ترايسي أبي أنطون: من يجول في شوارع بيروت والمناطق اللبنانية هذه الايام، يخيل إليه ان موسم الانتخابات عاد من باب آخر، او كأن البلاد على موعد مع مسابقة لاختيار أفضل مصرف واكثرها حنانا وعطفا على اللبناني الرقيق الحال مالياً. فكيفما نظرت الى اللوحات الاعلانية المزروعة على الطرق، تستوقفك عشرات الاعلانات التي تروج لعروضات المصارف المخصصة لشراء quot;بيت الاحلامquot; وفق أوفر التسهيلات وافضل الشروط.ويبدو ان المصارف اللبنانية فهمت اللعبة، وأمسكت بخناق القطاع العقاري quot;المربح دائماquot; في لبنان بعدما شهدت الشهور الاخيرة تقلصا حادا في عدد شاري المنازل خصوصا من المغتربين اللبنانيين الذين كان يعوّل عليهم في شراء المنازل والذين أصبح عدد كبير منهم ضحايا للأزمة الاقتصادية العالمية. فهؤلاء يزورون بلادهم في الصيف ، أو عادوا إليها نهائيا من غير أن يكونوا مستعدين او لا يملكون ما يكفي من المال لشراء شقق، ما دفع بالمطورين وأصحاب المشاريع السكنية إلى الاستنجاد بالمصارف لتحريك عجلة السوق العقارية.
quot;بالطبع نحن نعيش اليوم آثار الأزمةquot;، على ما يقول بيدروس طوروسيان لـ quot;إيلافquot;. وطوروسيان هو صاحب أحد أبرز أصحاب المشاريع السكنية في منطقة المتن الشمالي وتحديدا في مناطقها quot;الراقيةquot; كالنقاش والرابية وعين سعادة وبيت مري. وquot;الاقبال أقل بكثير مما شهدناه العام الماضي والوضع لا يبشر كثيرا بالخيرquot;. يشرح طوروسيان هذا الامر بأن quot;شبابنا يعودون من الخليج مفلسينquot;، وبعضهم quot;اشترى منزله مسبقا ولا يستطيع اكمال ثمنه اليومquot; وهم يعودون quot;للسكن عند أهلهم ويبحثون عن عمل في لبنان في ظل وضع صعبquot;.ويوافق راجي شاوول، صاحب مكتب شاوول العقاري، على هذا الطرح ويقول أن من لا يزال باستطاعته الشراء أصبح quot;زبونا صعب المراسquot; فهو يتمتع برفاهية عدم الاستعجال خصوصا إذا ما قارنا الوضع اليوم بالعام الماضي عندما كانت الشقة المعروضة لا تنتظر أكثر من يومين قبل شرائهاquot;. اما اليوم quot;فالناس رأوا انخفاض الاسعار القياسي في دول الجوار وهم ينتظرون انخفاضها عندناquot;.
قطبة مخفية
هذه النقطة بالذات شكلت محطة اعتراض لدى الخبير العقاري سيمون خليل فـquot;الاسعار لن ترتفع لكنها لن تنخفضquot;. ويجزم خليل أن دور المصارف في هذا الوقت اصبح محوريا. فبرأيه هناك quot;قطبة مخفيةquot; في قضية العقارات اللبنانية quot;عنوانها تحالف مستور بين المصارف واصحاب المشاريع السكنيةquot;. فبينما كان quot;الجميع ينتظر انخفاض الاسعار نتيجة عدم الاقبال
أطلت جميع المصارف اللبنانية بعروض دسمة لاجتذاب المواطن اللبناني المقيم، عبر اغرائه باعفاءات على الفائدة والدفعة الاولى والتأمين وغيرهاquot; وخصوصا بعد تحرير المصرف المركزي للاحتياطات المالية لهذه المصارف ما فتح لها قدرة quot;اقتراضية اكبرquot; وهامش مناورة اوسع، بالاضافة إلى ما تردد عن تحضير مؤسسة الاسكان العامة لمروحة اعفاءات جديدة ما سيتيح اعادة عجلة السوق العقارية إلى دورانها الطبيعي وبالتالي عودة ارتفاع الطلب وبقاء الاسعار quot;المنتفخةquot; على حالها او في افضل الاحوال لن يتجاوز الانخفاض العشرين في المئة.
المصارف وحدها رابحة
من جهته، يقول انطوان شمعون، مدير قسم الاستثمار في احد مصارف العاصمة أن مصرفه قدّم اخيرا لزبائنه عروضا خاصة لشراء المساكن، تعفيهم من الفوائد والدفعة الاولى مؤكدا ان هذا الامر quot;غير مرتبط بانخفاض قيمة المتقدمين بطلبات لشراء منازلquot; بل على على العكس فإن هدف المصرف مرتبط بتخفيف التكاليف على الزبون قدر الامكان ومساعدته على البقاء في ارضهquot;. ويجزم شمعون ان كمية طلبات الاقتراض لشراء منازل لا تزال على حالها بل هي زادت قليلا، وأن ما يهم المصرف فعليا هو quot;التأكد من قدرة المتعامل معنا على الايفاء باقساطه الشهرية عبر التدقيق في وظيفته ومصدر مداخيلهquot; وعند الايفاء بهذه الشروط يصبح quot;الباقي تفاصيل سهلة للجميعquot;.
ويتابع شمعون ليقول ان quot;فصل الصيف واعد جدا، واعتقد ان السوق العقارية ستنتعش بشدةquot; حيث انها وبرغم كل شيء quot;لا تزال تشكل ملاذا آمنا لكل من لا يزال يملك بعض المال في جيبه ويرغب في الاستثمارquot;.
مستقبل القطاع
أما حول مستقبل عالم البناء في لبنان فيتفق طوروسيان وشاوول على التاكيد ان الشقق الفخمة كانت الضحية الأولى للوضع المستجد، اذ كل شقة يبلغ سعرها أكثر من نصف مليون دولار وما فوق في احياء بيروت الراقية في الاشرفية او او الرملة البيضاء والرابية، أصبحت من دون سوق حقيقية وذلك بسبب تردد المستثمرين الخليجيين، وحتى كبار المتمولين اللبنانيين الذين تعرضوا لـquot;فيروس البورصةquot; اقليميا ودوليا.
وغني القول في هذه الحالة أن quot;المستقبل مرسوم بدقة لصالح الشقق المتوسطة والصغيرةquot; التي لا يتجاوز ثمنها المئتي الف دولار والتي تناسب العائلات وإلى حد ما الشباب الطامحين لبناء عائلة.
التعليقات