عبد الوهاب الفايز
دعونا جميعا نقول لعل وعسى جميع الزيادات التي ضختها الدولة لدعم القوة الشرائية للمواطنين لا ينتهي جزء منها إلى جيوب المضاربين في سوق الأسهم، ونقول أيضا لعل وعسى هذه الزيادات يتم استثمارها في جوانب إنتاجية مباشرة في حياتنا ولا تذهب إلى تعزيز نزعة الاستهلاك ورفع فاتورة الكماليات، فالإنفاق على هذه الجوانب يفاقم التضخم ويرفع الأسعار!
الأمر المهم أن الزيادات التي قررتها الدولة جاءت مدعومة بقرارات أو توجيهات (نرجو أن ترى النور ولا تتعطل) لأجل دفع برامج الإسكان، فهذا الجانب إذا دخلت الدولة بقوة خلفه ولم تتركه لأهواء البيروقراطيين وتشتت أولوياتهم، فإنها ستحدث نقلة حقيقية في حياة الناس، فهذه تقريبا هي المشكلة الحقيقية التي يلهث خلفها الناس، المسكن هو الذي يخرجهم من دائرة الفقر، هو الذي ينعكس على رضاهم الاجتماعي، وينعكس على ادخارهم، ينعكس على نظرتهم للحياة.
في الطفرة الأولى أبرز شيء يتذكره الناس ويرون أنه أثر في حياتهم هو برنامج الإسكان الذي تبنته الدولة حيث وفرت (الأرض والقرض)، وفي الذهنية الاجتماعية الأثر الذي أحدثه هذا البرنامج في حياة الناس ورضاهم ربما يتجاوز رضاهم عن البرامج المكثفة التي تبنتها الدولة في التعليم والصحة وبقية القطاعات الحيوية.
اهتمام الناس الكبير والسريع بـ (المنزل) وبالآليات التي تقود إلى توفيره نلمسه من الموضوعات التي تطرح في الجريدة، فالموضوعات الصحافية المختلفة التي تتناول هذا الجانب تستقطب أكبر نسبة تفاعل من الناس، والغريب أن مؤسسات الدولة الحيوية التي يهمها الاستقرار الاجتماعي لم تستشعر أهمية هذا الموضوع للناس وأثره المباشر في استقرارهم النفسي والاجتماعي.. هل هذه المؤسسات غير قادرة على مساعدة ولي الأمر لإدراك الأولويات التي تؤثر في الناس؟
تأمين المسكن ينعكس أثره الإيجابي على حياة الناس لأن الأسرة تلمس أثره المباشر عليها لأن المنزل يخصها وتمتلكه، إنه (لها) بعكس الإنفاق على الأشياء التي هي (لنا)، هنا المنفعة موزعة ولكن في المنزل المنفعة (خاصة)، وهذا يفسر لماذا يتفاعل الناس أكثر مع ما تقدمه الدولة لها كأسرة أو كفرد بعكس قلة الحماس أو عدم الرضا عما يقدم للناس كافة.. وهو كثير وكثير جدا.
هذا لا يعني أن الناس من طبعها الأنانية أو حب الذات أو عدم التفاعل مع الخير للآخرين، لو كان الوضع كذلك لما تعايش الناس بسلام وتألفت القلوب وتسابقوا إلى الخير.. الأمر يعود إلى نزعة في النفس الإنسانية مستقرة إلى تملك الأشياء واستحواذها، وهذه النزعة الفطرية هي التي تدفع الناس إلى الإنتاج والإبداع وشق بطن الأرض والتطلع إلى الفضاء.. إنها غريزة البحث عن البقاء وهي الغريزة التي جاءت الرسالات السماوية المتتابعة لتهذيبها وتوجيهها للغايات السماوية والأهداف الإنسانية لتحقيق مبدأ عمارة الأرض.
هل تذكرون الأزمة الاقتصادية التي ضربت دول شرق آسيا في عام 1997. ففي دول مثل: إندونيسيا وتايلاند خرج الناس للشوارع وكسروا وأحرقوا وأسالوا الدماء وكاد الناس ينجرفون لحرب أهلية، بينما في كوريا وسنغافورة وماليزيا وحتى تايوان وهونج كونج كان الوقع مختلفا، فقد شاهدنا الكوريات يجردن الأعناق الثلجية من سلاسل الذهب، حيث تباع وتقدم المبالغ إلى الحكومة لمواجهة الأزمة.. هذا قمة النضج الاجتماعي، لماذا حدث ذلك؟
الباحثون في قضايا التنمية يرون أن برامج الإسكان الفعالة كان لها أثرها النفسي والاجتماعي الرئيس الذي ساعد الناس على النظرة العقلانية وبالتالي استيعاب المشكلة لأن الناس بأيديهم الكثير من المكاسب التي يجب المحافظة عليها، بينما البسطاء مثلا في إندونيسيا الذين لا يملكون مساكن، أو يقطنون في سكن متواضع جدا مثل العشش وغيرها، هؤلاء ليس لديهم المكاسب التي يخسرونها، فهم في العراء.
دعونا نقول بشكل مباشر.. الدولة إذا أرادت الاستحواذ على قلوب الناس والتأثير العميق في حياتهم، فإن أمامها فرصة ذهبية لإيجاد برنامج وطني للإسكان تتولاه عقول مبدعة مخلصة تستثمر إرادة الدولة ومواردها، البيت في السعودية له خصوصية نفسية واجتماعية تتجاوز آثاره الاقتصادية على موارد الأسرة واستقرارها، وهذه الخصوصية لعل وعسى تعيها إذن واعية!
- آخر تحديث :
التعليقات