قصي بن عبدالمحسن الخنيزي
يسعى المستثمر الدولي إلى تنويع المحفظة الاستثمارية بهدف تعظيم العائد وتقليل المخاطرة ولتحقيق أهداف الاستثمار التي غالباً ما تنص عليها لائحة تأسيس المحفظة الاستثمارية في حالات الاستثمار المتخصص والمؤسسي. كما تتنوع الأصول التي يتم تضمينها في المحافظ الاستثمارية لتشمل الأسهم، السندات، الخيارات، منتجات العقود المستقبلية، صناديق الاستثمار المغلقة والمفتوحة، والصناديق المدرجة في البورصات وغيرها. كما أن المحافظ الاستثمارية تتنوع تبعاً لتقسيمات أخرى قد تشمل حجم المخاطرة، المدى الزمني للاستثمار، الأصول المتضمنة في المحفظة، والتوزيع الجغرافي والقطاعي للأصول والمنتجات الاستثمارية.

ومن المنتجات الاستثمارية التي شهدت نمواً كبيراً منذ انطلاقتها عام 1993 بالولايات المتحدة وعام 1999 في أوروبا تبرز الصناديق المتداولة أو المدرجة في البورصة Exchange Traded Funds وهي صناديق تتكون من أصول مالية ويتم تداولها في البورصة كتداول سهم أي شركة مدرجة في السوق. أي أن هذه الصناديق قد تتكون من أسهم قطاع البتروكيماويات في بلد معين ويعكس أداءها في السوق الأداء الكلي للأسهم المكونة لها أو صافي قيمة الأصول التي تكون هذه الصناديق. وتقليدياً ارتبطت الصناديق المدرجة بكونها تعكس أداء مؤشرات الأسواق ليكون الاستثمار في أحد هذه الصناديق بناء على التوقعات المرتبطة بأداء المؤشرات التي تعكسها هذه الصناديق المدرجة، إلا أن تطورات هذه المنتجات وارتفاع الطلب عليها أديا إلى بروز صناديق مدرجة متخصصة في قطاعات محددة وأسواق معينة تشكل أداة استثمارية لتنويع المحافظ الاستثمارية.

وبتناول نمو الأسواق المالية الخليجية وكبرى الأسواق الناشئة كالصين، الهند، روسيا، والبرازيل في الأعوام الخمسة الماضية، فإن المستثمر الدولي وخصوصاً في الدول الصناعية بدأ في إيلاء الاهتمام بالاستثمار في هذه الأسواق نظراً لفرص تنويع الاستثمار التي توفرها والتي بالإمكان متابعتها والاستثمار بها من خلال الصناديق المدرجة. فمن محددات الاستثمار المبدئية للمستثمر الدولي ضعف أو تعاكس معامل الارتباط بين الأصول المالية المتضمنة في المحفظة الاستثمارية بهدف تقليل المخاطر الكلية التي قد تصيب الأسواق والأصول ككل ما قد يؤثر سلباً في أداء المحفظة الاستثمارية. فمعدلات نمو الاقتصادات الناشئة بما فيها دول الخليج تفوقت ومن المتوقع لها أن تتجاوز معدلات نمو اقتصاديات الدول الصناعية لخمس سنوات مقبلة، إضافة إلى أن أسواق الأصول من المتوقع لها أن تعكس الأداء الاقتصادي تبعاً للمقاييس المالية والاقتصادية الأساسية.

وأخذاً في الاعتبار ديناميكية الاستثمار الدولي وحساسيته تجاه المخاطر بجانب تلمسه لمصادر الفرص، فقد بدأت أنظار شركات الصناديق المدرجة في الأسواق الدولية كبورصة لندن وناسداك الأمريكية بالاهتمام بالأسواق الناشئة عموماً ومن ضمنها الأسواق الخليجية. فتبعاً لتقرير ورد في الملحق الأسبوعي المتخصص في قطاع إدارة المحافظ الاستثمارية في صحيفة quot;الفاينانشيال تايمزquot; يوم الإثنين الماضي 11/12/2008 وبعنوان quot;شركات الصناديق المدرجة تتحسس الشرق الأوسطquot; ETF providers dip toes into the Middle East، تمت الإشارة إلى أن عدداً من الصناديق الدولية المدرجة بدأت في التركيز على أسواق الشرق الأوسط وعلى الخصوص أسواق الخليج وشمال إفريقيا. وأشار التقرير إلى أن شركة ليكسور المتخصصة في طرح الصناديق المدرجة والتابعة لمجموعة سوسييتيه جينيرال المصرفية قامت بإدراج صندوق في بورصة لندن يتكون من 40 شركة كويتية غير تابعة للقطاع النفطي بناء على توقعات أن الإنفاق العام والخاص المتأتي من العوائد النفطية سيؤثر في أداء هذه الأصول المكونة للصندوق إيجابياً. ومن ضمن الشركات الأخرى المتخصصة في طرح الصناديق المدرجة، قامت شركة إنفيسكو باورشيرز Invesco Powershares في الشهر الماضي بطرح صندوق مدرج في بورصة ناسداك الأمريكية يغطي 70 شركة موزعة بين مصر، المغرب، الأردن، عمان، الكويت، والإمارات. عموماً، ركز التقرير على أن أسواق الكويت والإمارات هي المستهدفة في الدرجة الأولى نظراً لسهولة دخول المستثمر الأجنبي لها ولسيولتها المرتفعة. حقيقة، إن ما أعجبني في تحركات شركات الصناديق المدرجة للاستثمار في أسواق الخليج هو عدم تركيز الشركة الأولى quot;ليكسورquot; على الاستثمار في الشركات التابعة للقطاع النفطي. فمبدئياً، كان من المتوقع أن تقوم هذه الشركات بالاستثمار في الشركات المعتمدة على القطاع النفطي لتوفير نوع من التحوط تجاه ارتفاع أسعار النفط التي تتناسب طردياً مع أداء الشركات الخليجية المرتبطة بالقطاع النفطي وعكسياً مع الدول المستوردة للنفط. بيد أن النظرة المستقبلية للاستثمار المحترف تحتم النظر إلى ما هو أبعد من ذلك، وأعني هنا توظيف عوائد النفط المتحصلة في الأعوام الماضية في قطاعات الاقتصاد الوطني، حيث ستستفيد منها شركات توفر الدعم اللوجيستي لخطط التنمية والمشاريع الصناعية، والعقارية، والاقتصادية، وغيرها. لذا، فتحركات هذه الصناديق المدرجة محسوبة وتتفق مع أساسيات الاستثمار الحرفية المبنية على التوقعات المستقبلية لا التاريخية لأداء الشركات التي يتم تضمين أصولها في هذه الصناديق.

ختاماً، إن استثمارات الصناديق المدرجة، كغيرها من الأدوات الاستثمارية، تمثل ترمومتراً لقياس صحة الأسواق المالية من وجهة نظر المستثمر الدولي وتوقعاته للأداء الاقتصادي والسوق المالية. فكما يكون المؤشر الاقتصادي المحلي مقياساً لتوقعات المستثمر المحلي وانعكاساً لسلوك ونفسية المتعاملين، فإن الصناديق المدرجة تعكس المعلومات نفسها ولكن لمستثمرين مؤسساتيين وأفراد دوليين. فهل سنجد تسهيلات لاستثمارات الصناديق الدولية المدرجة في السوق السعودية تماثل نظيراتها في الكويت والإمارات للحصول على وجهة نظر أخرى دولية تجاه أداء السوق السعودية؟