شركات التطوير الاستثماري السبيل الأمثل لفتح قنوات استثمارية أكثر أمنا
د. عبد العزيز الغدير
تعاني السيولة الكبيرة في بلادنا من ضيق في القنوات الاستثمارية، مما جعلها تتجمع في قنوات ضيقة لتفيض على الاقتصاد الوطني فتغرقه بدل أن تنعشه، حتى وصفت السيولة في بلادنا بالسيولة المتهورة، حيث يستثمر أصحابها في أسواق عالية المخاطر غير متعظين من الخسائر الكبيرة التي لحقت وتلحق بهم، وكأن شعارهم ضربة بالرأس لا توجع، ولذلك لم يبذل المحتالون جهودا كبيرة لتغيير أساليبهم، فالضحية لا تمانع أن تلعب هذا الدور في كل مرة يعرض عليها الجلاد هذا الدور الانتحاري وإن كان المشهد مكررا.
ومن الأساليب التقليدية التي مازال الكثير من المتلاعبين يمارسونها للإيقاع بالضحايا أصحاب الأموال التائهة التي تعاني من ضيق القنوات الاستثمارية، أسلوب الوعود الجنونية، حيث يعد المتلاعبون ضحاياهم بأرباح كبيرة في أوقات قياسية، وهذه الوعود تنطلق من أفراد مغمورين ومؤسسات غير معروفة تدعي قدرتها على تطوير مشاريع استثمارية تحقق هذه الأرباح الخيالية، ولقد ظهر أخيرا أناس يقومون بالاتصال على أصحاب الحسابات المتميزة في البنوك لعرض مثل هذه المشاريع عليهم مقابل مصروفات إدارية تصل إلى أكثر من 30 في المائة، حيث يقوم هؤلاء بعرض أسهم تأسيس شركات مساهمة مقفلة على أصحاب هذه الحسابات وخصوصا النساء دون إذن من هيئة السوق المالية، موهمين الضحية بأن السهم سيرتفع بشكل جنوني حال طرحه في الأشهر القليلة المقبلة في سوق الأسهم، مؤكدين لضحاياهم إمكانية تداول هذه الأسهم قبل الإدراج في الشركة بأسعار لا يمكن أن تقل عن سعر الشراء بحال من الأحوال.
وحال شراء الأسهم ووقوع الضحية في الشرك، ترتفع ضحكاتهم ويظهرون وجوههم البشعة لهذه الضحية التي تبدأ مرحلة اللهث وراءهم من أجل استرجاع جزء من رأس المال الذي أمضت هذه الضحية السنين في توفيره لتعزيز مستواها ومستوى أسرتها المعيشي، وعند اللجوء إلى الجهات المسؤولة تسمع المقولة المشهورة quot; القانون لا يحمي المغفلينquot;، رغم أن الحقيقة المؤلمة تقول إن quot;القانون تحت أقدام المتنفذينquot;.
والسؤال الكبير: بمن يثق أصحاب المدخرات من المواطنين، سواء كانت هذه المدخرات بعشرات الآلاف أو عشرات الملايين؟ بمن يثقون عندما يرغبون في الاستثمار في تأسيس إحدى الشركات أيا كانت صيغتها القانونية كقناة استثمارية طويلة الأجل؟ هل يثقون بالمؤسسين؟ أم أن هناك طرفا ثالثا يمكن أن يمنحهم هذه الثقة؟ طرف ثالث يثقون به لأن بقاءه ونموه مرهون بسمعته لدى أصحاب المدخرات.
بالتأكيد لا يمكن لمستثمر أن يثق بمؤسسين مهما كانت سمعتهم لكي يمولهم ما لم يكن لديه فريق استشاري قادر على دراسة الجدوى ودراسة كل الجوانب الإدارية والفنية والتسويقية والقانونية والمالية للشركة المطروحة للاستثمار، وبالطبع هذا غير متوافر لأصحاب المدخرات، ولذلك فإن أصحاب المدخرات تمثلهم هيئة السوق المالية في الطرح العام، حيث تقوم بمراجعة جميع متطلبات الطرح من خلال الوسائل المعتمدة نيابة عن المواطنين للتأكد من دقتها وسلامتها، ولكن مَن يمثل المستثمرين في الطرح الخاص إذا علمنا أن الجهة الطارحة لهذا النوع من الاستثمار لا تخضع لمنهجية قادرة على إثبات مصداقيتها وجديتها؟
في الوقت الحالي لا أحد، نعم لا أحد متخصصا ومحترفا يعتبر ثقة المستثمرين من أصحاب المدخرات رأسماله الحقيقي في الاستمرارية والنمو، مما ترك الفرصة لبعض مكاتب الدراسات والاستشارات المالية والإدارية أن تعمل في الحقل، أي أنها تعمل خارج نطاق ما هو مرخص لها به، حيث يعمل الكثير من شركات الاستشارات المالية والاستشارات الإدارية أو مكاتب الدراسات بتطوير المشاريع الاستثمارية رغم أن مهمتها تنحصر في دراسات الجدوى أو في تقديم الاستشارات المالية والإدارية للشركات القائمة أو الشركات تحت التأسيس، وبالتالي فإنها لا تستطيع الإعلان عن نفسها كمطور للمشاريع الاستثمارية، والعمل على بناء سمعة متميزة لها عند المستثمرين في هذا النوع من العمل.
إذن السوق تفتقر إلى شركات تطوير استثماري مرخصة متخصصة ومحترفة في تطوير المشاريع الاستثمارية، وتصبو لبناء سمعة تراكمية لدى المستثمرين من أصحاب المدخرات بالعمل في هذا المجال المهم والحيوي، نعم لا توجد شركة تطوير استثماري يعتبر تصديقها على ضمان أكيد لاستيفاء كافة متطلبات نجاح المشروع وانخفاض احتمالات خسارته، وبالتالي فقد أصبح من الضروري ظهور مثل هذه الشركات في سوقنا السعودية مسألة غاية في الأهمية والضرورة لاستكمال اللاعبين الأساسيين في الاقتصاد السعودي بما يؤصل لتنمية شاملة ومستدامة قائمة على الثقة بين كافة الأطراف ذوي الصلة (المطور، المستثمر، الممول.. إلخ) بأي مشروع وفي أي قطاع كان.
وأكاد أجزم أن رجال الأعمال استشعروا الحاجة الأكيدة لتأسيس شركات تطوير استثماري مسلحة بأفضل الخبرات المحلية والعالمية ومتعاونة مع أفضل بيوتات الدراسات المالية والإدارية والقانونية والتسويقية والفنية بما يمكنها من استقطاب الأفكار الرائدة والمتفردة والابتكارية وتطويرها باتباع منهجيات علمية سليمة ومعتمدة عالميا حتى تصبح مشاريع مغرية تجتذب المستثمرين وتنمي البلاد، مشاريع نجاحها يعزز سمعة الشركة المطورة بما يجعلها تحرص كل الحرص على استيفاء كل متطلبات الطرح للخاصة قبل العامة، وكل ما أرجوه أن نرى مثل هذه الشركات قريبا لتفتح لأصحاب المدخرات وللسيولة الكبيرة في البلاد قنوات استثمارية مجزية في كل القطاعات الاقتصادية بما يسهم في تنمية البلاد وخدمة المجتمع.
التعليقات