طلعت زكي حافظ
قدرت دراسة اقتصادية أن عدد المشاريع العقارية في السعودية يزيد على 1030 مشروعا، كما قدرت الدراسة نفسها، أن قيمة تلك المشاريع قد تجاوزت مبلغ 1.1 تريليون دولار أو ما يعادل تقريبا 4.125 تريليون ريال.
هذه الطفرة العقارية غير المسبوقة، التي تشهدها السعودية، يرجع سببها في رأيي إلى الجمود الكبير الذي أصاب القطاع العقاري في بلادنا خلال الفترة الماضية، نتيجة لانشغال عدد كبير من المستثمرين العقاريين، في الاستثمار في سوق الأسهم، وتوجيه معظم مدخراتهم وثرواتهم الشخصية نحو الاستثمار في تلك السوق، على حساب الاستثمار في تنمية القطاع العقاري، ما أحدث فجوة تنموية كبيرة بذلك القطاع، تسببت في خلق فجوة كبيرة بين العرض والطلب على العقار.
هذه الطفرة العقارية الكبيرة، التي تشهدها السعودية ـ كما أسلفت ـ تسببت في حدوث فجوة كبيرة بين العرض والطلب على العقار، انعكست بشكل سلبي للغاية على أسعار مواد البناء الأساسية كالحديد والأسمنت والخشب وأجور العمالة، وإلى غير ذلك من المواد، الأمر الذي يؤكده الارتفاع الملحوظ على سبيل المثال لا الحصر في أسعار الحديد، حيث أكد مصنعون أن أسعار الطن من الحديد تقترب من ثلاثة آلاف ريال، كما شهدت معظم أسعار مواد البناء الأخرى، ارتفاعا ملحوظاً بنسب تراوحت ما بين 25 و100 في المائة، ما تسبب في رفع قيمة تكلفة البناء بشكل كبير، وكذلك في رفع قيمة العقارات بشكل كبير، سواء تلك التي هي تحت الإنشاء، أو التي قد تم إنشاؤها في وقت سابق كالوحدات السكنية.
من بين العوامل التي أسهمت بشكل كبير في ارتفاع أسعار العقار، (1) فتح الحكومة السعودية باب تملك العقار أمام الأجانب، بهدف جذب الاستثمارات والرساميل الأجنبية إلى البلاد، وكذلك بهدف دعم تنمية وتطوير القطاعات الاقتصادية المصاحبة، ولا سيما أن ذلك القرار الاقتصادي، يتوقع له في نهاية المطاف، أن يحد من تسرب تحويلات الأجانب المقيمين إلى خارج البلاد، التي تجاوزت قيمتها في بعض السنوات مبلغ 60 مليارا، أو ما يعادل نحو 4 في المائة من قيمة الناتج الإجمالي المحلي للمملكة، الأمر الذي سيقلل من التأثير السلبي، وكما كان الوضع في السابق على ميزان المدفوعات. (2) ضعف التخطيط الاستباقي المرتبط بالتوسع في إنشاء الوحدات السكنية للمواطنين، وبالذات في مجتمع، كالمجتمع السعودي، الذي يتميز بمعدل نمو سكاني كبير، الأمر الذي ضاعف من الحاجة إلى بناء المساكن خلال الفترة الماضية. (3) إلغاء وزارة الأشغال العامة والإسكان، التي كانت تتولى خلال خطط التنمية الماضية مسؤولية تنفيذ الإسكان العاجل والعام وصيانته، ما أثر بشكل واضح على نمو القطاع العقاري، وبالذات قطاع الإسكان، كما أن ذلك أسهم بشكل كبير في حدوث الفجوة بين الطلب والعرض على المساكن. (4) محدودية الموارد المالية لصندوق التنمية العقارية، مما حد بشكل كبير من قدرة الصندوق في الماضي من التوسع في منح القروض العقارية للمواطنين، الأمر الذي تسبب في إحداث فجوة واضحة بين الطلبات المقدمة للحصول على القروض، ومعدل استجابة الصندوق على الطلب المتزايد على قروض الإسكان.
المواطن السعودي بطبيعة الحال يقف حائراً تجاه هذا الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، وبالذات تجاه الارتفاع المفاجئ في أسعار إيجار الوحدات السكنية، التي هي الأخرى شهدت ارتفاعا ملحوظاً في الأسعار تراوحت نسبته ما بين 25 و50 في المائة، الأمر الذي تسبب في حدوث ضغط شديد على ميزانية المواطن وعلى قدرته المالية، في التعامل مع أعباء ومسؤوليات الحياة، وأصبح امتلاك مسكن خاص لعدد كبير من المواطنين يعد ضربا من ضروب الخيال.
في رأيي أن الخروج من مأزق أزمة السكن والإسكان ببلادنا، وعدم القدرة على توفير مساكن خاصة للمواطنين السعوديين، يتطلب القيام بالخطوات التالية:
(1) تفعيل التنظيم الجديد للإسكان، وبالتحديد تفعيل عمل الهيئة العامة للإسكان، لتباشر قضايا الإسكان ببلادنا وإيجاد الحلول المناسبة لها. (2) زيادة الموارد المالية لصندوق التنمية العقاري، من خلال رفع رأسماله، بما يعادل الحاجة إلى التمويل القادم لبناء المنازل، هذا إضافة إلى ضرورة رفع سقف قرض الصندوق من 300 ألف ريال إلى مبلغ آخر يغطي الزيادة الأخيرة التي طرأت على أسعار مواد البناء. (3) الإسراع في إقرار نظام الرهن العقار، الأمر الذي سيشجع القطاع الخاص على التوسع في منح القروض العقارية، وخاصة القروض المرتبطة ببناء المساكن. (4) تشجيع القطاع الخاص في التوسع في منح القروض العقارية، الأمر الذي سيتأتي من خلال سن القوانين والتشريعات اللازمة لتنظيم سوق العقار في السعودية. (5) استحداث بورصة محلية للعقار، حيث يمكن من خلالها ضبط ومعرفة الأسعار السائدة للعقار في السوق، بما في ذلك أسعار الوحدات السكنية. (6) تفعيل عمل صناديق العقار الاستثمارية، التي قد صدر بها أخيرا تنظيم خاص يحكم أسلوب وطريقة عملها. (7) الرفع من وعي المواطن، المرتبط بالبحث عن مسكن مناسب يغطي احتياجاته الأساسية، بعيدا عن المبالغة في المساحات والتجهيزات غير الضرورية، التي عادة ما تسبب في رفع تكلفة البناء. (8) توفير الحكومة الدعم اللازم لبعض مواد البناء الأساسية، بالشكل الذي يسهم في تخفيض تكلفة البناء على المواطن.
فهل ستعمل مثل هذه الحلول على التغلب على مشكلة الإسكان في بلادنا؟ وهل يصبح في مقدور المواطن السعودي أن يمتلك مسكنا خاصا له في القريب العاجل؟ الأمر سيتوقف على إنفاذ ما يخطط له أو يقال عنه من مشاريع الإسكان!
مساعد مدير عام البنك الأهلي التجاري ــ مستشار وكاتب اقتصادي
التعليقات