نجلاء عبد ربه من غزة : يعتبر الزيتون وزيته من أهم الأغذية التي يعتمد عليها الغزاويون، فموائد الطعام يزينها زيت الزيتون الذهبي وبعضًا من حبات الزيتون الأخضر، فهو بالنسبة إليهم تراث من أجدادهم الذين أوصوا أولادهم بالعناية والإهتمام بتلك الأشجار المثمرة التي وردت في القران الكريم.

وعلاقة العشق بين الفلسطينيين وأشجار الزيتون على وجه الخصوص لم تكن وليدة الصدفة أو حب الطبيعة وأشجارها المختلفة، فآلاف الأسر الفلسطينية تعيش عامها من موسم قطف الزيتون إلى العام الذي يليه، جراء بيع أطنان ثمر الشجرة التي بارك الله فيها.

بيد أن إسرائيل لم تجعل للحب دوامًا، وأبقت الحزن على وجوه الفلسطينيين بعد أن قلعت عشرات الآلاف من أشجار الزيتون سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، الأمر الذي هدد تلك الأسر بفقدان مصادر رزقهم الوحيد.

ولأن تلك الشجرة لا تحتاج إلى ري يومي أو حتى أسبوعي، فإن الأراضي الزراعية البعيدة عن حصول الماء بطرق يسيرة زينت بأشجار الزيتون، خاصة في المناطق الحدودية من قطاع غزة مع إسرائيل، إلا أن الأخيرة لم تبقِ على شجرة قائمة، وبات الجميع يدرك مدى الأضرار التي تلحقها إسرائيل يوميًا بسكان قطاع غزة حتى النباتات نابها من حب إسرائيل جانب, فخربت ما خربت وجرفت العديد من الأراضي الزراعية واقتلعت الكثير من الأشجار التي تعتبر الغذاء ومصدر من مصادر الرزق والعيش بالنسبة إلى العديد من المواطنين المعتمدين علي حرفة الزراعة لسير حياتهم وتلبية متطلباتهم اليومية عن طريق بيع منتجات أراضيهم الزراعية ومنتجات هذه الأشجار في الأسواق لتقاضي أجرًا بسيطًا يساعدهم على سير الحياة البسيطة والبسيطة جدًا.

فالفاجعة تكون كبيرة بالنسبة إلى هؤلاء الناس عندما تحاربهم إسرائيل في مصدر قوتهم وتقتلع هذه الأشجار التي بنوا أماني وأحلام عليها, فمنهم من يحلم أن يعلم أبناءه ومنهم من يريد أن يلبي متطلبات أبنائه وبيته ومنهم من يريد علاج احد أفراد بيته ... وكل هذه الأحلام كانت تعتمد على أراضيهم الزراعية وعلى الأشجار التي زرعوها منذ زمن بعيد هم وأجدادهم، وعلقوا أماني عليها فبعض الأشجار من الزيتون يبلغ عمرها أكثر من أربعين سنة والبعض الآخر أقل بشيء بسيط، إلا أن جميعها أصبحت في مهب الريح وصارت في خبر كان .


أبو مروان مواطن من قطاع غزة يبلغ من العمر quot;66 عامًاquot; يقول لـquot;إيلافquot; : quot; تربينا أنا وأخوتي علي محاصيل هذه الأشجار فهي كانت بالنسبة لنا الغذاء وكانت أيضا مصدر مهم من مصادر جلب النقود التي من خلالها نسير أمور حياتنا اليومية, وأصبحت هذه الأشجار من الزيتون والحمضيات بمثابة مصدر الرزق الوحيد لنا لا نستطيع أن نستغني عنهاquot;.


وأضاف الحاج أبو مروان quot;عشقنا لأشجار الزيتون ليس من أجل النقود فقط، تلك الأشجار كانت ماضينا الجميل الذي عشنا فيه طفولتنا وصبانا، وأصبحت من تراثنا وكل شجرة من هذه الأشجار تحمل في قلوبنا ذكرى جميلة وقصة من قصص أيام زمان... لكن إسرائيل دوماً تبحث عن كل شيء ينغص حياتناquot;.


quot; قالوها أيام زمان الأرض مثل العرض quot; هذا ما بدأ الحديث به المواطن سعيد أبو خالد quot;60 عاماًquot; في حديثة مع مراسلة إيلاف ويضيف quot;إسرائيل انتهكت أعراضنا بتجريفها للأراضي الزراعية ولاقتلاعها الأشجار ومسها تاريخ عاش أباؤنا وأجدادنا كثيرًا في بنائه, وبهذه الخطوات التي تقوم بها إسرائيل من انتهاكات، شردت العديد من الأسر الفلسطينية التي كانت تعتمد كثيرًا على هذه المحاصيل وعلى هذه الأشجار, فأنا مزارع لا يوجد لدي أي شيء آخر يعولني أنا وأسرتي غير أرض زراعية كانت تحتوي على أشجار الزيتون والقليل من أشجار الحمضيات, إلا أن إسرائيل جرفت أرضي كلها ولم يتبق منها أي شجرة تذكرquot;.

وأضاف أبو خالد quot;هذا الخبر وقع على رأسي وكأنه قذيفة من قذائف الإسرائيليين، وذهلت كثيرًا لما سمعت، وذهبت مسرعًا لأشاهد ما حصل في أرضي فكانت الفاجعة أكبر مما تخيلت، فلم يتبق شي من تعبي وتعب أفراد عائلتي وأصبحت أرضي قاحلة جرداء, لا أستطيع أن أزرعها مجددًا لخوفي أن أسمع خبر تجريفها مره ثانية فأنا لا أتحمل ضربة أخرى كهذه.. والآن أنا وأسرتي بلا معول غير رحمة الله عز وجل، فرحمته وسعت كل شي.. الصبر من عندك يا اللهquot;.

هذه حال العديد من المواطنين في قطاع غزة بعد العمليات الواسعة التي قامت بها جرافات الاحتلال الإسرائيلي من تجريف للأراضي الزراعية واقتلاع العديد من الأشجار المثمرة والتي اعتمد عليها كثيرًا مزارعو القطاع. فإسرائيل جرفت بحسب وزارة الزراعة في الحكومة المقالة أكثر من 11300 دونم مزروعة بأشجار الزيتون في قطاع غزة لوحده، فضلا عن أضعاف هذا الرقم من دونمات أخرى مزروعة بالحمضيات والفواكه والخضروات.


فايز أبو لحية quot;64 عامًاquot;، قدم من السعودية منذ حوالى العشر سنوات أي بعد دخول السلطة الفلسطينية. يقول لـ إيلاف quot;أردت أن استقر في بلدي بعد أن أرهقتني الغربة وأعيش ما تبقى من عمري أنا وأسرتي بين أحضان بلدي الغالي, فإشتريت أرض زراعية تقارب مساحتها عشر دونمات تقع في منطقة القرارة شمالي محافظة خان يونس, وقمت بزراعتها ومراعاتها وكنت كل يوم أفرح كثيرًا بمشاهدتي لأشجاري التي زرعتها وهي تكبر أمام عيني.. وأصبحت هذه الأرض كل ما أملكquot;.

وأضاف أبو لحية quot;أصابتني وعكة صحية أقعدتني بضعة أشهر في الفراش وخلال هذه الوعكة وصلني خبر تجريف أرضي مما زاد من مرضي وذهبت إلى المستشفى ووضعت في العناية المركزة مدة أسبوع وبعدها خرجت من المستشفى ولم أذهب حتى الآن إلى أرضي.. فلا أريد أن أشاهد ما حدت لها، كي لا أتعذب مجددًا، أنا أعلم أن المال معوض لكن ألمي ليس من أجل المالquot;.