انسحاب مصرف يو بي أس من السوق الإيرانية



جنيف

في العادة، لا تتوانى البنوك والمصارف السويسرية عن الإعلان عن أنشطتها في جميع دول العالم حتى وإن كان بيع حزمة من الأسهم أو افتتاح فرع جديد لها، أما أن يقوم أكبر مصرف سويسري بتصفية تعاملاته في دولة بحجم إيران دون أن يتم الإعلان عن هذا، إلى أن تكشفه صحيفة أسبوعية بمحض الصدفة، فهذا شيء غير عادي. أما الأكثر إثارة، فهو أن ثاني أكبر مصرف سويسري أقدم على اتخاذ الخطوة ذاتها وبنفس الصمت، لينسحب بذلك أكبر مصرفين سويسريين من الجمهورية الإسلامية في ظرف وجيز.

السيد سيرغييه شتاينر، المتحدث الإعلامي باسم quot;يو بي اسquot;، قال لسويس انفو: quot;جميع المتعاملين معنا في إيران يعرفون منذ الخريف الماضي بأننا سننسحب من السوق، ونقوم منذ ذلك الوقت بالتعاون سويا في مراجعة المستحقات والالتزامات المالية لكل طرف، بعدما رأينا بأن العمل في السوق الإيرانية ينطوي على مخاطرquot;.

هذه الخطوة غير العادية لم يتم الإعلان عنها في بيان رسمي أو من خلال مؤتمر صحفي، لأن البنك quot;له الحرية المطلقة في إبلاغ وسائل الإعلام بمثل هذه القرارات أو لاquot;، حسب قول المتحدث باسم البنك.

أما مفهوم quot;المخاطرquot; التي ورد ذكرها أكثر من مرة في حواره، فقد حددها السيد شتاينر بأنها quot;اقتصادية بحتة من منطلق مفاهيم الربح والخسارة، فليس من المنطقي أن تبقي مؤسسة مالية على تعاملاتها في منطقة تعرف أنها لا تعود عليها بالفائدة المرجوة، وما لا يجد فيه quot;يو بي اسquot; ربحا قد يكون للآخرين نافعا، إذ أن هناك العديد من المؤسسات المالية السويسرية والعالمية التي تسعد الآن بمثل هذا القرار، لأنها ستحل مكاننا، وعندهم أيضا خبراء يمكنهم تقييم الموقف من ناحية الأرباح والخسائرquot;.

وكريدي سويس ايضا

وعند التفكير في بديل لبنك quot;يو بي اسquot;، فإن الأنظار تتحول تلقائيا إلى quot;كريدي سويسquot;، الذي أكد المتحدث الإعلامي بإسمه إلى سويس انفو، بأن quot;البنك يقوم بتقييم الموقف في إيران بقلق بالغ، وتوصل إلى قناعة بعدم إجراء معاملات مالية جديدة، لا مع المؤسسات الإيرانية أو السويسرية العاملة هناك، مع التزام البنك بإتمام العقود المبرمة حتى تاريخ انتهائهاquot;.وفي حين أغلقت ردود quot;يو بي اسquot; الباب أمام احتمالات وجود خلفية سياسية وراء قراره، أكد رد فعل quot;كريدي سويسquot; أنها ليست غائبة عن الصورة تماما.

بعض الدوائر أشارت إلى أنه من المحتمل أن تكون هذه الخطوة قد جاءت طمعا في الحصول على امتيازات في السوق الأمريكية مثلا، إلا أن المتحدث باسم quot;يو بي اسquot; نفى ذلك لسويس انفو جملة وتفصيلا، وهو ما رفضه كريدي سويس بدوره.

السفارة الإيرانية في برن قالت في اتصال مع سويس انفو، بأنها تنتظر صدور بيان رسمي من البنكين حتى تتمكن من تقييم الموقف ثم التعليق عليه، لكن السفارة قد تنتظر طويلا، لأن المصرفين لا يفكران - حاليا على الأقل - في إصدار أية بيانات حول الموضوع.

من ناحيته، قالت منظمة أرباب العمل السويسريةeconomiesuisse، إنها quot;لا تقوم بالتعليق على قرارات الشركات أو المؤسسات لأنه أمر سيادي داخلي لا دخل للمنظمة فيهquot;، حسب تصريح ناطق باسمها إلى سويس انفو.

تهدديد للصادرات السويسرية

قرار quot;يو بي اسquot; ورد فعل quot;كريدي سويسquot; يحملان في طياتهما رسائل سياسية واقتصادية في أكثر من اتجاه. إذ يمكن الإستنتاج بأن أكبر مصرفين في سويسرا يتوقعان حدوث عمل عسكري كبير ضد إيران، أو أن هناك نية لتوقيع عقوبات اقتصادية صارمة عليها، وبالتالي يفضلان الخروج مبكرا من سوق quot;غير مأمونةquot;.

في الوقت نفسه، قد تقرأ هذه القرارات على أنها إنذار للشركات السويسرية المتعاملة مع إيران لتتحول عنها بحثا عن شريك أكثر أمنا، وبالتالي سينعكس ذلك سلبا على حركة التعامل الاقتصادي مع إيران، كما أن الظاهرة قد تمتد إلى دول أوروبية أخرى، تخشى من الوقوع في تلك quot;المخاطرquot; التي يحذر منها أكبر مصرفين سويسريين.

في سياق متصل، تأتي هذه القرارات في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الاقتصادية السويسرية الإيرانية تحسنا ملموسا منذ سنوات انعكس في إرتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى حافة المليار فرنك سنويا، تميل كفته لصالح الصادرات السويسرية (أكثر من 600 مليون فرنك سنويا) في مجالات الكيماويات والتقنية الدقيقة.

وفي انتظار ردود الفعل الرسمية للشركات فإن الإقتصاد السويسري الذي يعتمد أساسا على التصدير والمعاملات مع الأسواق الصاعدة والنفطية مثل إيران، قد لا تعجبه هذه القرارات.

فمن المعروف أن المؤسسات السويسرية تحرص عادة على الإبتعاد عن اتخاذ مواقف سياسية توثر سلبيا علي حضورها دوليا، طالما لا توجد قرارات أممية بفرض حظر أقتصادي على هذه الدولة أو تلك، بل إن المصارف السويسرية لم تتخذ مثل هذه الخطوات عندما أعلنت واشنطن عن قانون quot;داماتوquot; الشهير لعام 1996 بمعاقبة الشركات التي تستمثر أكثر من 20 مليون دولار في صناعة النفط الإيرانية، وواصلت أنشطتها في الجمهورية الإسلامية بصورة كبيرة، مستفيدة من عدم وجود علاقات جيدة بين طهران وعدد من الأطراف الغربية المنافسة لها.

وإذا كانت ردود فعل الشركات السويسرية ساكنة حتى الآن فهي ربما لدراسة كيفية البحث عن حل وسط، تحافظ فيه على علاقتها التجارية مع إيران من ناحية، وكي لا تغضب أطرافا إقتصادية أخرى في نفس الوقت.