لم يعد أمام التاجر المعروف فتحي الغمري، صاحب أشهر سوبرماركت في خان يونس، جنوبي قطاع غزة، غير تكدس كافة أنواع السلع الغذائية التي يتعامل بها لزبائنه، خوفاً من إنقطاعها بشكل مفاجئ بعد إنتهاء مصر من إتمام بناء جدار فولاذي على حدودها مع قطاع غزة، وتوقف تهريب السلع من مصر إلى غزة.

غزة: لا يجد الغمري صعوبة هذه الأثناء في شراء كميات كبيرة جداً من البضاعة. وقال لإيلاف quot;لا زالت الأنفاق تعمل بشكل مستمر، لكنها زادت بنسبة أكبر في الآونة الأخيرة بشكل كبير جداً، قبل أن تُغلق تماماً بعد إكمال السور الحديدي الذي يصل لعمق 27 تحت الأرض، وبالتالي يصعب حفر أنفاق أكثر من هذا العمقquot;.

وأكد التاجر الفلسطيني أن كافة تجار غزة يقومون بتخزين أكبر كميات من السلع التي يتعاملون بها. ومع هذا فإن العديد من التجار الفلسطينيين رفعوا أسعار السلع منذ الإعلان رسمياً عن إنشاء الجدار، مما أصاب المواطنين هلع وخوف من إنقطاعها، وبالتالي إنكبّوا على شراء ما يلزمهم بأي سعر.

وتذمر أسامة عبد ربه كثيراً حينما بدأ ببناء منزل صغير له، لكنه تفاجئ بأسعار مرتفعة للإسمنت في غضون يومين فقط. وقال لإيلاف quot;حينما ذهبت لأشتري 10 طن من الإسمنت كمقدمة لبناء منزل صغير لي، تفاجئت بأن سعر الطن الواحد زاد أكثر من 150 دولار في غضون يومينquot;.

وأضاف quot;وصل سعر الطن الواحد لـ 1000 شيكل (250 دولار)، لكنه إرتفع ليصل إلى 1700 شيكل، علماً بأن التسعيرة الرسمية السابقة للطن حاولي 450 شيكل فقط، فتوقفت عن الشراء لأن الأمر لن يقتصر فقط على الإسمنت لوحده، بل ستزداد أسعار كافة مواد البناء، وبالتالي سيرهقني هذا الأمرquot;، منوهاً إلى إرتفاع ثمن طن الحديد لـ 1700 دولار بدلاً من 1200 دولار.

وبدأت الحكومة في غزة بتثبيت أسعار الإسمنت والمحروقات على وجه التحديد، بعد أن قام تجار السلعتين برفع أسعارها بشكل ملحوظ. وقال محمد عبد الله، عضو مجلس غدارة جمعية أصحاب شركات الوقود وصاحب محطتين لتعبئة الوقود، أن داخلية غزة ألزمت أصحاب محطات الوقود بتثبيت أسعار السولار إلى 1.2 شيكل لليتر الواحد. وأضاف لإيلاف quot;المشكلة أن سعر السولار ونقله، يكلفنا أكثر من ذلك، وبتالي نبيع بخسارة، وهذا الأمر حاولنا معالجته مع وزارة الداخلية دون جدوىquot;.

وأعتبر عبد الله أن مصاريف الإيجار والعمال لأصحاب محطات الوقود quot;تشكل عبئاً في الوقت الحالي عليهم. وقال quot;نحن مع توحيد وتثبيت أسعار كافة السع، لكن لا العقل ولا المنطق يقبل الخسارة مقابل هذا الأمرquot;، مطالباً المسؤولين بمراعاة الوضع المادي لأصحاب شركات الوقود وإنصافهم.

من جانبه أعتبر أستاذ التاريخ في جامعة الأزهر الدكتور رياض الأسطل أن قضية الأنفاق برمتها شكّلت quot;تقزّم للصراع مع إسرائيلquot;. وقال لإيلاف quot;تحولت معركتنا من أجل فتح المعابر ، لقد كان الساسة الفلسطينيون في العام 2006 يرفضون اتفاقية 2005 لتشغيل المعابر، ويصرون على تحريرها تحريراً كاملاً لتصبح معابر فلسطينية خالصة، إلا أن المسعى الفلسطيني إنحصر في النضال بعد ثلاث سنوات من أجل أن تبقى الأنفاق مفتوحةquot;.

وأضاف quot;من المؤكد أن القائمين على مئات الأنفاق ليسوا فقط من المناضلين الشرفاء الذين يمارسون هذا العمل بناءً على مواقف نضالية وطنية، فالعديد منهم من التجار النفعيين والمغامرين المستعدين للمخاطرة، من أجل تحصيل أعلى نسبة من الربح الماديquot;، مؤكداً على أن الحصار الحقيقي هو الذي تفرضه علينا إسرائيل. وقال quot;معركتنا ينبغي أن تكون موجهة ضد الحصار الإسرائيليquot;.

وأوضح دكتور التاريخ في جامعة الأزهر أن استمرار الاعتماد على الأنفاق quot;يشكل خطراً على مستقبل النضال الفلسطيني، ويساهم في تأخير البحث عن بدائل دبلوماسية أخرى أكثر نفعاً وأليق بكرامة الشعب الفلسطيني وبمصالحه الوطنية والاقتصاديquot;، مشيراً إلى أنه لا ينبغي أن quot;تحرفنا أزمة الأنفاق عن منهجنا النضالي السليم، ولا عن المحافظة على علاقاتنا المستقرة والمتميزة مع الجانب المصري، ولا عن خصومنا الحقيقيين وهم الإسرائيليينquot;.

وأضاف quot;الأنفاق خلقت طبقة من المستغلين والنفعيين الجدد، إضافة لتشكيلها علاقات إقتصادية ذات طابع مرضي من شانه الإضرار بشكل سلبي وكبير على الإقتصادي الوطني الفلسطيني، فضلاً عن المساس بالعلاقات الطبيعية مع الشقيقة مصرquot;.