الذرة السلمية الروسية تعود إلى أوروبا




تاتيانا سينيتسينا من موسكو

حققت روسيا انتصارا باهرا بفوزها بمناقصة إنشاء المحطة الذرية فى بيلينه ـ المدينة البلغارية الصغيرة على ضفة نهر الدانوب. وقد أعلن مدير الوكالة الفدرالية الروسية للطاقة الذرية سيرغي كيريينكو أن quot;هذا أهم نصر وستعود روسيا بواسطته إلى السوق الأوروبية لإنشاء المحطات الذرية. وهذا حدث مبدئي لأننا لم نبن بعد العهد السوفيتي أي شيء في أوروبا والآن سنعودquot;. وإذا أخذنا بالاعتبار أيضا واقعة أن بلغاريا ستصبح في 1 يناير (كانون الثاني) من العام القادم 2007 عضوا في الاتحاد الأوروبي فإن إنشاء محطة بيلينه الكهرذرية سيكتسب صفة المشروع الروسي الأول في فضاء الاتحاد الأوروبي.

وقد تنافست مؤسسة quot;آتوم ستروي إكسبورتquot; الروسية على هذا العقد مع شركات غربية عملاقة وبينها quot;شكوداquot; التشيكية وquot;توشيباquot; اليابانية وكونسورتيوم quot;ويستنغهاوسquot; الانكلوأمريكي. وكانت شروط المناقصة صعبة جدا. وأشرك الجانب البلغاري في مراجعة المشاريع تقنيا وتقييمها أكثر من 200 خبير من 8 بلدان. ومع ذلك اتضح من المرحلة الأولى أن روسيا تعرض أفضل نموذج محطة كهرذرية ـ فعالة جدا من الناحية التكنولوجية وأمينة بأقصى درجة ومحسوبة لفترة عمل طويلة (60 عاما) ومناسبة بالإضافة إلى ذلك من ناحية السعر.

فماذا قدمت روسيا؟ قدمت أفضل ما يتوفر لديها في يومنا الراهن ـ مشروع quot;محطة كهرذرية ـ 92quot; الذي يلبي أعلى المواصفات العالمية. ويعتمد المشروع على مفاعلين من طراز quot;ماء ماء ـ 1000quot; (مفاعل نووي بقدرة 1000 ميغاواط ذو مهدئ مائي للنيوترونات) من الجيل الجديد مع استخدام أحدث التكنولوجيات التي تضمن أعلى مستوى سلامة وجودة واقتصاد.

ويتصف مشروع محطة quot;بيلينهquot; الكهرذرية بتوفيق فريد من نوعه بين منظومات السلامة الأساسية الفعالة والثانوية المساعدة مما يتيح ضمان أقصى مستوى حماية للمحطة الكهرذرية. وعالج المصممون quot;أسوأquot; سيناريوهات الأحداث الطارئة المحتملة. وعلى سبيل المثال انقطاع التيار الكهربائي عن المحطة الكهرذرية بصورة تامة وانفجار بدن المفاعل وحتى سقوط طائرة على مبنى المحطة.

ولم ينشأ في العالم في مجال الطاقة الذرية حتى الوقت الحاضر ما هو أكثر كمالا من مشروع quot;بيلينهquot;. فلماذا إذن قيمته أوطأ من المشاريع الأجنبية؟ وتتلخص القضية في أن ساحة مشروع quot;بيلينهquot; ليست فارغة فهي مشروع سوفيتي مجمد بدأ العمل فيه في عام 1984 وأوقف في عام 1991 لأسباب جيوسياسية نتيجة انهيار الاتحاد السوفيتي. وقد نفذ حتى ذلك الوقت 40 بالمائة من أعمال البناء ونقل إلى هناك 60 بالمائة من المعدات بما فيها مفاعل ومرجل بخاري وتوربينة. وان وجود هذه القاعدة حدد السعر الواطئ جدا للمشروع ـ 6ر2 مليار يورو /المشروع التشيكي 3 مليارات يورو/.

وحددت quot;الغربلةquot; الفنية الأولى طامحين جليين وهما المؤسسة الروسية quot;آتوم ستروي إكسبورتquot; وquot;شكودا ـ اليانسquot; التشيكية. وبعد هذا قامت لجنة المناقصة بدراسة كافة تفاصيل العرضين المقدمين على مدى 17 شهرا. وفي يوليو (تموز) من هذه السنة وجه وزير الاقتصاد والطاقة البلغاري رومين أوفتشاروف إلى quot;آتوم ستروي إكسبورتquot; وquot;شكودا ـ اليانسquot; تنبيها عمليا. وقدمت إلى الطامحين المفضلين بالمناقصة شروط جديدة ترتبط بتحديث العرض. وكان البلغار يسعون إلى تحقيق المحال ـ تقليص فترة بناء المحطة الكهرذرية وخفض كلفة العمل. وإن الجهة الطالبة بتعليلها ذلك بأنها تود مشاهدة أحسن ما موجود في العالم في محطة quot;بيلينهquot; الكهرذرية كانت تسعى بشكل قاطع لا تأويل فيه إلى لفت انتباه الشركات الفرنسية. إلا أن الأوروبيين الغربيين كانوا غير مستعدين لإنشاء المحطة الكهرذرية بالسعر البلغاري.

وسينجز بناء المفاعل الأول في محطة quot;بيلينهquot; الكهرذرية بعد 5ر5 سنة. وسيكمل بناء المفاعل الثاني بعد مرور سنة. وبالتالي ستكتسب بلغاريا من جديد ثقة بالمستقبل من ناحية الطاقة.

وإن عقد بناء المحطة الكهرذرية في بيلينه يعتبر بلا ريب أهم بادرة لعودة روسيا إلى أوروبا. فقد بنيت في العهد السوفيتي محطات كهرذرية فى المجر وتشيكيا وسلوفاكيا وفنلندا. ولكن بعد كارثة محطة تشيرنوبيل عام 1986 في الاتحاد السوفيتي نشأ في أوروبا خوف من المشاريع الذرية الروسية. ومع ذلك أن روسيا تقوم خلال الـ 15 سنة الأخيرة بإنشاء مشاريع ذرية في الهند والصين وإيران بنجاح. وأن مشروع بيلينه يفتح أمام الطاقة الذرية الروسية منفذا في أوروبا.