الجزائر: يقوم وزير المالية والاقتصاد الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة إلى الجزائر ، تدوم يوما واحدا ، يجري خلاله مباحثات مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وكبار المسؤولين الجزائريين لدعم وتطوير سبل التعاون الاقتصادي بين البلدين ، ولعل أهمها مسألة تحويل جزء من الديون الخارجية الجزائرية المستحقة لفرنسا إلى استثمارات فرنسية بالجزائر .

وتقدر هذه الديون بأكثر من مليارين وثمانمائة مليون دولار أمريكي ، تم تحويل مائة وأحد عشر مليون دولار منها إلى استثمارات فرنسية في الجزائر خلال السنوات الثلاث الماضية ، وتعادل 3.97 % من حجم الديون الخارجية الجزائرية لفرنسا وهي نسبة متواضعة مقارنة بما شهدته العلاقات الجزائرية الفرنسية من تطورات ملحوظة منذ تولي الرئيس بوتفليقة مقاليد الحكم في البلاد عام 1999. وقد بدأ بإذابة الجليد بين البلدين في زيارته لباريس عام 2000 ، لكن علاقات البلدين عرفت دفئا غير مسبوق في تاريخ الجزائر المستقلة بعد زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك للجزائر في مارس (آذار) من عام 2003 ، إذ وقع الرئيسان اتفاقية تعاون وصفت بالمميزة ، استوجبت زيارات متبادلة لمسؤولي البلدين .

وتأتي زيارة ساركوزي للجزائر بعد زيارة كل من وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنيي ، في 12/07/2004 ، تبعتها زيارة وزيرة الدفاع الفرنسي ميشال آليو ماري ، وقد بحثت مع الرئيس بوتفليقة بصفته وزيرا للدفاع سبل التعاون العسكري بين البلدين ، في التدريب والتزويد بالسلاح الفرنسي ، وهو أول إعلان رسمي برفع فرنسا حظر بيع السلاح للجزائر . والآن يزور الجزائر وزير المالية والاقتصاد الفرنسي نيكولا ساركوزي ، وهي الثانية له في غضون شهرين ليبحث خلالها إلى جانب تحويل جزء آخر من الديون الخارجية الجزائرية إلى استثمارات فرنسية جديدة ، سيوقع عدة اتفاقيات شراكة بين البلدين .

وكان وزير المالية الجزائري عبد اللطيف بن أشنهو قد صرح في مؤتمر صحافي عشية زيارة ساركوزي، "بأن الديون الخارجية المقدرة بـ 31.4/مليار دولار أميركي ، قد وافقت عدة دول أوربية على تحويل ما بين 10% من قروضها إلى استثمارات في الجزائر ، وتجري حاليا – يقول بن أشنهو – مفاوضات شاقة مع الدول الدائنة ومع نادي باريس لرفع نسبة تحويل الديون لاستثمارات إلى 30% ، وهذا يسمح – حسب الوزير بن أشنهو – بزيادة حجم الاستثمار الأجنبي في الجزائر ، وأعطى مثالا ، في حالة موافقة فرنسا على تحويل 30% من قروضها للجزائر لاستثمار ، يعني تحويل 850 مليون دولار أمريكي ، سيرفع حجم الاستثمارات الأجنبية في الجزائر.

وسوف يوقع وزيرا مالية البلدين اتفاق شراكة للتنمية ، يشمل مختلف القطاعات الاقتصادية للاستثمار الفرنسي .وكان ساركوزي قد وقع اتفاقا شراكة في زيارته الرسمية قبل نحو شهرين بقيمة 80 مليون يورو ، لكهربة السكة الحديدية في ضواحي العاصمة ، واتفاق آخر بقيمة 300 مليون يورو لتجهيز ميترو العاصمة ، وفي جعبة زيارته الجديدة مشاريع استثمارية ، في الصناعة الغذائية ، والطاقة ، والمياه . وتسعى فرنسا لتوسيع مجالات التعاون مع الجزائر ، تمهيدا لتوقيع اتفاقية الصداقة المزمع توقيعها بين البلدين عام 2005 . وقد بدا الاهتمام الفرنسي غير المسبوق بالجزائر ، في اجتماع مجلس الوزراء الفرنسي عقده الرئيس شيراك الأسبوع الماضي ، خاص بالتعاون مع الجزائر ، دعا فيه إلى تكثيف الحوار بين البلدين ، والإسراع في تسوية الملفات العالقة بين البلدين ، تمهيدا لاتفاق الصداقة العام القادم.

وفسر المحللون السياسيون الاهتمام الفرنسي بالاستثمار في الجزائر ، لما لديها من وفرة مالية تزيد عن 37 مليار دولار ، جراء ارتفاع أسعار النفط ، ورد وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم في مؤتمر صحافي عقده الأسبوع الماضي ، " لا ينبغي التقليل من شأن الجزائر ، فقد استعادت مكانتها الدولية على كافة الأصعدة " . غير أن الملاحظ على العلاقات الفرنسية الجزائرية ارتكزت على أثافي الاقتصاد ، والسياسة ، والدفاع ، مما يعني – حسب المحللين السياسيين ، أن فرنسا دخلت بقوة للاستثمار في الجزائر ، مستعمرتها السابقة ، حيث تجد منافسا قويا ، الولايات المتحدة، وقد بلغت استثماراتها في الجزائر أكثر من 5 مليارات دولار معظمها في المحروقات ، بينما الاستثمار الفرنسي لا يتجاوز 1.5 مليار دولار ، و هذا ما يدفع فرنسا – حسب المحلل السياسي الجزائري عبد العالي رزاقي – إلى التوجه على هذا النحو للجزائر ، لأنها خسرت كثيرا في ابتعادها عن الجزائر ،قد حصلت على موافقة الجزائر بإعادة بناء ما دمره زلزال بومرداس 2003 ، الذي ضرب ولايتي العاصمة وبومرداس ، والكلفة تقدر بنحو أربعة مليارات دولار.

ويبدو السباق الفرنسي – الأميركي نحو دول المغرب العربي ، والجزائر خاصة ،أنه ينطوي على رغبة الطرفين المتنافسين ، إذا لم نقل المتصارعين ، في السيطرة على السوق الأفريقية ، وثروات أفريقيا من بوابتها الجزائر .فالقارة الأفريقية لا زالت خام مقارنة بقارة آسيا .