بات ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان أمرًا اعتياديًا لدى المواطن، تعجز مداخيله المتواضعة نسبيًا من التأقلم معه، خصوصًا أن لا غنى عن الوقود ومشتقاته كافة في الحياة اليومية، بعدما باتت غذاء المولدات الكهربائية التي تطرق اشتراكاتها بيوت معظم اللبنانيين لتقنين كهربائي متواصل وقاس منذ سنين. وكلما ارتفعت quot;أسهم بورصةquot; البنزين، كثرت شكاوى السائقين العموميين وزادت صرختهم قبل أن يضطروا لتعديل تعرفة النقل قسرًا. ولكون الغلاء في تزايد في لبنان باتت الأمور المعيشية تهم اللبنانيين أكثر من لقاءات زعمائهم أو خصاماتهم.

بيروت: عالمان مختلفان يفرّقان الطبقتين السياسية والشعبية. مشاورات واعتراضات وتجاذبات ومطالب ألهت الحكام اللبنانيين في الأشهر الأربعة الأخيرة لتشكيل حكومة أبصرت أخيرًا النور، بعد صعوبات عديدة. أما الشعب اللبناني فلا يأمل سوى أن يحمل معه هذا الفجر الجديد وعودًا بالتغيير والتحسين لواقع اقتصادي واجتماعي مرير. وفيما يحتفل الوزراء الجدد بالمكاسب الجديدة، يجلس رب العائلة مع زوجته للتفكير في كيفية إدارة المدخول المحدود وتلبية حاجات الأولاد جميعها.

ويأتي ارتفاع أسعار المحروقات في الأيام الماضية، ليزيد من معاناة المواطن اللبناني الذي يحتاج البنزين ليتنقل.. والغاز والمازوت ليتدفأ وينعم بالكهرباء. فالحاجة للمولّدات باتت ضرورية في ظلّ انقطاع كهرباء الدولة الدائم في لبنان. ولأن الغلاء بات أمرًا اعتياديًا لدى اللبنانيين، لا يشكل أي تحول في هذا الاتجاه موضوعًا يستحق التكلم عنه في وسائل الإعلام. علمًا أن الأمور الحياتية تهم الناس أكثر من لقاءات ومحادثات بين الزعماء، لأنها لا تقدم ولا تؤخّر على وضعهم المعيشي.

وقد ازداد سعر صفيحتي البنزين 98 و 95 أوكتان أخيرًا سبعمائة ليرة، وصفيحة الكاز خمسمائة ليرة، والمازوت سبعمائة ليرة، وقارورة الغاز مئتي ليرة. وبذلك أصبحت أسعار المحروقات على الأراضي اللبنانية كافة على الشكل الآتي: بنزين 98 أوكتان 31900، بنزين 95 أوكتان 31200، مازوت 19500، ديزل 19700، كاز 19300، الغاز 15000.

ويستاء اللبنانيون كلما سمعوا خبر ارتفاع أسعار المحروقات، إذ إن هذه الأخيرة تشكّل مادة استهلاكية أساسية في حياتهم اليومية ويؤثّر سعرها على الوضع المعيشي لكل فرد من دون استثناء. فتعلو صرخة أصحاب الباصات والسيارات العمومية، وترتفع بالتالي كلفة التنقل العام. فيتذمّر الركّاب. وينشغل الطلاب بهمّ مصروف التنقل بدلاً من التركيز على الدراسة. ويصعق الأهالي بأقساط باصات المدرسة quot;عالية التوترquot;. ويحتار سكان الجبل في كيفية حماية أجسادهم من برد الشتاء القارس. أما ربّة المنزل فتحرص على وضع الطبخة على نار خفيفة، لتحافظ على قارورة الغاز أكثر وقت ممكن، قبل أن تفتح الباب لصاحب المولّد ليبشّرها بارتفاع اشتراك هذا الشهر.

ما هي أسباب ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان؟، وإلى أي مدى يؤثّر على القدرة الشرائية عند المواطن اللبناني؟، للإجابة عن هذه التساؤلات، يشير الأستاذ في علم الاقتصاد في الجامعة الأميركية اللبنانية الدكتور إلياس رعد في حديث لـquot;إيلافquot; إلى أن quot;لبنان يتأثر بسعر النفط عالميًا. فسوقه سوق حرّة، وهو بالتالي يخضع لأسعار نيويورك. إلا أن المشكلة في دولة تعاني عجزًا في ميزانها التجاري مثل لبنان، تكمن في عدم إمكانها من مجاراة ارتفاع أسعار النفط عالميًا. فينعكس ذلك سلبًا على وضعها الاقتصادي، ووضع المواطن المعيشيquot;.

ويلفت رعد في هذا الإطار إلى أن الفرق بين لبنان والدول المتطورة هو أن quot;المداخيل ليست مرتفعة فيه. وعندما ترتفع الأسعار لا يرتفع مستوى الدخل الفردي. فيعجز المواطن عن مجاراة هذا التغيير، ويقع في مشكلة اقتصادية.. حلّها ليس بيدهquot;. ويضيف: quot;الضريبة على القيمة المضافة تشكل بذاتها مشكلة لدى الشعب. فكيف الحال عندما ترتفع عالميًا أسعار المواد الأساسية، مثل النفط؟ فالمواد الناتجة منه، مثل البنزين والغاز والمازوت والكاز أساسية الاستعمال، ولا يمكن للفرد الاستغناء عنها. فيضطر إلى استهلاكها، رغم تخطي أسعارها إمكاناتهquot;.

وعن الإجراءات والحلول التي يجب أن تتّبعها الدولة اللبنانية لتفادي تداعيات ارتفاع أسعار النفط عالميًا على وضع المواطن المعيشي، يرى رعد أن quot;على الدولة دعم المواطن من خلال سياستها الاقتصادية، في حال ارتفاع أسعار المحروقات. وذلك عبر وضع سقف محدد للأسعار، يلزم المواطن بدفع فقط القيمة التي يحددها. فمثلاً، تحدد الدولة سعر صفيحة البنزين بعشرين ألف لبنانبة. وإذا ارتفعت الأسعار عالميًا إلى خمسة وعشرين ألف مثلاً، يدفع الفرد فقط السعر الذي يحدّده السقف، أي عشرين ألف، وتتكفّل الدولة بالباقيquot;.

كما يوضح أن quot;على الدولة أيضًا أن تخفض الضريبة على القيمة المضافة، كي لا تشكّل عبئًا إضافيًا على الأفراد. ومن المؤكد أن زيادة مستوى الدخل الفردي أمر ضروري وملحّ، يخفف من تأثّر المواطن بأي تغيير على مستوى الاقتصاد العالميquot;.

إلا أن الدكتور في علم الاقتصاد لا يبدو متفائلاً عند سؤاله عن مدى إمكانية تطبيق هذه الحلول، إذ يقول: quot;نظرًا إلى حالة لبنان الاقتصادية والديون التي يعانيها، فإن هذه الإجراءات، وعلى الرغم من أهميتها وجدواها، تبقى صعبة التحقيق. فميزانية الدولة لا تسمح باتخاذ خطوات كهذهquot;.

وبعدما ضاق المواطن ذرعًا من انتظار الأطراف السياسية للاتفاق على صيغة تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب، لم يعد أمامه الآن سوى التمني من أن تتمكن الحكومة الجديدة من معالجة جديّة للهموم التي تلبّد سماءه يوميًا.