د. محمد آل عباس

صدر إعلان الدوحة بقيام السوق الخليجية المشتركة بعد طول انتظار. وهذه السوق، وفقا لمبادئ النظام الأساسي لمجلس التعاون، تسعى إلى تحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في ممارسة الأنشطة الاقتصادية، وتنقل رؤوس الأموال، والاستثمار، والعمل، وجميع الخدمات التي تقدمها حكومات دول المجلس. ما يهمني في هذا المقال على وجه الخصوص أن هذه السوق ستسمح بتداول الأسهم وشراء وتأسيس الشركات. في هذا السياق يمكن القول - مع بعض التحفظ - أن أكبر القضايا التي تواجه أسواق الأسهم الخليجية هي عدم قدرتها على التحكم في نوعية الشركات المدرجة بها أو الشركات الجديدة، لأنها جميعا تعاني قضية عمق السوق، حيث محدودية عدد الشركات في بعضها ومحدودية حجم التداولات في بعضها الآخر. بسبب هذه المشكلة بالذات لم تستطع هذه الأسواق أن تطبق إجراءات أكثر صرامة مع الشركات التي تخالف أنظمة الإدراج أو التي لم تستطع أن تحقق أرباحا، أو تلك التي حققت أرباحا ولم تستطع توزيعها. لأن الإجراءات الأكثر صرامة تتضمن الاستبعاد من التداول الذي سيؤدي إلى تقلص عدد الشركات المدرجة، مما يثير المضاربات. وعلى الرغم من وجود حل لهذه القضية من خلال إنشاء سوقين بدلا من سوق واحدة، إلا أن الملاحظ عدم قدرة أي سوق من الأسواق الخليجية على تطبيق نموذج السوق النظامية والسوق الثانوية، بحيث تدرج في السوق النظامية تلك الشركات التي استوفت شروط الإدراج النظامية والتزمت بالإفصاح والشفافية، ولم يسجل عنها ممارسات الاتجار بالمعلومات الداخلية، كما أنها تحقق أرباحا بنسب معينة وتقوم بتوزيعات منتظمة. وعندما تخالف إحدى الشركات هذه الشروط فإنها تتعرض لمنع أسهمها من التداول في السوق النظامية مع إمكانية تداولها في السوق الثانوية. هذا الإجراء يمثل إشارة إلى المتداولين بحجم المخاطر المصاحبة للتداول والاستثمار في الشركات غير المدرجة في السوق النظامية، كما أنه ndash; نظريا على الأقل - يحمي السوق النظامية من آثار المضاربات التي تمارس على الشركات الصغيرة، والتي قد تقود السوق إلى فقاعة تسعير ومن ثم إلى تصحيحات كبيرة وعدم استقرار.

فمثلا، وقبل سنة تقريبا، واجهت هيئة السوق المالية مشكلة نظامية تتعلق بتعليق التداول على شركتي أنعام القابضة وشركة بيشة، فهاتان الشركتان وصلتا إلى مستوى من الخسائر يكاد ينهي الكيان الحقيقي للشركة لذلك اضطرت الهيئة حماية لأموال المستثمرين وإيقافا لحمى المضاربات المشبوهة أن تعلق التداول على هاتين الشركتين، على الرغم أن إمكانية التداول ndash; نظاما ndash; خارج السوق ممكنة لكن لا يوجد لدى الهيئة آلية حقيقية لمثل هذه النوعية من التداولات. وقبل يومين أعلنت الهيئة إمكانية ndash; فقط إمكانية ndash; التداول على شركة أنعام ولكن خارج السوق، ولم توضح الهيئة حتى الآن كيفية مثل هذا التداول، ولا ماهيته خارج السوق هذه.

من هنا أقول إن السوق الخليجية المشتركة ستقدم فرصة حقيقية للأسواق المالية لحل مشكلة السوق الثانوية. فبما أن هذه السوق ستتيح لجميع مواطني دول مجلس التعاون فرصة دخول الأسواق الخليجية وممارسة عمليات البيع والشراء في الأسهم وكذلك إتاحة فرصة إنشاء الشركات، فإن هذا ndash; كما أعتقد - سيتضمن أن على جميع الأسواق الخليجية أن تنتظم في شبكة إلكترونية متكاملة. هذا الأمر ليس بالسهولة التي نتوقعها وسيحتاج إلى استثمارات كبيرة بالطبع. بالتأكيد لم تزل الرؤية ضبابية حول كيفية تنفيذ مثل هذه الخطوة، لكن إذا كنا سنتجه إلى محاولة دمج الأسواق الخليجية ضمن نظام متكامل، فإن هناك فرصة أفضل تلوح في الأفق، وهي خلق سوق ثانوية للأسواق الخليجية. يمكن إنشاء شركة خاصة لهذه السوق تتألف من تعاون مشترك بين الأسواق الخليجية، بحيث يمكن اعتبار الأسواق الخليجية أسواقا نظامية وهذه السوق تشبه السوق الثانوية لكل الأسواق الخليجية. بحيث إن أي اكتتاب جديد إنما يتم عن طريق هذه السوق، الأمر الذي سيتيح لجميع دول الخليج المشاركة في أي اكتتاب، كما أنه يحمي السوق الرئيسة من إدراج شركات لم تستوف الشروط. كما أن أي شركة تخالف نصوص الإدراج في أي سوق، فإنها تسحب من السوق الرئيسة ndash; سوق بلدها النظامي ndash; إلى السوق المشتركة، وبالتأكيد، فإن هذا سيتضمن معنى عقابيا ومخاطر على ملاك أسهم تلك الشركة.

وهكذا يتضح أن وجود مثل هذه السوق سيساعد على خلق أسواق أكثر أمانا من الناحية الاستثمارية، لأن السوق المشتركة ستشبه إلى حد ما طريقة العزل، لأن جميع أسواق الخليج الأخرى ستكون في مأمن من آثار المضاربات، والانهيارات التي سببها فقاعات التسعير مثل تلك التي حدثت في أواخر 2005 و2006، أو آثار الشركات الوهمية مثل انهيار سوق المناخ. وستبقى الأسواق الرئيسة أسواقا للنخبة من الشركات، وستشمل سوقا أكثر أمانا لصغار المتداولين وسوف تحد بدرجة كبيرة من أساليب المضاربات غير الحميدة. إنني أعتقد أن السوق الخليجية ستحدث نقلة نوعية في أسواق الأسهم الخليجية ويمكن أن تحقق فوائد جمة إذا أحسنا استغلال هذه الفرصة التاريخية وتمتعنا بشيء من الجرأة في التعامل معها.