كتاب يسلط الضوء على أهمية المصادر الشخصية والأوراق التاريخية العائلية في فهم الأحداث التاريخية والتراث الثقافي، ويدعو إلى العناية والاهتمام بتلك الوثائق كجزء من تاريخنا

إيلاف من عمان: التاريخ بوابة الحاضر وطريق فهم المستقبل. وفي كتابها الجديد "أوراق الأجداد"، تعمل الكاتبة والمؤرخة الدكتورة هند أبو الشعر بوحي هذه القاعدة لتقدم نظرة فريدة إلى جهودها السابقة الحثيثة في جمع وتحليل أوراق الأجداد كمصدر لتاريخ الأردن الحديث. هذا الكتاب النوعي، الصادر حديثاً عن "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان، يعدّ تطبيقًا عمليًا لفكرة التنقيب داخل التاريخ الاجتماعي والاقتصادي، ويعكس جهودها المستمرة في تقديم دراسات تاريخية تسلط الضوء على الأحداث والتطورات في الأردن.

من خلال مقالاتها الأسبوعية في زاوية "ذاكرة الوطن"، التي نُشرت تباعاً على مدار عامين اثنين، في جريدة "الرأي"، أتاحت أبو الشعر للقراء فرصة استعراض محفوظاتهم الشخصية من أوراق الأجداد. ويأتي هذا الكتاب ليؤكد على أهمية هذه الوثائق اليومية التي توثق الحياة اليومية والأحداث التاريخية والاجتماعية، مما يسهم في إثراء فهمنا للواقع الاجتماعي والاقتصادي والعمراني لذلك الزمن.

في تعريفها بالكتاب، تشدد أبو الشعر على أهمية المصادر المحلية في كتابة التاريخ المحلي والوطني، وتشجع على البحث عن هذه المصادر التي تحمل قصصًا وحكايات لم تُستخدم بعد في فهم وتوثيق تاريخنا. وهي تحث على تقديم المذكرات والوثائق الشخصية لتحفظ وتدرس في مراكز التوثيق لتعزيز فهمنا لتاريخنا وثقافتنا.

وتضيف أبو الشعر في معرض حديثها عن الكتاب: "مصادرنا في كتابة التاريخ المحلي ثمينة وحميمة، هذا ما يجب أن يصبح هاجسنا في البحث والتوثيق، ومن هنا، لا بد من البحث عن هذه المصادر المحلية التي ضاع الكثير منها بفعل الإهمال زمناً طويلاً".

مهمة صعبة وشاقة
وتؤكد أبو الشعر على أهمية ما تمنحه الكتابة الإبداعية للمؤرخ من مفاتيح التدريب العقلي عند دراسة التاريخ وكتابته، لأن الأدب إبداع مفتوح حُرّ وجميل، أما كتابة التاريخ فمهمة صعبة وشاقة والتزام يؤرق صاحبه، مما يدفعها لطرح سؤال كبير في مقدمة كتابها كما تقول: "إن السؤال الكبير الذي يؤرقنا دوما هو علاقتنا بالتاريخ، ومخاوفنا من أن يكون تاريخنا بعيد عن الموضوعية والمنهج العلمي، فهل كتب العرب لأنفسهم تاريخا صحيحاً وعادلاً؟ " لتعود وترصد في هذه المقدمة المهمة حركية التاريخ وتحاول مساءلة المنهج الذي كتب به ومحاكمة كل ما نتج من هذا الرصد من وعي بمراحله السابقة وصولا إلى المرحلة العثمانية وليس إنتهاء بأوراق أجدادنا خلال المئوية الماضية وكيف تم تناولها.

في هذا الكتاب الذي ترصد فيه أبو الشعر محطات مهمة من تاريخ الأردن الحديث تقرأ بوعي لافت العديد من أوراق الأجداد التي وصلت اليها، ومنها: "أوراق الأجداد (سليم أبو الشعر)، أوراق حسن المحمد الغرايبة (أبو جميل)، أوراق عبد القادر أحمد التل (1874م – 1962م)، أوراق عارف بيك التل، أوراق أقدم مهاجر أردني إلى أمريكا عام 1913م، سلمان عبده النمري 1881م – 1977م، أوراق صالح المصطفى التل، شخصيات علقت بذاكرة رجل في التسعين." وتنسج من خلال هذه القراءة الأدبية قبل التاريخية ملامح سيرة وحياة لتؤكد من جديد على أهمية القراءة الواعية والفاحصة لهذه الأوراق وغيرها، مقدمة من خلال ذلك مدرسة بحثية متكاملة ومهمة للباحثين في هذا المجال.

تقول أبو الشعر، مدخلاً لإحدى القراءات في أوراق حسن المحمد الغرايبة (أبو جميل): "من خلال هذه الأوراق استطعت أن أعرف حسن المحمد الغرايبة الرجل البسيط من حوارة، لم يكن في موقع السلطة، أو من أصحاب الثروة الكبيرة، أو ممن أدار مؤسسات، لكنه بما كتبه على أوراق أرّخ لزمن الثلاثينيَّات في قرية حوارة المتاخمة لإربد، فهل كان يخطر ببال حسن المحمد الغرايبة وهو يكتب أسعار الخضار التي اشتراها من دكان بحوارة، أو وهو يُدوّن أعداد الأغنام والماعز التي يملكها، أنني وبعد أكثر من تسعين عاماً سأعرف الناس بما كتب، وأجعلها مصدراً لدراسة في التاريخ الاجتماعي؟ إن يوميات حسن المحمد الغرايبة ستصبح جزءا من ذاكرة القراء، ليعرفوا متى اشترى في أحد أيام من عام 1946م من سوق إربد، وما الذي اشتراه، وكم دفع، وما العملة التي استخدمها، ومتى مات الثور الأسود في داره، ولماذا مات؟ هل كان لموت الثور علاقة بوباء ما؟ وكيف كان الناس يداوون مواشيهم، وهل كانت الدولة مسؤولة عن توفير العناية الكافية لمربي المواشي؟ وكم كان سعر الثور آنذاك؟ هل ينفصل كل هذا عن تاريخ المرحلة الاقتصادي والاجتماعي؟".

ومن الجدير ذكره أن هند أبو الشعر كاتبة وأكاديمية ومؤرخة أردنية، تكتب القصة القصيرة، والنصوص، والمقالات الصحفية، والدراسات التاريخية. أستاذة جامعية، شاركت في العديد من المؤتمرات والندوات التاريخية والأدبية في الأردن والبلاد العربية، وأشرفت على العديد من الرسائل الجامعية وشاركت في عشرات المناقشات لرسائل الماجستير والدكتوراة في الجامعات الأردنية والعربية. لها 86 كتاباً منشورا بين القصص والدراسات التاريخية والكتب الوثائقية، حصلت على وسام الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للتميز والإبداع عام 2016، حصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 2021 عن مجمل أعمالها في حقل العلوم الاجتماعية وتاريخ الأردن.