حصار ونكت وجيوب فارغة
الفلسطينيون: جانا العيد لاستنزاف ما تبقى بالجيوب


خلف خلف من رام الله


يمكن وبلفتات قليلة للمتجول في المدن الفلسطينية أن يلحظ نظرات الحزن في عيون المواطنين، وما يرافقها من عبارات أمل وانتظار حبست دموعا كثيرة في مآقيها لطبيعة الحال الصعب الذي يرافق قدوم عيد الأضحى المبارك لهذا العام، فالعيد لم يأت هذا العام مختلفاً عن سابقه سوى أن الأخوة quot;فتح وحماسquot; عقدوا هدنة مع إسرائيل quot;ليتقاتلواquot;، كما أن المتجول في شوارع مدينة نابلس في الضفة الغربية يلحظ الحزن في مآقي العيون، فالأسواق تعج بالمتفرجين نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي، فالحصار المستمر منذ ما يقارب العام أنهك جميع مرافق الحياة.

دفعنا حب الاستطلاع لأخذ جولة في احياء البلدة القديمة لمدينة نابلس التي شهدت حضارة الاباء والاجداد، مررنا بالمحال التجارية، وأخذت عيواننا ترتقب الأماكن، وما لفت انتباهنا في هذه الجولة، الباعة الذين امضوا سنين حياتهم في مهنهم التجارية، والذين يتخذون من أمام محالهم مكان جلوس لهم.

ربما الكبر بادئ عليهم لكن تجربتهم في الحياة دفعتنا إلى التوجه إليهم، والطلب منهم أن يحدثونا عن طفولتهم في العيد خاصة واننا في أجواءه، وكما هي عادتهم بتنهيدتهم الجميلة والتي هي ربما تعبر عن تعبِ وعناء السنين التي امضوها متمسمرين في مواجهة مصاعب الحياة، تحدثوا بكلمات يسبقها بعض الصمت وكان الذاكرة تعود بهم إلى الطفولة، انطلقت دمعة قبل ان تنطلق الكلمات مصحوبة بحنين بالغ إلى فترة طفولتهم وصباهم.


أبو محمد رجل في العقد السادس من العمر يقف في محله التجاري لصناعة السجاد بدأ الحديث إلينا بتنهدات والحنين للسنوات الخوالي، قائلاً: لقد جاء هذا العيد أيضا علينا هذا العام، والحال أصعب مما مضى، يبدو أنني سأموت قبل أن أرى فلسطين متحررة من الاحتلال، شردنا عام 1948 من أراضينا، ووصل فينا الحال لمخيم بلاطة في مدينة نابلس، ومنذ ذاك الوقت وأنا احلم بالعودة، وكل عام يأتي العيد علينا والحلم لم يتحقق، وسكت مرة واحدة، وكأنه ابتلع حلقه.


بذكرياتهم الجميلة التي ترسم الابتسامة على شفاه كل من يستمع إليهم، وبقصصهم الرائعة التي تعيشك اجواء شقاوتهم الطفولية، بسردهم المتواصل والمحبب الى القلوب، بنفسهم المعطر برائحة زهور الصباح تجعلك في صمت عميق وانت في الاستماع إليهم، فحلاوة الروح ما زالت لديهم طريه، فالحاج أبو سعيد الذي كان يجلس أمام عتبة محله لتصليح الساعات اليدوية، عبر عن الواقع السياسي الذي يعيشونه الفلسطينيين بنكته ترسم سواد الحال، قائلا: quot;لن نسمح للإسرائيليين هذا العام بالعيد، فقد قررنا إغلاق تل أبيب عليهم، وقد نشرنا الحواجز على مداخلها، وكل التسهيلات التي كنا نود تقديمها لهم سنؤجلها لبعيد العيد عقاب لهم على أفعالهم.


في حسرة على تلك الايام التي مضت وفي شوق وحنين لها، ينظر الكثيرين الى العيد هذه الايام، بانه ليس كالاعياد التي عايشوها من قبل، فلم تعد الشوارع تزين بأضواء مختلفة الألوان، ولم تعد السهرات الليلية حتى الصباح موجودة بفعل اجراءات الاحتلال، ولم تعد المدن الترفيهية التي كانت تعج بهم ايام الاعياد مليئة فالطرقات مغلقة والحواجز منتشرة بين المدن، عدا عن أن كثيرا من الناس حرموا من العمل نتيجة عدم وصولهم إلى أماكن عملهم فالراغب في الانتقال الى عمله خارج مدينته يمضي يومه على نقاط التفتيش الاسرائيلية المنتشرة في كل مكان، اما الاقتصاد والمربوط اصلا بعمل المواطنين فقد اصبح في اسوء ظروفه وانعكس على كل فرد من افراد المجتمع.


فالشاب مؤمن محمود تحدث عن ما يختلجه من مشاعر مع اقتراب دخول العيد لأول أيامه قائلا: واقع الحال يدفعني للتريث قليلا والوقف طويلا أمام آماله العريضة في التزود بحاجيات هذه العيد، ملابس أطفال، أضحية العيد، الكثير من الالتزامات الأخرى، وكل هذا والحصار يقف في المرصاد.


ورغم زحمة الهموم الكبيرة التي تثقل كاهل المواطنين إلا أن للطفولة حقها التي لا تعرف الا البراءة وهي بحاجة أن تعيشها بكل لحظاتها رغما عن انف المحتل، ورغما عن الحواجز والاغلاقات والوضع الاقتصادي السيئ، فمن واجب الكبار ومن حقهم هم كصغار أن يساعدوا في عيش طفولتهم، وتحديدا في يوم فرحتهم يوم العيد- والذي كان في يوم ينتظره الكبار أيضا بفارغ الصبر وهم في أعمارهم، ومتغلبين على الألم الذي يعتصرهم هذا العام يحاول الآباء الفلسطينيين إسعاد أطفالهم، فابو محمود سليم كان يحمل في يده بندقية بلاستيكية لطفله، وبعض الألعاب في كيس يقرأ ما بداخله من بعد، ويقول: quot;احاول قدر الامكان أن اجعل أطفالي يفرحون بالعيد، يكفي أننا نحن الكبار نعيش واقعاً سيئاً، فالأطفال لهم حق علينا، ولهذا أنا شخصياً قمت بالاستدانة لشراء بعض الحاجيات لأبنائي لكي لا يشعروا بالنقص أمام غيرهم من الأطفالquot;.


أما الشابة سميرة كمال، والتي كانت تتسوق داخل quot;سوق الخانquot; الذي يقسم البلدة القديمة لمدينة نابلس شطرين فتقول: quot;يجب علينا الابتهاج لقدوم العيد رغم كل الظروف العصيبة، ولا يفوتنا أيضا أن نبقى على الأمل وأجواء أيام الأعياد التي ميزتنا عن كثير من دول العالم، فهذه الاجواء اصبحت جزء من عاداتنا وتقاليدنا، والتي حث عليها الاسلام لما لها من زيادة اوتار المحبة والمودة بين الناس، وغير دقيق كلام من يقول بان العيدَ فقط للصغارر، ربما الكبار لا يلبسون الملابس الجديدة في هذا اليوم، لكنهم يفرحوا بلم شمل الأهل، وزيارة أرحامهم وخلانهم وطقوسهم الأخرى، فبهجة العيد للكبار والصغار.