طلعت زكي حافظ
أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ndash; يحفظه الله - بتاريخ 3 آذار (مارس) 2008، أمره الكريم بتعيين عبد الله بن أحمد زينل وزيرا للتجارة والصناعة، خلفاً للدكتور هاشم يماني الذي تم إعفاؤه من منصبه بناء على طلبه، في ظروف تشهد فيها أسواق المملكة العربية السعودية، ارتفاعا حادا وعاما في أسعار السلع والخدمات التي تباع في الأسواق المحلية، الأمر الذي تسبب في حدوث ضغط شديد على دخول المواطنين وإمكانياتهم المالية، وبالذات من ذوي الدخول والإمكانات المالية المحدودة.
الوزير زينل في حديث له لـ quot;الاقتصاديةquot; بالعدد 5258، بمناسبة تعيينه وزيرا للتجارة والصناعة، أوضح أنه سيتقدم للمليك بعد أسبوع من تعيينه، بخطة يحملها بجعبته لضبط الأسعار ومراقبتها في الأسواق، التي توقع لها أن تنجح بنهاية الأمر في كبح جماح التضخم الذي يعانيه الاقتصاد السعودي.
دون أدنى شك، أن إعطاء الوزير الجديد الأهمية القصوى والأولوية بأجندته الوزارية، لمعالجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات، التي تباع بالأسواق المحلية، بهدف معالجة التضخم، أمر يحسب له ويشكر عليه، ولاسيما في ظل الظروف الراهنة، والتي كما أسلفت تشهد فيها الأسواق المحلية ارتفاعا كبيراً في الأسعار، بالشكل الذي أثقل كاهل المواطن وضيق عليه سبل العيش الكريم، ولكن ورغم احترامي الشديد المسبق لتلك الخطة، وما ستضمنه من اقتراحات وحلول للتعامل مع مشكلة التضخم، إلا أنه في رأيي سيظل نجاحها أمراً مرهوناً، بمدى تناغم معطياتها وفرضياتها وحلولها، مع توجهات الأجهزة الحكومية المعنية بمعالجة التضخم ببلادنا، اللتين من بينهما على سبيل المثال لا الحصر، السلطة المالية والسلطة النقدية، حيث إن اختلافا بين الرؤى والتوجهات في علاج التضخم بين وزارة التجارة والصناعة، وتلك الأجهزة الحكومية، سيقلل بكل تأكيد من فعالية تلك الخطة، وسيجعل من تحقيقها لأهدافها أمراً شبه مستحيل.
من هذا المنطلق فإن توجه وزارة التجارة والصناعة لمعالجة التضخم بمفردها من خلال خطتها المرتقبة، قد تخطى في رأيي مراقبة وضبط الأسعار بالأسواق، لكون مراقبة الأسعار وضبطها في ظل غياب السياسات المالية والنقدية، التي تحد من تفاقم مشكلة التضخم، لن يكون بالأمر المجدي بتاتاً، بمعنى آخر أدق وأوضح، أن مسؤولية معالجة التضخم تعد مسؤولية مشتركة بين الأجهزة الحكومية، لا يمكن لأي منها معالجتها أو التعامل معها، بمعزل عن الأخرى ذات العلاقة.
من هنا تتضح لنا أهمية التنسيق لدى وضع الوزير زينل خطته الجديدة لمكافحة التضخم مع بقية الأجهزة الحكومية، لكون أن أسباب التضخم في بلادنا قد تعددت وتنوعت، وأصبحت ترتبط بعدد كبير من العوامل المالية، والاقتصادية، والنقدية، التي لعل من بين أهمها وأبرزها ارتباط العملة المحلية بالدولار الأمريكي، وإصرار السلطة النقدية بالبلاد، على تثبيت سعر صرف الريال أمام الدولار، على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تعرض إليها الدولار الأمريكي في قيمته وفي قوته الشرائية خلال العامين الماضيين، التي أثرت تأثيراً كبيراً على القوة الشرائية للريال السعودي، وأفقدته قيمته أمام العملات الرئيسية، ما تسبب في رفع قيمة فاتورة الاستيراد السعودية، بالشكل الذي تسبب في رفع قيمة أسعار السلع والخدمات التي تباع بالأسواق، والذي بدوره فاقم من مشكلة التضخم التي يعانيها الاقتصاد المحلي، الأمر الذي في رأيي سيصعب من مهمة الوزير زينل عند وضعه خطته المرتقبة لمكافحة التضخم، وبالذات في حالة غياب أو ضعف التنسيق.
من بين القضايا كذلك المطلوب التنسيق فيها من قبل الوزير زينل لدى وضعه خطة التعامل مع التضخم، التعامل مع أزمة الإسكان التي تعيشها السعودية، بسبب الفجوة الكبيرة الموجودة بين العرض والطلب على المساكن من جهة، وعدم محاكاة السياسات المتبعة من قبل صندوق التنمية العقاري في تمويل بناء المساكن من جهة أخرى، وبالذات فيما يتعلق بعدم قدرة تلك السياسات المذكورة، على مواكبته المتغيرات والمستجدات، التي أفرزتها أحداث التضخم التي يشهدها الاقتصاد المحلي، هذا إضافة إلى الفترة الزمنية الطويلة التي يستغرقها الصندوق في منحه القرض، بسبب محدودية إمكانياته وموارده المالية.
من بين القضايا أيضاً التي يتطلب من معالي الوزير التنسيق فيها مع الأجهزة الحكومية المعنية بالأمر في البلاد، مشكلة الارتفاع الفلكي بل الجنوني في أسعار إيجارات الوحدات السكنية، نتيجة لاستغلال بعض ملاك الوحدات السكنية لمشكلة التضخم في المبالغة في رفع أسعار الإيجارات، التي شهدت ارتفاعاً ببعض الحالات تجاوز الـ 50 في المائة، ما انعكس بشكل سلبي للغاية على دخل المواطن.
من بين القضايا في رأيي كذلك التي لها ارتباط وثيق بتحقيق أهداف خطة مكافحة التضخم المذكورة، تفعيل دور جمعية حماية المستهلك، بالذات المرتبط بحماية المستهلك من جميع أنواع الغش والتقليد والاحتيال والخداع والتدليس في جميع السلع والخدمات والمبالغة في رفع أسعارهما، وكذلك الدور المرتبط بتبصير المستهلك بسبل ترشيد الاستهلاك والاختيار الأمثل بين البدائل المتاحة من السلع والخدمات بالأسواق.
خلاصة القول، إن مشكلة التضخم ببلادنا تخطت حواجز ضبط والتحكم في أسعار السلع والخدمات، التي تباع بالأسواق المحلية، الأمر الذي يتطلب من معالي الوزير زينل لدى وضعه خطته الجديدة لمعالجة التضخم بالسعودية، التنسيق الحثيث مع عدد من الأجهزة الحكومية في البلاد المرتبطة خططها وتوجهاتها بمعالجة التضخم، بحيث نكفل بذلك الخروج بخطة واقعية تلامس وتحاكي واقع وحقيقة أسباب التضخم، بما في ذلك إيجاد الحلول المناسبة لها، لينعم بذلك المواطن العيش في بيئة اقتصادية خالية تماما، بإذن الله، من منغصات العيش الكريم كمشكلة التضخم وغيرها، والله من وراء القصد.
مساعد مدير عام البنك الأهلي التجاري ــ مستشار وكاتب اقتصادي
التعليقات