاية الطريق

انتظرت

إن ناديته

يفرح

حبيبي لؤلؤة

لم يكن يعرف أني سأتركه بعد

يومين وساعة "

ولا تخلو عوالم الشاعرة من لحظة صفاء وتأمل ترى من خلالها السلام الداخلي لتناسق الطبيعة التي تتحرك بايقاع خاص بديمومتها يدل على ماهية الوجود وقِدمه وأيضا على استمراريته التي ترمز له الشاعرة بالنظيف والفقير كما في هذا المقطع:

الشمس الذهبية ساطعة

كل شيء فقير

لكنه نظيف

الصحراء المحيطة

الجبال المتاخمة للقرية

حتى السيول "

أو في هذا المقطع المحبب:

الرجال كالنساء

أكثرهم اثارة

أكثرهم شرفا"

يمكنني القول أن تجربة الشاعرة تندرج ضمن محاولات الشعر الحديث المرتبط بقصيدة النثر وتنوع أساليبها التي تختلف من شاعر إلى آخر وهي مشروع حياة ربما يصل بكاتبه للموت أو الصمت وقد وجدت الشاعرة عليًة عبد السلام تكتب قصيدتها الخاصة بها جدا، عفوية، بسيطة، معلنة، تبتعد عن الغموض والأهم ليس هناك من تأثيرات في أشعارها لما ينتمي للشعر العالمي أو المحلي العربي وما أكثر ما يكتب من قصائد ويصدر من مجموعات شعرية..

كان قد صدر للشاعرة مجموعتان شعريتان هما :

"تحت خط الاِستواء"

دار ميريت للنشر القاهرة ١٩٩٩

"موت من أحبوني "

صدرت عن دار النهضة العربية بيروت ٢٠١١

وعن دار الرواشن دبي الاِمارات

٢٠١٨ طباعة ثانية

عقيل منقوش. أستراليا ١٣/١٢/٢٠٢١