يتخوّف اللبنانيون من احتمال رفع الضريبة على القيمة المضافة (T.V.A) من 10 إلى 15%. وتثير قلقهم مقررات مؤتمر باريس 3 الاقتصادي الذي عقد سنة 2007، وخلص إلى زيادة الضريبة المضافة إلى 12% سنة 2008، و15% سنة 2010، بهدف تأمين العجز في الموازنة.

فانيسا باسيل من بيروت: كيف ستتمكن الفئات المتوسطة والفقيرة من مواجهة إقرار ازدياد الضريبة.. ولماذا رفعها؟ هل هي الوسيلة الأمثل لتأمين واردات إلى خزينة الدولة وسد أعباء الدين العام؟ صحيح أن زيادة معدل الضريبة ليست ناجمة إلا من تراكم الدين على مدى الأعوام الـ20 الماضية، إلا أن طرح الحكومة برفع الضريبة على القيمة المضافة، لا يطمئن المواطن اللبناني، ولاسيما أن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يتكبّدها تمنعه من قبول فكرة الضرائب الإضافية.

ماذا يحصّل المواطن اللبناني مقابل الضرائب؟.. سؤال يطرحه بهدف إيجاد سبب يحفّزه على تقبّل زيادتها. لكن لا طبابة مجانية، ولا ضمان شيخوخة، ولا رواتب محترمة، ولا طرقات سليمة، ولا كهرباء مؤمّنة، ولا مياه متوافرة، في حين يقال إنه يسجّل على كل مواطن لبناني منذ ولادته دين بقيمة عشرة آلاف دولار، نظراً إلى وصول الدين العام إلى الخمسين مليار دولار أميركي.

أما في الدول الغربية، فلا يحتجّ المواطن على ارتفاع الضرائب رغم كثرتها، لأن الخدمات الاجتماعية مؤّمنة، والحقوق الإنسانية محفوظة. في حين في لبنان، ما من سبب يدفع المواطنين بقبول ارتفاع الضرائب، ولا سيما أن الغلاء مستشر على السلع والمحروقات والاتصالات كافة.

فتوفر الضريبة مدخولاً سنوياً ضخماً للخزينة. لكن المواطنين اللبنانيين يتساءلون quot;أين تذهب هذه الأموال؟quot;. لا شك أن الضريبة على القيمة المضافة هي إحدى الأدوات التي تستخدمها الدولة لتوفير جزء من العائدات. وهي من الضرائب غير المباشرة التي أقرّها مجلس النواب في كانون الأول/ديسمبر 2001، ودخلت حيز التنفيذ منذ شباط/فبراير 2002. إلا أن صرخة المواطن لا تنفك منذ ذلك الحين، من أن تصدح عالياً، علّها تصل إلى آذان المسؤولين.

8 % هي نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر الأدنى، أي بحدود دولارين ونصف الدولار يومياً، وفق ما تظهره دراسة للجامعة الأميركية في بيروت في نيسان/أبريل 2009. هذه النسبة سترتفع إلى 16 %، مع ارتفاع معدل الضريبة على القيمة المضافة. كما أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى (4 دولارات يومياً)، فمن المتوقع أن ترتفع من 28 إلى 47 %. ووفق الدراسة، فإن ارتفاع معدّل الضريبة من 10 إلى 12 % له تأثير محدود على الفقراء، لكن سيكون له تأثير كارثي على الطبقة المتوسطة.

وسيلة خاطئة
يؤكّد أستاذ علم الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الدكتور عساف ساسين لـquot;إيلافquot; هذه الوقائع، إذ يقول إن quot;مفاعيل ارتفاع الضريبة على القيمة المضافة، ولو 2 %، كبيرة جداً. وهي تتخذ مفعول كرة الثلج، وتؤدي إلى أزمة كبيرة، لا سيما في ظل موجة الغلاء الحاليةquot;.

ولكن لماذا الضريبة.. ولماذا رفعها؟، فيرى ساسين أن الدولة محكومة بجني الضرائب، لأنها بحاجة إلى إيرادات إضافية. ويلفت إلى أن الموازنة وصلت إلى 16 ألف مليار دولار. فتلجأ الدولة إلى زيادة الضرائب لتأمين المصاريف. ولكن المشكلة تكمن في نظره في الهدر الكبير في المال. مؤكداً أن quot;مصاريف الدولة مرتفعة جداً. وهي تأخذ من دون مقابل. فلا خدمات صحية واجتماعية، ولا رفع رواتبquot;. ويتساءل عن مصير الأموال، ويسأل quot;أين المشاريع التي تموّل بأموال لبنانيين؟quot;.

وعن تداعيات رفع الضريبة، يوضح ساسين أن ارتفاع الأسعار يؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين، ويؤثرفي الاستهلاك. مشيراً إلى أنّ quot;آلية ضريبة القيمة المضافة تؤدي إلى رفع أسعار السلع والخدمات، بسبب إضافة الضريبة على القيمة الأساسية لسعر السلعة للمستهلك. لكن الأسعار هي مفتاح الاستهلاكquot;.

وتؤثّر ضريبة القيمة المضافة أيضاًفي الناتج المحلي الإجمالي، وبحسب ساسين، فـquot;إن الاستهلاك هو أحد العناصر المهمة في الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاضه يؤدي إلى انخفاض في الناتج المحلي، على اعتبار أن انخفاض الاستهلاك يدفع الشركات إلى خفض الاستثمارquot;.

كما إن رفع الضرائب هي مسألة دقيقة جداً، إذ إن استخدامها بطريقة غير علمية ومدروسة، قد يؤدي إلى كارثة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. واستعمال الضرائب لإحلال التوازن في خدمة الدين العام لا يمثّل دائماً الحل الأفضل. فالخبير الاقتصادي يرى أن هناك وسائل وطرقا أخرى لمجابهة خدمة الدين العام، كتسهيل الذهب والسيطرة على النفقات العامة في الوزارات، ووقف الهدر في المؤسسات العامة، التي تشكّل عبئاً على الخزينة العامة.

إضافة إلى ضرورة حلّ المشكلات الناجمة عن الهدر في الإنفاق الحكومي، يقترح ساسين تطبيق الضريبة التصاعدية على المداخيل المرتفعة، بدلاً من إقرار الضرائب على جميع المواطنين، فقراء كانوا أو أغنياء.