قرر مجلس القضاء الأعلى السعودي إنشاء ثلاث محاكم تجارية في الرياض وجدة والدمام ، ليحسم الجدل حول المحاكم المتخصصة التي تستوعب الطبيعة القانونية للعقود التجارية وعمليات البنوك والتأمين والأسهم وأعمال السوق، ما يعزز بالتالي الثقة في تبادل المصالح التجارية في سوق ضخمة مثل السوق السعودي.
الرياض:رحب العديد من المستثمرون ورجال الأعمال السعوديون بقرار مجلس القضاء الأعلى إنشاء ثلاث محاكم تجارية متخصصة لمعالجة القصور الذي تعاني منه الشركات السعودية عند التعاقد فيما بينها ومع الشركات الأجنبية، بما يضمن سرعة الفصل في القضايا التجارية وحفظ الحقوق.
وكان عدم وجود محاكم تجارية متخصصة سببا في مواجهة الشركات السعودية اشتراط الشريك الأجنبي إخضاع العقد لقانون دولة معينة بديلا عن النظام القضائي السعودي بالتوقيع في دول أخرى أو إضافة بند الرجوع إلى القوانين الدولية، بحجة عدم وجود قانون سعودي مكتوب وواضح يستطيع الطرف الخارجي دراسته قبل الدخول في موضوع التعاقد . كما أدى تسارع عجلة التنمية والتطور الاقتصادي في السعودية فضلا عن التحولات والمتغيرات الاقتصادية على المستوى العالمي، إلى تعالى الأصوات في الأوساط التجارية والاقتصادية للمطالبة بخارجية. المحاكم التجارية باعتباره ضرورة ملحة لنظر هذه النوعية من القضايا ولتوحيد إجراءات التقاضي، بدلاً من التنازع القضائي حيث كانت القضايا التجارية تتشتت في مرجعيتها بين عدة جهات، ما بين وزارة التجارة، وديوان المظالم، والمحاكم الشرعية. ومثل انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية عام 2005م حافزا خر لوجود محاكم متخصصة في القضاء التجاري، نظراً لما لهذا القطاع من ارتباط على المستوى العالمي بعقود واتفاقيات مع دول خارجية .
وقبيل إقرار إنشاء المحاكم التجارية كانت المحاكم السعودية في شكلها الحالي تتحمل عبئاً كبيراً في النظر في المنازعات التجارية، دون أن يكون لديها الاستعدادات اللازمة والكافية للفصل في هذه القضايا، على الرغم من أن المنازعات المالية والبنكية تنظر خارج أسوار المحاكم الشرعية من قبل هيئات ولجان متخصصة أصبحت بتعددها وتنوعها وتداخل اختصاصاتها من إشكالات العمل القانوني في السعودية، هذا بجانب تكبد المستثمرين خسائر فادحة بسبب تأخير البت في القضايا والمنازعات التجارية.
ولكل هذه الأسباب طالب الكثيرون منذ زمن بهذا النظام واستجاب بالفعل مجلس الوزراء السعودي في عام 1401هـ بقرار يقضي بإنشاء محاكم تجارية وعمالية ومرورية، لتقوم لجنة في هيئة الخبراء التابعة لمجلس الوزراء بدراسة هذا الموضوع بمشاركة مندوبين من وزارات العدل، والمالية، والتجارة، وديوان المظالم، ورفعت اللجنة توصياتها وصدرت الموافقة الملكية على دراسة الموضوعات ذات الصلة من قبل لجان متخصصة في هيئة الخبراء، ليصدر في النهاية مرسوم ملكي في أكتوبر من عام 2007 بتفعيل نظام المحاكم التجارية وفصلها عن المحاكم العامة، وهو ما ترجمه قرار المجلس الأعلى للقضاء بإنشاء المحاكم التجارية الثلاثة وهو القرار الذي كان محل ترحيب شريحة كبيرة من القانونيين ورجال الأعمال والمستثمرين السعوديين إلا انه يتطلب في رأيهم العديد من الخطوات حتى يحقق النجاح المنشود.
شروط للنجاح
quot; إيلافquot; استطلعت رأي المحامي الدكتور ماجد قاروب الذي أكد أن القرار يجسد أولى الخطوات التنفيذية الحقيقية الجادة لمشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء وديوان المظالم، بعدما التطوير الكبير الذي شهده العام الماضي في المجلس الأعلى للقضاء وإنشاء محاكم الاستئناف والمحاكم العليا وتعيين وترقية القضاة وتخصصيهم في أعمالهم وصدور لوائح خاصة،وغيرها من اللوائح المنظمة والمطورة في ذات الوقت للعمل القضائي .
وأضاف الدكتورماجد قاروب أن الإعلان عن إنشاء محاكم تجارية يمثل أول أنواع المحاكم النوعية المتخصصة وفق مشروع الملك لتطوير القضاء، مؤكدا أن المعلن هو سلخ القضاء التجاري من ديوان المظالم في دوائر تجارية إلى القضاء التجاري، ولكنه استدرك قائلا إنه يجب أن نعلم أن القضاء التجاري ليس فقط الدوائر التجارية الموجودة في ديوان المظالم، ولكنه مرتبط بأكثر من 50 لجنة قضائية نوعية موجودة في مختلف الوزارات ومن أهمها وزارتا التجارة والمالية، وجميع هذه اللجان تشكل منظومة القضاء التجاري.
وتمنى المحامي الدكتورماجد قاروب أن تكون هناك استفادة كبيرة من العاملين بهذه اللجان أسوة بما هو موجود بديوان المظالم وبالتالي أن يكون هناك سلخ لتلك اللجان كما هو الحال بالنسبة للدوائر التجارية، وان يتم الحفاظ على ما استقرت عليه مبادئ تلك اللجان القضائية أو قراراتها على اعتبار أن استقرار العمل القضائي أمر مطلوب وبالتالي لا يكون هناك إحداث تغييرات تخالف ما استقر عليه العمل في تلك اللجان ما لم يكن مشتملا على خطا أو قصور أو نقصان.
وحول ماهو مطلوب لتؤتي هذه المحاكم التجارية ثمارها ذكر الدكتور ماجد قاروب أن العمل في القضاء يتطلب تأهيلا أوليا للعاملين للقضاء للعمل في القضاء وهو ما يتطلب تأهيلا مبدئيا على الأعمال القضائية والإجرائية مثل الإجراءات الشرعية والمحاماة، وكيف تكون قاضيا وناهي متطلبات ذلك، وكيفية إدارة الوقت والجلسات والحوار، ثم تأتي مرحلة أخرى وهي الاستدلال والاستنباطات والقراءة والتحليل الفني بشكل عام لكل أنواع القضايا .. ثم مرحلة الإطلاع والمعرفة بالقوانين والأنظمة التجارية فلابد للقاضي أن يكون ملما بـالقانون التجاري العام أو مبادئه ثم يبدأ في القوانين المتخصصة في الشركات والعلامات التجارية والسجل التجاري مشيرا إلى أنها تتجاوز الـ 75 قانونا تتعلق بالعمل التجاري، ثم تبدأ مرحلة موازية للممارسة وهي مرحلة التطوير والتأهيل التطويري المستمر لمستجدات نلك الأنظمة والقوانين التي تتجدد أفكارها ومبادئها وطرق ممارستها وخفاياها بشكل كبير جدا ومتسارع وهو ما يتطلب استمرار العملية التطويرية والتدريبية والتأهيلية للقضاة.
وطالب الدكتور قاروب بتفعيل كافة الأنظمة وأن يكون هناك تطوير حقيق لمرفق القضاء وممارسة احترافية من جميع الإطراف داعيا إلى ضرورة التزام القضاة بكل الإجراءات القضائية والمرافعات الشرعية ونظام المحاماة الذي ينص على قصر الترافع أمام القضاء على محامي مرخص في وزارة العدل، وبالتالي لا نرغب ولا نريد ولا نتوقع أن نرى معقبين ومحاسبين ومهندسين أو غيرهم يتولون مهام المرافعة والدفاع أمام القضاء التجاري، وإنما يكون الدفاع لمحامين متخصصين مؤهلين لهذا العمل الاحترافي والتطويري، مؤكدا أن المحامي هو مرآة القاضي وكلاهما يعكسان وجه العدالة التي يجب أن تكون في أعلى مستوياتها .
خطوة تأخرت
المستشار القانوني والمحكم التجاري الدولي والباحث البدوي عبد العظيم البدوي يرى أنه منذ تولي العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم وهو حريص على القفز بالسعودية إلى مصاف الدول المتقدمة في مختلف المجالات علميه وتكنولوجيه، مبينا أن تطوير مرفق القضاء كان من بين المجالات التي حرص الملك عبد الله على أن يقفز بها خطوات واتخذ في سبيل ذلك عدد من الخطوات الملحوظة لتثبيت وتدعيم قيم العدالة والانتماء ورعاية حقوق الإنسان القائمة على أسس الشريعة الإسلامية والثقة في القضاء السعودي .
ويضيف المحكم التجاري لـquot;إيلافquot; إنه في إطار دعم الثقة في الاقتصاد السعودي وتسريع عجلة التنمية تم اتخاذ عدد من القرارات لسرعة الفصل في المنازعات التجارية منها ترسيخ مبدأ التخصص القضائي أو المحاكم المتخصصة وإنشاء المحاكم التجارية، تشديد عقوبة إصدار الشيك بدون رصيد حتى لا تفقد تلك الورقة ألهامه قوتها وأهميتها الاقتصادية والائتمانية، وتشجيع لجوء أطراف النزاع للتحكيم والاعتناء به وإعداد جداول للمحكمين والخبراء بوزارة العدل السعودية .
وأوضح المستشار القانوني البدوي عبد العظيم البدوي أن إنشاء المحاكم التجارية سيسهم في توحيد إجراءات رفع الدعاوى ووقفها والتبليغ وقواعد الحضور والغياب وسير الجلسات والمداولة وإصدار الأحكام وإجراءات الاستئناف وشروطه، وتنفيذ الأحكام، مؤكدا أنها خطوة تأخرت كثيرا إذ أن طبيعة العمل التجاري تتطلب السرعة في البت في القضايا المرفوعة لارتباطها بحجم الخسائر التي قد يتكبدها أطراف القضية.
ويختتم المحكم الدولي بالقول إن كل تلك الإجراءات ستساهم أيضا استيفاء متطلبات منظمة التجارة العالمية مما سيكون له اثر بالغ في جذب استثمارات خارجية وتوسيع قاعدة رأس المال الأجنبي ليشمل القطاعات التي تحتاجها السعودية، كما سيؤدي بدء العمل بالمحاكم التجارية المتخصصة إلى العديد من النتائج منها رفع درجة شفافية الأنظمة المعمول بها في السعودية ليتسنى استيعابها وفهمها خاصة من قبل المستثمرين الأجانب، حيث سيدعم إنشاء هذه المحاكم الهيئة العامة للاستثمار في أداء مهامها ودعم جهودها في شرح النظام القضائي للراغبين في الاستثمار داخل السعودية من الأجانب.
بيئة استثمار آمن
أما الإعلامي الاقتصادي عبدالرحمن الأحيدب فيقول إن التطور الكبير في الاقتصاد المحلي وتنوع المعاملات الاقتصادية وتعقيدها وزيادة المنازعات الناشئة عنها، كلها أمور استدعت إيجاد محاكم اقتصادية متخصصة ومرنة في الإجراءات، لافتا إلى المساعي الحثيثة من قبل الهيئة العامة للاستثمار لجعل السعودية ذات مناخ آمن وجاذب للاستثمارات الأجنبية.
وأبان الأحيدب لـquot;إيلافquot; أن هناك حالياً مجموعة منفصلة من لجان الفصل والتسوية في هذا المجال كلجنة تسوية المنازعات المصرفية وأخرى للأوراق المالية وواحدة للمخالفات التأمينية وغيرها والتي من الأفضل جمعها في محكمة اقتصادية واحدة تخدم الاستقرار الاقتصادي وتضمن حقوق المستثمرين على أنواعهم. كما تمنع تضارب الاختصاصات في ما بين بعض اللجان الحالية لتوحدها تحت مظلة واحدة تدعم وجودها القانوني. إضافة إلى تحديد القوانين الاقتصادية وتأهيل مختصين يقومون على فض النزاعات باحترافية عالية.
التعليقات