سعت اليونان في ظل أزمة الديون وعجز الموازنة الذي تعانيه إلى طمأنة المستثمرين والتخفيف من حدة القلق الدولي إزاء الأزمة، وسط مخاوف من أن تؤدي الأزمة إلى إضعاف اليورو وإشاعة عدم الاستقرار المالي في بعض الدول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي انعكاساتها على بقية دول العالم، ومنها السعودية.

الرياض: من غير المتوقع أن تنعكس آثار الأزمة المالية اليونانية على الاقتصاد السعودي بشكل حاد استناداً إلى أسباب عدة، أولها نجاح السعودية في احتواء آثار الأزمة المالية العالمية وامتصاص انعكاساتها، وهي أزمة أثرت على العديد من دول العالم، ومن بينها دول متقدمة ذات اقتصادات قوية. وكانت السعودية من أقل الدول تأثراً بالأزمة، ساعدها على ذلك عدم وجود استثمارات سعودية في البنوك الأميركية المنهارة، علاوة على أن معظم المشاريع الرئيسة المقامة داخل السعودية تعتمد في المقام الأول على رأس مال محلي.

وبالمقارنة بين الأزمتين الماليتين العالمية واليونانية ومدى قوتيهما يمكن القول إن السعوديين لن يتأثّروا كثيراً بالأزمة المالية اليونانية، ويدعم هذا الرأي ارتباط الريال السعودي بالدولار الأميركي، وهو ما يجنب السعوديين الكثير من الخسائر في هذه الأزمة التي عصفت بشدة باليورو، ومنطقته في أوروبا واليونان إحدى دوله. فأكثر المخاوف تشاؤماً تدور حول إمكانية أن تؤدي الأزمة إلى خلخلة اليورو وإشاعة عدم الاستقرار المالي في بعض دول الاتحاد الأوروبي، وأن تترك أثرها على الأسواق المالية العالمية. وقد يؤدي تفاقم أزمة ديون اليونان لانهيار النظام المصرفي اليوناني ودول أوروبية أخرى، مثل إسبانيا وإيطاليا وحتى ألمانيا بفعل الهزات الارتدادية، ومن هنا فإن ارتباط الريال السعودي بالدولار يجنبه كثيراً الهزات والتداعيات التي يمكن أن يسببها انهيار الاقتصاد اليوناني في أسوأ الحالات.

إضافة إلى ذلك فإن إحصاءات الهيئة السعودية العامة للاستثمار تؤكد ضآلة المشاريع الاستثمارية المشتركة بين السعودية واليونان، فرغم قدم العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم يكن هناك حتى عام 2005م، سوى مشروعين خدميين بين مستثمرين سعوديين ويونانيين بلغت حصة الاستثمار اليوناني فيهما 40%، بينما كانت حصة رأس المال السعودي 60%، فيما لم يكن هناك سوى مشروع صناعي واحد برأس مال يوناني بالكامل.

وعلى صعيد حجم التبادل التجاري بين السعودية واليونان فقد ارتفع من 1.3 مليار دولار عام 2000 إلى 2.5 مليار دولار عام 2006م، ثم شهد تراجعا قليلاً في عام 2007، واحتلت السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية المصدرة لليونان، وسجلت الصادرات السعودية عام 2006 حوالي 2.2 مليار دولار، بزيادة قدرها 97.40% عما كانت عليه في عام 2005.

ومثلت زيوت النفط الخام أهم الصادرات السعودية إلى اليونان، وشكلت نحو 90% من إجمالي هذه الصادرات، ومن غير المتوقع أن تنعكس الأزمة المالية اليونانية سلباً على صادرات النفط السعودية. فاليونان ليست السوق الأكبر الذي تتجه إليه صادرات النفط السعودية، كما إن الرياض فطنت مبكراً إلى التقلبات التي يشهدها سوق النفط العالمي، فوضعت ميزانياتها على أساس أن سعر برميل البترول 30 دولار فقط.

وعليه فإن التأثيرات السلبية للأزمة المالية اليونانية على الاقتصاد السعودي تكاد لاتذكر، وسيكون تأثيرها محدوداً، فبالنسبة إلى الاستثمارات المشتركة الموجودة في السعودية، فلن تتأثر كثيراً، حيث إن رأس المال السعودي هو المسيطر، وفي أسوأ الحالات لن توجد هناك مشكلة في التمويل، في حالة تعثر الشريك اليوناني، ففائض رأس المال في السوق السعودي يضمن تخارجاً سهلاً لليونانيين من قبل المستثمرين السعوديين، وبالتالي فإن التداعيات السلبية ستنحصر فقط في الاستثمارات السعودية القليلة في اليونان.

وبالفعل سجلت الاستثمارات السعودية في اليونان خسائر في ظل هذه الأزمة، فشركة جازان للتنمية الزراعية quot;جازادكوquot; واحدة من الشركات السعودية التي اكتوت بنار الأزمة المالية اليونانية، بعدما أعلنت عن نتائج أعمالها لعام 2009، وعن تحقيقها أرباحاً خلال إثنى عشر شهراً بلغت 4.487.458 ريال مقابل 19.837.580 ريال للفترة المماثلة من العام السابق، بنسبة انخفاض ضخمة، إلا أن تساؤلاً يطرح نفسه هنا عن علاقة هذه الأرقام بأزمة اليونان المالية.

وللإجابة عليه نعود إلى منتصف عام 2006 عندما صرح رئيس مجلس إدارة شركة جازان للتنمية خالد بن صالح الشثري بأنه في إطار إستراتيجية الشركة التي تهدف إلى توسيع وتنويع استثماراتها الداخلية والخارجية وبدراسة العديد من الفرص فقد توصلت الشركة إلى شراء 10% من شركة سيلوندا اليونانية بقيمة إجمالية 24.2 مليون ريال، وهي شركة للمنتجات البحرية مقرها أثينا، وهي واحدة من كبريات الشركات الأوربية المتخصصة في مجال إنتاج وتسويق المنتجات البحرية المستزرعة. وبناء عليه اشترت الشركة مليونين و930 ألف سهم بسعر 2 يورو للسهم الواحد. ومع الأزمة، أصبحت القيمة الاسمية للسهم 1 يورو، ولكنه يتداول حالياً عند 0.50 يورو، بمعنى أن خسائر شركة جازان الزراعية يورو ونصف لكل سهم، ووفقاً لهذه الأرقام تصل الخسائر لنحو إلى 16 مليون و800 ألف ريال.

وفي أغسطس/آب من عام 2007 تملكت شركة جازان للتنمية quot;جازادكوquot; (536.100 سهم) التي تمثل نسبة 5% من أسهم شركة إنترفش اليونانية بقيمة 3.418.660 ريال، وهي شركة متخصصة في مجال استزراع الأسماك البحرية بوساطة الأقفاص العائمة وإنتاج الأصبعيات وأعلاف الأسماك وتسويق منتجاتها في اليونان والدول الأوربية الأخرى، وفي ظل الأزمة بلغت خسائر شركة جازان في هذا الاستثمار أكثر من مليوني ريال.

لكن هناك ما يمكن أن تستفيده السعودية من الأزمة اليونانية، وهو ما يتعلق بتجربة دول منطقة اليورو، والاستفادة منها عند تطبيق العملة الخليجية الموحدة، فالوضع الغريب الذي تعيشه اليونان حالياً يعود بشكل أساس إلى عدم ثقة المستثمرين في قدرة دول منطقة اليورو على التعامل مع الأزمة المالية مقارنة بدول أخرى تعتمد عملتها الوطنية كالولايات المتحدة واليابان.

فالعملة الموحدة تفرض قيوداً تحد من قدرة الدول المنطوية تحتها في ما يتعلق بزيادة الإنفاق الحكومي لتحفيز الاقتصاد أو الاقتراض من البنك المركزي أو غير ذلك من إجراءات مالية ونقدية ضرورية لتجاوز هذه الأزمة في الدول الأكثر تضرراً. إلا أن هذه الدول وبحكم عضويتها في منطقة اليورو لا تمتلك مثل هذه الصلاحيات، وهي مقيدة برغبات البنك المركزي الأوروبي وبمعايير الوحدة النقدية الأوروبية الملزمة، لذا فإن دولاً مثل إسبانيا، والبرتغال، وإيرلندا، واليونان وغيرها تعاني انعكاسات الأزمة المالية على اقتصادها، ولكنها غير قادرة على اتخاذ الإجراءات التي تكفل تعافي اقتصاداتها، والدول الأقل تأثراً والأقدر على المساعدة كألمانيا وفرنسا غير مستعدة لتحمل مسؤولية إنقاذ اقتصادات تلك الدول.