اختتم قبل ايام معرض ابوظبي الدولي للكتاب وعرس عاصمتنا الثقافي السنوي، وفي نسخته لهذه السنة كانت جمهورية ألمانيا الاتحادية هي ضيف الشرف.

السؤال ما هي انجح تجربة ألمانية معاصرة؟
متى ما سلطنا الضوء على المانيا نجد الكثير من انجازات واسهامات الشعب الألماني التي ساهمت تطور الحضارة الإنسانية، والحديث في هذا المقال يتناول تجربة ألمانية صرفه ومن الأكثر شهرة ونجاحا، بل ويحاول الاتحاد الأوروبي نشرها في الدول الأخرى، التجربة هي "نظام التعليم والتدريب المزدوج".

علي الأحمد
علي الأحمد متحدثاً في معرض ابوظبي الدولي للكتاب(وام)

نسبة البطالة

قبل أكثر من 50 سنة بدأ نظام التعليم والتدريب المزدوج في المدارس الألمانية، واليوم وبعد ان ترسخت هذه البرامج التدريبية في النظام التعليمي أصبحت نسبة البطالة بين الشباب الالماني هي الأدنى في دول الاتحاد الأوروبي، ليس ذلك فحسب، بل ان المانيا تتصدر دول العالم في معدل العمالة الماهرة.

Image
علي الأحمد يوقع كتابه التجربة الألمانية في معرض ابوظبي الدولي للكتاب

- لماذا يعد نظام التعليم والتدريب في مرحلة الدراسة الثانوية ركيزة أساسية للقدرة التنافسية للاقتصاد الألماني؟ ما اهداف هذا النظام التدريبي وماهي نتائجه؟ ولماذا تميزت المانيا؟
الاستثمار في التدريب هو عامل رئيسي للنجاح في عالم تتزايد فيه المنافسة، وتنمية المهارات تزيد القدرة على الابداع وتطور الكفاءة المهنية، هذا ما تقوله صفحة الوزارة الاتحادية للتعليم والبحوث وهي الجهة المسؤولة عن نظام التعليم والتدريب.
يخضع أكثر من 50% من خريجي المدارس الثانوية الى تدريب لفترة تمتد من 2 الى 3 سنوات حيث يقضي الطالب جزءا من جدوله الأسبوعي في مدرسة مهنية او متدربا في شركة، اما قابلية التوظيف والحصول على فرصة عمل لخريجي نظام التعليم والتدريب فهي تتجاوز 70%.

السمة الرئيسية للنظام المزدوج هي التعاون بين الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل رئيسي من ناحية والمدارس المهنية الممولة من القطاع العام من ناحية أخرى، وتحصل الشركات المشاركة وتبلغ 430,000 شركة على امتيازات وإعفاءات ضريبية لمشاركتها في التدريب، وتخصص هذه الشركات نسبة من أرباحها السنوية لدعم نظام التدريب في المدارس.

German dual education system: paid on-site workforce training.
نظام التعليم الألماني المزدوج: تدريب القوى العاملة مدفوع الأجر في الموقع.

خطوات للتدريب

هناك خطوات واضحة لبرامج التدريب تبدأ بإعلان الشركات عن فرص التدريب التي لديها، ثم يتقدم المتدرب مباشرةً بطلب الالتحاق بالتدريب.
وبعد الحصول على موافقة "الشركة"، يقوم المتدرب بالتوقيع على عقد تدريب معها مع تحديد فترة ومتطلبات العمل و الاجر الشهري خلال سنوات التدريب.
ويمضي المتدربون 70% من وقتهم في التدريب العملي و 30% في الدراسة الاكاديمية المرتبطة بوظيفتهم المستقبلية، حيث تشارك غرف التجارة والصناعة في كل ولاية في اعتماد الشهادات التدريبية بعد اجتياز المتدرب لاختبار عملي و اكاديمي.

الشهادة الجامعية

يقول أحد مدراء نظام التدريب "ليس بالضرورة ان تحصل على شهادة جامعية للحصول على وظيفة مناسبة لتبدأ مسيرتك المهنية، والسبب في ذلك ان المهن والحرف التي يتدرب عليها الطلبة تنمو وتتطور، واليوم يشكل خريجي نظام التدريب 50% من العمالة الماهرة في المانيا".

هناك أكثر من 330 مهنة وحرفة تشترط الحصول على شهادة نظام التعليم والتدريب، اما فرص العمل المتاحة للخريجين فتبلغ 500,000 فرصة عمل سنويا وأغلب هذه الوظائف تقدمها الشركات المتوسطة والصغيرة، وتتنوع هذه المهن بين التقليدية المعروفة (مزارع، خياط، نجار، ميكانيكي سيارات، خباز، كهربائي ....) بالإضافة الى مهن في مجال التكنولوجيا والانترنت وقطاع الصحة والسياحة والخدمات وغيرها الكثير، وتحدث مناهج المدارس المهنية سنويا حسب الحاجة الفعلية لسوق العمل واخر تطورات الصناعة والأبحاث في كل مهنة وحرفة.

المدارس المهنية

استطاعت المدارس المهنية لنظام التعليم والتدريب خلق مستوى متساو في الخدمات وجودة الإنتاج في كل ارجاء المانيا لأكثر 330 مهنة وحرفة محددة، ولم يقتصر عمل نظام التعليم والتدريب على تأهيل طلبة المدارس بل تم استحداث برامج لتدريب مئات الالاف من اللاجئين الذين بدأت افواجهم في الوصول الى أوروبا منذ 2014, غالبيتهم من العرب والمسلمين، وتأتي المانيا والسويد في صدارة الدول الأوروبية من حيث عدد اللاجئين اليها، ونتذكر كيف استقبل الالمان المهاجرين بالورود في محطات القطارات.

Ausblidung zum Mechatroniker
نظام التدريب المزدوج هو أفضل طريقة لتعيين موظفين مهرة في الشركات(وكالة الانباء الالمانية)

توزيع اللاجئين

استطاعت المانيا الاستفادة من التغيير السكاني الديموغرافي مع الاحتفاظ بخصائص الجودة والاتقان التي عرفوا بها, ومنذ البداية قامت الحكومة بتوزيع طالبي اللجوء بين المدن الألمانية بناءة على حاجة سوق العمل وحجم اقتصاد كل ولاية.
واشترطت الحكومة الحصول على شهادة معتمدة من نظام التعليم والتدريب الالماني للاعتراف بخبرات اللاجئين للمهن والحرف التي كانوا يزاولونها في بلدانهم، عندها يثبتون كفاءتهم لدخول سوق العمل حسب الاشتراطات والمواصفات المتبعة.

حقق نظام التعليم والتدريب نجاحا باهرا، والاحصائيات تشير الى ان 9 من كل 10 لاجئين يحصلون على فرصة عمل بعد ان يتم تأهيلهم، وقد ساهم ذلك في سرعة اندماج اللاجئين في محيطهم الجديد ليصبحوا جزءا من النسيج الاجتماعي الألماني.

قد تستفيد الكثير من الدول من نظام التعليم والتدريب الألماني، وأطلقت الحكومة الألمانية منذ عدة سنوات "مجموعة أدوات التدريب المهني" عبر الإنترنت لتقديم الدعم لصانعي القرار في دول عدة ترغب في تنفيذ المبادئ الرئيسية لهذه البرامج المزدوجة التي تجمع بين التعليم والتدريب.

ربما لولا نظام التعليم والتدريب لما أصبحت المانيا اليوم رابع اكبر اقتصاد عالمي وبمعدل بطالة منخفض، اقتصاد قادر على خلق فرص عمل لاعتماده على الابتكار، الى ان أصبحت عبارة "صنع في المانيا" مرادفا للجودة والاتقان.