سعود الأحمد

ليس المقصود هنا استعراض أرقام الموازنة العامة السعودية، بقدر ما هي محاولة لتحليل دلالاتها، وربطها بأهم الأحداث الاقتصادية الشاملة موضوع الساعة. وتقديم (ما يمكن تقديمه من) ما يقرأ من توجهات معلنة وملموسة، في ظل العوامل ذات الأثر على سياسات الاقتصاد السعودي في المستقبل المنظور. فعلى صعيد السياسة النفطية.. لعلنا نتذكر موقف قادة دول laquo;أوبكraquo; في اجتماع الرياض الشهر الماضي، بما معناه أن السعر الحالي عادل. وبربط ذلك بمعاني الخطوط العريضة للموازنة العامة السعودية؛ أستطيع القول إن التوجه نحو زيادة بناء الاحتياطيات النقدية يحقق للحكومة السعودية (ولمنظمة أوبك) قدرة على مواجهة تذبذبات أسعار السوق النفطية. بل ويجعلها قادرة على تثبيت أسعار النفط حول متوسطات مقبولة، ومقاومة لأية محاولات لضرب الأسعار السائدة. والمساءلة واضحة هنا، حيث ببناء احتياطيات نقدية ضخمة تستطيع الحكومة السعودية (شأنها شأن بقية دول أوبك) الاستفادة منها في حالة تدني الأسعار إلى مستويات غير مقبولة. بل ويمكنها تغيير حجم المعروض من النفط في الأسواق العالمية، لفترة تؤثر على حجم المخزون العالمي. بل إن بناء الاحتياطيات النقدية يحقق قدرة المنظمة لتبيع الكمية التي يحتاجها السوق الاستهلاكي بالسعر الذي تقتنع بأنه السعر العادل، والذي على العالم القبول به. وبالتزامن مع صدور الموازنة السعودية، تأكد بوضوح استبعاد التوجه بفك ارتباط الريال السعودي عن الدولار الأمريكي أو النية بتغيير سعر صرفه. جاء ذلك على لسان قادة السياسة المالية ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي، وصانع السياسة المالية السعودية وزارة المالية ممثلة في وزيرها، وتوج بتصريح وزير الخارجية السعودي الذي أكد عدم وجود أي توجه لتغيير سعر الصرف بالدولار الأمريكي.. أما على صعيد اجتماعات دول مجلس التعاون فلم يعد يطرح للنقاش.

الأمر الآخر.. يلاحظ ميل واضح للحكومة السعودية لتخفيض الدين العام، بإطفاء بمبلغ 100 مليار ريال، ليصل حجم الدين العام بنهاية عام 2007 إلى 267 مليار ريال. أي ما يقارب 19 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، مقارنة بنسبة 28 بالعام الماضي 2006. وهي من وجهة نظري نسبة مقبولة حالياً.. ولا أجد ما يبرر زيادة التضحيات على طريق الوصول إلى رقم الصفر لرقم الدين العام. وموضوع حجم الدين العام، مسألة فلسفية من الطبيعي أن يختلف عليها (حتى) المتخصصون في هذا المجال، لكن القاعدة التي أستند إليها هنا أن الحصول على النقد يعني قدرة على استغلاله في مشاريع تنموية تعود على الاقتصاد بمنافع أكثر من تكلفة هذه الأموال (الفوائد)، والعكس بالعكس. وعن التضخم الذي بلغ 5.35% في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هناك توجه لمتابعة أسعار المواد الغذائية. ومن ذلك فقد تم تشكيل لجنة حكومية تضم كلاً من إمارة منطقة الرياض، وأمانة مدينة الرياض، ووزارة التجارة والصناعة والغرفة التجارية الصناعية بالرياض، بهدف دراسة إطلاق أول مؤشر لأسعار المواد التموينية والغذائية الأساسية مثل الدقيق والسكر والزيت والحليب واللحوم والخضار، باعتبار ذلك أحد آليات متابعة استقرار الأسعار. ومن وجهة نظري فإن إيجاد مؤشر يكون أقرب للواقع، للتفريق بين العوامل المحلية والمستوردة، يسهم في رفع معاناة شريحة كبيرة من المستهلكين المحليين. وهي سياسة يصدق عليها القول انها عين على رفاه المواطن وعين على التنمية.

وعن علاقة ذلك بسوق الأسهم، يأتي من جانب تقوية البنية الاقتصادية واتساع قاعدة السوق، بزيادة وتفعيل دور القطاع الخاص. مما دفع مؤشر السوق بقوى البنوك وشركة سابك ليصل إلى 11000 نقطة، وهو أعلى ارتفاع له منذ انهيار فبراير (شباط) 2006.. ولا أتوقع له عودة قريبة.

ختاماً.. من رؤوس الأقلام المعلنة؛ أستطيع أن أوجز ميزانية هذا العام بأنها تحاول المضي في الإنفاق الداخلي لدعم المشاريع الرأسمالية وإيجاد فرص وظيفية جدية للتغلب على مشاكل البطالة والفقر، مع التركيز على تطوير مخرجات العنصر البشري بدعم مشاريع التعليم والتدريب والصحة.. أخذاً بالاعتبار مشكلة التضخم والعوامل الأخرى. ولكن بأرقام معلنة غاية في التحفظ. وهو نهج السياسة المالية للمملكة، منذ أول ميزانية سعودية صدرت والتي كانت في عام 1365هـ (1945)، والتي بلغت مائة واثنين وسبعين مليونا وتسعمائة وخمسة وعشرين ألفا وثلاثمائة واثني عشر ريالا.

* كاتب ومحلل مالي