دبي : توقع تقرير أعدته مؤسسة ميريل لنش أن يتآكل فائض ميزان المدفوعات لدى الدول الخليجية بأكثر من 75 مليار دولار العام الجاري ، وذلك ازدياد الواردات وارتفاع معدل الإنفاق على المشاريع الضخمة ، على أن يصل متوسط نمو المنطقة للفترة 2008 - 2009 إلى 5.7 في المائة .

وإذ أشار التقرير إلى أن دول الخليج نجحت في امتحان التعامل مع عوائد النفط عبر ادخار 80 في المائة منها، لفت أيضاً إلى نجاح تلك الدول بتنويع مصادر دخلها، رغم خطر ارتفاع التضخم المتزايد بسبب الربط بالدولار، متوقعاً رفع أسعار الصرف تصدياً للمخاطر التي قد تهدد النموذج الاقتصادي للمنطقة.

وجاء في التقرير الذي يحمل عنوان quot;الأسواق الناشئة، الاقتصاد والإستراتيجيا - دول الخليج تحت الإعداد،quot; أن دول الخليج نجحت خلال الطفرة النفطية الحالية في ادخار أموال تعادل ثلاث مرات ما تم ادخاره خلال الطفرة الأولى، مما وفر لها منصة ممتازة للاستثمار.

غير أن التقرير حذر من أن يتم quot;تآكلquot; فائض ميزان المدفوعات لتلك الدول، وذلك بسبب النمو الملحوظ على مستوى الواردات، والإنفاق المتزايد على المشاريع العملاقة، مما قد يقود إلى تراجع بمقدار 75 مليار دولار في ذلك الميزان خلال الفترة ما بين 2008-2009، الأمر الذي يبقى متوسط النمو للعام الجاري عند 5.7 في المائة.

ولفت التقرير إلى أن هذا الأرقام تأتي في ظل نجاح دول الخليج في اختبار تنويع الاقتصاد، حيث بلغ إجمالي ما تشكله القطاعات غير النفطية من الناتج المحلي لدول الخليج أكثر من 85 في المائة عام 2006، بينما لم تكن النسبة تتجاوز 49 في المائة عام 2003، وبعود ذلك إلى اعتماد سياسيات الإصلاح الاقتصادي والضريبي.

وقدّر التقرير المبلغ الفائض المسجل في ميزانيات دول المنطقة بزهاء 40 دولاراً عن كل برميل نفط، وهو ما ساعد على رفع ميزان المدفوعات بصورة كبيرة، إلا أن هذا الأمر لن يستمر بالشكل الحالي، وذلك ليس بسبب تراجع أسعار النفط التي ستبقى عند مستوياتها للفترة المقبلة، بل بسبب زيادة الإنفاق على المشاريع، والتي قد تبلغ 1.5 ترليون دولار خلال خمسة أعوام.

واعتبرت quot;ميريل لنشquot; أن التضخم سيشكل التحدي الأبرز لدول المنطقة، خاصة مع استمرار أزمة الطلب الكبير على العقارات في دول مثل قطر الإمارات، واضطرار دول الخليج لاقتفاء أثر واشنطن على صعيد أسعار الفائدة، وتوقعت أن يؤدي ذلك إلى المزيد من التضخم وأن تستخدم الحكومات المحلية سلاح رفع أسعار الصرف، وخاصة الإمارات وقطر.

ولإظهار حجم تزايد التضخم، أشار التقرير إلى أن النسبة لم تكن عام 2001 تتجاوز 0.3، قبل أن تقفز إلى 6.3 عام 2007، مع فوارق واضحة بين الدول، إذ تسجل 3 في المائة بالبحرين و14 في المائة بقطر.

كما اعتبر أن ازدياد الانفصال الاقتصادي العالمي جعل مسار دول الخليج بعيد نوعاً ما عن مسار الولايات المتحدة، مما يفتح الباب أمام عمليات إعادة تقييم العملة أو فك ارتباطها، خاصة وأن أساليب معالجة الأزمة المالية في الولايات المتحدة ستفاقم تضخم المنطقة، إلى جانب الموجة المقبلة المنتظرة من ارتفاع الأجور بسبب الندرة.

وحذرت المؤسسة المالية العالمية من مخاطر إصرار الخليج على اعتماد تدابير خارجة عن إطار السوق لمحاولة التحكم بالتضخم، وذلك من خلال رفع الأجور بصورة كبيرة وزيادة المساعدات والإعفاءات، وقال إن تلك التدابير ستصبح بدورها quot;تضخميةquot; خلال فترة قريبة، كما قد تُفقد الظاهرة المنطقة جاذبيتها التجارية.

واستعرض التقرير بعد ذلك حالة كل بلد في الخليج بشكل خاص، فبالنسبة للسعودية، قالت quot;ميريل لنشquot; إنها مسؤولة بمفردها عن نصف الناتج المحلي للخليج المقدر بـ790 مليار دولار ، وقد باشرت باتخاذ خطوات جدية على صعيد تنويع اقتصادها.

وقد نمت القطاعات غير النفطية عام 2007 بمعدل ستة في المائة، فيما لم يتجاوز نمو القطاع النفطي ثلاثة في المائة، وإن كان النفط ما يزال يشكل 90 في المائة من الصادرات بحصة 20 في المائة من الناتج المحلي.

ورأى التقرير أن التضخم ما يزال تحت السيطرة في السعودية، إلا أنه يصعد بسرعة، مما يتوجب التعامل معه، مشيداً quot;بتعلّمquot; السعودية من أخطاء الماضي عبر ادخار عوائد النفط واستغلالها في مشاريع البنية التحتية وإطفاء الدين العام الذي تراجع من 82 إلى 19 في المائة من إجمالي الناتج.

وعن الإمارات، قال التقرير إن اقتصادها الذي تشكل دبي وأبوظبي ركائزه الأساسية متنوع، مع النفط في أبوظبي والتجارة والمال في دبي، وتمتلك الحكومة هامشاً واسعاً للحركة مع ارتفاع الميزان المالي لصالحها، مما يكفل لها تمويل عمليات التوسيع والاستحواذ.

وبالنسبة للتضخم، اعتبر التقرير إنه وليد عدة عوامل مثل التضخم المستورد والسياسة النقدية المتبعة، غير أن العامل الأبرز يبقى الربط بالدولار، وفي هذا الإطار، برز توقع بارتفاع التضخم خلال العام 2008 في الإمارات إلى 12 في المائة إذا لم تتم عملية إعادة تقييم الدرهم تحت طائلة تهديد نموذج الدولة الاقتصادي.

وبالانتقال إلى قطر، التي اعتبرها التقرير quot;الاقتصاد الأكثر دينامكية في المنطقةquot; مع النمو المتسارع في قطاع الغاز، توقع التقرير أن يتم يواصل ميزان المدفوعات ميلانه لصالح الدوحة، فيما سيرتفع الدين الخارجي اللازم لعمليات التمويل ليشكل 77 في المائة من الناتج المحلي لعام 2012.

ورجح التقرير أن يستمر نمو التضخم في قطر بفضل تسارع النمو وازدياد السكان، وبسبب الربط بالدولار الذي بات يؤثر على القطاع العقاري القاصر أصلاً عن تلبية الطلب المحلي، ورغم احتمال ازدياد عرض الوحدات السكنية إلى أن التضخم سيرتفع إلى 13 في المائة، كون التضخم القطري من النوع المستورد.

وبرز في التقرير الجانب المتعلق بالكويت، حيث أشارت quot;ميريل لنشquot; إلى أن الخوف من الدخول الأجنبي آخر عمليات تطوير قطاع النفط وزيادة الإنتاج، ويضاف إلى ذلك أن الكويت لم تبد كسائر دول المنطقة اندفاعاً نحو تنويع اقتصادها، كما يظل قطاعها المالي محدود الحجم مقارنة بسائر دول المنطقة.

وفي هذا السياق، برزت الإشارة إلى أن الكويت فشلت في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، غير أن ذلك قد يتبدل مع قانون خفض الضرائب على الشركات الأجنبية من 55 إلى 15 في المائة، غير أن قوة الكويت الأساسية تتمثل في مرونة سياسته النقدية، إذ كانت السباقة لفك ارتباط عملتها بالدولار.

وتحدث التقرير عن سلطنة عمان التي تعمل وفق خطة تطويرية حتى العام 2020 تعتمد على تنمية السياحة والصناعة، وذلك بسبب قدراتها المحدودة في النفط والغاز، غير أن عليها مواصلة العمل على تشجيع دخول الاستثمارات الأجنبية، علماً بأن قدرتها على تحديد سياساتها المالية زادت بعدما قررت التخلف عن مشروع العملة الخليجية الموحدة.

كما تناول البحرين، التي تعاني من تراجع شديد في قدراتها النفطية وتقف أمام تحدي معالجة ذلك في وقت يشكل النفط 80 في المائة من صادراتها، ويعتبر القطاع المصرفي أنشط قطاعات الاقتصاد، إلا أنه يواجه منافسة قاسية من دبي، وسيشهد اقتصادها في الفترة المقبلة نمواً متزايداً في التضخم، الذي سيظل دون معدلاته الخليجية.