موسكو: منذ بداية القرن الجديد ينمو اقتصاد روسيا بوتيرة عالية بثبات. وتشير تقديرات لخبراء وزارة التنمية الاقتصادية والتجارة الروسية إلى أن الاقتصاد الروسي يمكن أن يحتفظ بالمعدلات السنوية العالية الحالية لنمو الناتج المحلي الإجمالي (من 5ر6 إلى 7 بالمائة) حتى عام 2020. أما العلماء فقد تفوقوا على الموظفين في مدى تفاؤل تنبؤاتهم، إذ يتكهنون لروسيا بمستقبل رائع يؤمنه لها النمو الاقتصادي بمعدل 8 بالمائة في السنة لغاية عام 2030.

ويبرز مدير معهد التنبؤات الاقتصادية الأكاديمي فيكتور إيفانتر ثلاثة عوامل رئيسية لنمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي بمعدلات عالية جدا.

أولا، تغلبت روسيا الاتحادية بعد عام 1992 على عواقب انقطاع الصلات الاقتصادية فهي تحولت من الوحدة الإقليمية - الإدارية ضمن قوام الاتحاد السوفيتي إلى دولة كاملة المواصفات ذات اقتصاد مستقل يندمج في الاقتصاد العالمي تدريجيا.

ثانيا، تجاوزت روسيا المرحلة الانتقالية وأنجزت بناء اقتصاد السوق الفعال.

ثالثا، بفضل الانتقال إلى مبادئ السوق بدأت تعمل فيها آليات للتكيف الذاتي أي أنها أخذت تعيش حياتها الخاصة متغلبة على شتى الحواجز والصعاب بالاعتماد على الذات.

وبفضل هذه الآليات بعينها تتبدد الأساطير حول الأزمة الاقتصادية المزعومة التي تحدق بروسيا. ونسوق على سبيل المثال البرنامج الانتخابي للحزب الحاكم - حزب روسيا الموحدة - لعام 2003. كان الحزب قبيل الانتخابات البرلمانية وقتذاك يرعب الناخبين بانهيار قد يشمل كل القطاعات التكنولوجية والغذائية والمالية في البلاد. ولكن هذا التنبؤ المتشائم لم يتحقق.

كما تنبأ عالم الاقتصاد الليبرالي الروسي المعروف أندريه إيلاريونوف بأن روسيا لن تشهد أبدا quot;المعجزة الاقتصاديةquot; وأنها لن تتمكن حتى من الاقتراب من الدول المتقدمة لأن كل نجاحاتها الأخيرة تعود حصرا إلى ارتفاع أسعار النفط. لكن أسطورة أسعار النفط كالأساس الوحيد للنمو الاقتصادي في روسيا يأخذ يتبدد هي أيضا. ورغم أن هذه الأسعار تبقى عالية إلا أنها وصلت إلى سقفها عمليا. ومن المفارقات العجيبة، للوهلة الأولى فقط، أن صناعة بناء الآلات والصناعة التحويلية في روسيا سجلت معدلات مثيرة للنمو (حتى 15 بالمائة في السنة) عندما أصاب الركود النسبي السوق النفطية العالمية خلال عدة أشهر من عامي 2006 - 2007 .

وليس طريق النمو الاقتصادي لروسيا، طبعا، مفروشا بالورود فتعترضه حواجز ضخمة. فكما يؤكد علماء الاقتصاد لم يتكون في إطار الاقتصاد الروسي نظام فعال لانتقال الأموال من قطاع إلى آخر يتيح تمويل نفس الصناعة التحويلية. (لا تزال عملية الانتقال جارية طبقا للمخطط التالي: يصدر الروس الأغنياء أموالهم أولا إلى الخارج ومن هناك يستثمرونها في روسيا حسب الحاجة). ويرى العلماء أن الدولة ملزمة بأن تصحح هذه المنقصة بتوجيهها فائض الموارد المالية عبر بنك التنمية الروسي وغيره من المؤسسات المالية المختصة إلى مشاريع استثمارية تنموية.

وفضلا عن ذلك باتت أجور العمل المنخفضة والمستوى المتدني لكفاءات الأيدي العالمة سببا لعدم فعالية القطاع الإنتاجي وكابحا لتطبيق الاختراعات والتكنولوجيات المستحدثة التي تتحدث عنها الحكومة كثيرا في الآونة الأخيرة. ويؤكد إيفانتر quot;أن الاقتصاد المعاصر يفرض على القوة العاملة متطلبات مغايرة تماما. فبدون أجور العمل العالية والأيدي العاملة المؤهلة ستبقى الاختراعات والمستحدثات كلاما فارغاquot;. ويرى العلماء الأكاديميون في هذا الصدد ضرورة مضاعفة أجور العمل على الأقل خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة في قطاعات الاقتصاد المتصلة بالسوق.

هذا ويتمثل عائق كبير آخر في التخلف التكنولوجي العام الذي تعاني منه روسيا والذي يعود سببه إلى الفوضى التي اجتاحت البحوث العلمية التطبيقية في التسعينات من القرن الماضي. ولكن يمكن اجتياز هذا المانع أيضا شريطة توفر الدعم من قبل الدولة. وحينئذ، حسب رأي الخبراء في أكاديمية العلوم الروسية، سوف يتجنب الاقتصاد الروسي طريق التطور بفعل قوة الاستمرارية وسوف يقدم على طريق التطور القائم على الاستثمار لينمو بمعدل 8 بالمائة في السنة، بالمتوسط.