طلال سلامة من روما:يبدو التعب واضحاً على رؤساء دول الاتحاد الأوروبي الذين يحاولون بصعوبة إعادة إنعاش الاقتصاديات الأوروبية وحفز نموها. ويتعلق جزء من هذه الصعوبات بالشيخوخة التي تتفشى أكثر فأكثر بين المواطنين الأوروبيين. من جانب آخر، قامت حكومة بكين باستثمار ما مجموعه 1.3 تريليون دولار في الولايات المتحدة الأميركية. لكنها تخشى اليوم أن يُصاب الدولار الأميركية بنكبة. لذلك، تطلق الصين حملة لاستعمال عملتها الوطنية في الأسواق الخارجية عدا عن شراء تلك الشركات التي تدير إنتاج المواد الأولية. إن القلق الذي تبديه السلطات الصينية شرعي. فالولايات المتحدة الأميركية تجد نفسها في وضع حساس. إما أن تنجح الأخيرة في تقليص العجز المسجل في موازنة المدفوعات (بصورة مستمرة)، وهذه خطوة غير سهلة إطلاقاً، وإما أن تحاول إقناع الصين والدول الأخرى المستثمرة في مواصلة شراء سندات الخزينة الأميركية.

في هذا الصدد، يشير البروفيسور في تاريخ المال والعملات في جامعة quot;بيزاquot;quot;مارتشيللو دي تشيكوquot;، في حديث له يلافquot; بروما، إلى أن العلاقة بين أميركا والصين ستواصل تأرجحها. في الآونة الأخيرة، غيرت الصين، التي تعد الممولة الرئيسية لديون أميركا، استراتيجيتها. صحيح أنها لم تنقطع عن تمويل الدين الأميركي إلا أنها اختارت شراء سندات الخزينة الأميركية قصيرة الأمد مبتعدة بالتالي عن تلك طويلة الأمد التي كانت ضحيتها المفضلة في الماضي. في ما يلي نص الحوار:

إيلاف: ما هو السبب في شراء بكين سندات الخزينة الأميركية قصيرة الأمد؟

تريد حكومة بكين تخفيض الأخطار المتعلقة بنسب الفوائد الأميركية. ان الاستثمار على المدى القصير يحض حكومة واشنطن على التفاوض مع حكومة بكين، باستمرار، حول وضع هذه السندات ووضع الدين الأميركي. من جانب آخر، أنا أعتقد أن الصين ستواصل تمويل الدين الحكومي الأميركي لغاية أن تضحي صادراتها الى أميركا في خطر. في حال تمسكت حكومة واشنطن برفع وتيرة الحمائية، لتهديد حكومة بكين، فإننا سنواجه سلاحاً تجارياً يجلب معه عدة مشاكل للبلدين.

إيلاف: ما سيكون رد فعل حكومة بكين؟

أنا أعتقد أن حكومة بكين ستتريث كثيراً قبل الانتقام من أي ضربة أميركية. ان الصين لديها احتياطات مالية ضخمة، بالدولار الأميركي، لكنها ستنجح في التخفيف من وطأة الخسائر، ان خسر الدولار الأميركي من قيمته. مما لا شك فيه أن الصين تنتظر الوقت المناسب لتصبح الأولى عالمياً في القطاع الصناعي وهذا من شأنه التعويض عن جميع الخسائر التي تكبدتها للآن بأميركا.

إيلاف: ماذا بشأن قوة اليورو؟

لا أستبعد أن يقوى اليورو ببطء أمام الدولار الأميركي. ما يدعم اليورو الآن هو هجرة الاحتياطات المالية الدولية للدولار الأميركي. فالمستثمرين يتابعون عن كثب ما يبديه الصينيون من قلق. كما أن العجز المسجل في الموازنة الأميركية يساعد في تسريع هروبهم من الدولار.

إيلاف: هل تساهم قوة اليورو في تعزيز اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي؟

ليس كثيراً. فالدول الأوروبية لا مجال لها للضغط على سياسات الموازنات الحكومية. ان الأموال العامة تتآكل أمام الأزمة المالية. ولا تريد دول الاتحاد الأوروبي القيام بمناورات مالية ضخمة كما تلك التي حصلت بأميركا.

إيلاف: قد يكون ابتعاد أوروبا عن اعتناق مثل هذه المناورات غير ضار. ما هو تعليقكم؟

هذا يعتمد على وضع كل دولة، على حدا. تعاني أوروبا من الأزمة المالية أكثر من غيرها. وهي تجهد للعثور وحدها على القوة التي تجعلها قادرة على الانطلاق مجدداً. ان الاقتصاديات الأوروبية تستند على الصادرات. للآن، برهنت ألمانيا وحدها أنها قادرة على التعايش مع سيناريو مالي صعب وفي حالة تدهور تدريجي. لقد أثبتت حكومة برلين إمكانات عظيمة في التحكم بالأكلاف الإنتاجية وديناميكية الرواتب والسياسات العمالية الفعالة. أما حكومة روما، فهي ما تزال عاجزة عن ذلك بسبب قوة اليورو وعوامل أخرى.

إيلاف: إذن أنتم لا ترون مساحات كبيرة للنمو المستقل للاقتصاد الأوروبي؟

كلا! في الدول الصناعية الكبرى، كما ألمانيا وإيطاليا، ثمة عوامل ديموغرافية تلقي ظلالها القاتمة عليها. فالنمو السكاني ضعيف مما يجعل ظاهرة الشيخوخة تتفشى بسرعة. بالطبع، يمكننا التعويض عن ذلك عبر استقطاب اليد العاملة الأجنبية إنما تبدو لي هذه الاستراتيجية التعويضية، في الوقت الراهن، غير مقبولة سياسياً.