الرياض: أعطت السعودية أولوية للهيمنة على حساب الدبلوماسية في تشكيل الاتحاد النقدي الخليجي، لكنها ستحتاج تطوير علاقاتها مع جيرانها الأصغر في الخليج، إذا أرادت للمشروع أن ينجح.

وتريد أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وصاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي، إنشاء تكتل سياسي واقتصادي خليجي مترابط، يمكنها قيادته، وهو ما من شأنه أيضاً التصدي لنفوذ منافستها إيران في المنطقة. لكنها تخاطر بتنامي الأصوات الساخطة داخل مجلس التعاون الخليجي، المكوّن من ست دول، بإصرارها على أن تهيمن على الاتحاد النقدي، الذي من المزمع أن يتمخض عن عملة خليجية موحدة.

وانسحبت دولتان بالفعل، هما سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة من الاتحاد النقدي. وقال مصطفى علاني من مركز الخليج للأبحاث، ومقره دبي، إن quot;السعوديين سيسيطرون بالطبع على الاتحاد النقدي، وسيتنامى نفوذهم السياسي في نهاية الأمر، مما سيكون له تداعيات جغرافية سياسيةquot;. وأضاف أن ذلك أمر طبيعي في اتحاد يتألف من دولة واحدة كبيرة وخمس دول أصغر.وتابع بقوله إن مشكلة مجلس التعاون الخليجي ومصدر الحساسيات وانعدام الثقة هي الاعتقاد بأن الشقيقة الكبرى تحاول الهيمنة على باقي الدول الأعضاء.

وعيّن محافظ البنك المركزي السعودي محمد الجاسر الأسبوع الماضي رئيساً للمجلس النقدي الخليجي في الرياض، الذي سيكون نواة لبنك مركزي إقليمي، مما يبرز سيطرة المملكة على مشروع العملة الموحدة. وستستمر فترة رئاسته لمدة عام. وتستضيف الرياض بالفعل كيانات خليجية عدة، من بينها الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، وهي هيئة تنفيذية مشابهة للمفوضية الأوروبية.

وأوضح علاني في دبي أن quot;هناك نوعاً من التحالف يتكون بين السعوديين والقطريين. ومن شأن فقد قطر أن يمثل مشكلة كبيرة للاتحاد النقديquot;. وأشار المحلل الكويتي علي النمش، الذي جعلت بلاده من إقناع الإمارات وعمان بالعودة إلى المشروع هدفاً رئيساً، إلى أنه ليس عيباً أن تضطلع السعودية بدور ريادي، لكن الاتحاد ينبغي أن يضم دول المجلس. كافة وأضاف quot;لن تكون هناك عملة خليجية بدون الإمارات وعمان. فالإمارات هي ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في الخليج بعد السعودية، كما إنها نشطة تجارياً في الاستيراد والتصدير ومناطق التجارة الحرة والسياحة الخليجية. وعمان لا تقل أهميةquot;. وتعتبر عمان التي انسحبت من المشروع في 2006 قريبة من إيران، وتسعى إلى حماية هويتها الثقافية من تأثير التيار الوهابي السعودي.

وقال الدخيل إن هيمنة السعودية كانت أمراً طبيعياً، عندما كان جيرانها الأصغر في الخليج، بما في ذلك الإمارات، ينظرون إلى الرياض باعتبارها الشقيقة الكبرى. لكن الإمارات تسعى الآن إلى مزيد من المساواة. ويشير مؤيدو المساعي السعودية للهيمنة على صناعة القرار في مجلس التعاون الخليجي إلى عدد سكانها الكبير وقدرتها كعضو في مجموعة العشرين على حماية مصالح دول الخليج العربية وارتفاع نسبة القوة العاملة الوطنية في نظامها المالي.

وتساءل محمد الجديد الخبير الاقتصادي السعودي quot;هل استطاعت الإمارات تجاوز تداعيات الأزمة العالمية بصورة أفضل من السعودية؟quot;. أما جواد العناني، وهو خبير اقتصادي تولى مناصب وزارية في الأردن، فرأى أن طول غياب الإمارات عن الاتحاد النقدي من شأنه أن ينال من نفوذ السعودية في المنطقة. وأكد العناني أن quot;غياب الإمارات سيحد من مكاسب السعودية كقائد لهذا المشروع، كما سيكشف أن ما حققه مجلس التعاون الخليجي على مدى 30 عاماً مازال ضئيلاً، باستثناء الاتحاد الجمركيquot;.

وسيعمل المجلس النقدي بالأساس على وضع الإطار التنظيمي لبنك مركزي خليجي، وسيسعى إلى رفع مستوى التنسيق في سياسات النقد والصرف الأجنبي، تمهيداً لإطلاق العملة الموحدة. لكن أي تعزيز للاتحاد النقدي الخليجي من شأنه أيضاً أن يدعم الترابط السياسي في التكتل. وقد يكون ذلك في مصلحة الدول الخليجية في مواجهة إيران. وأبدت السعودية بالفعل قلقها من نفوذ إيران في كل من العراق ولبنان.

وذكر خالد الدخيل، وهو كاتب سياسي سعودي بارز، أن quot;مجلس التعاون الخليجي لا يتمتع دائماً بمستوى عال من التنسيق، عندما يتعلق الأمر بسياسته الخارجية. فوجود توافق في الآراء بين دول المجلس سيساعد على الحد من نفوذ إيران في المنطقةquot;. وأضاف quot;رأينا قدراً من التوافق في الآراء بين دول المجلس بشأن النزاع الإماراتي الإيراني على جزر أبو موسى، وبشأن طموحات إيران النوويةquot;، مشيراً إلى نزاع حدودي طويل الأمد على الجزر الواقعة في الخليج.

وأدت منافسات سياسية قديمة إلى تأجيل إطلاق الاتحاد النقدي الخليجي، الذي يهدف لمحاكاة نموذج منطقة اليورو. وانسحبت الإمارات، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد خليجي، من المشروع، بعدما وقع اختيار الزعماء على الرياض مقراً للبنك المركزي المزمع، ووجهت بذلك ضربة قوية لخطة تعاني منذ عام 2001. ومازالت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية والإمارات متوترة منذ ذلك الحين. والدول التي تعتزم المضي قدماً في المشروع هي البحرين والكويت وقطر والسعودية.

وفي العام الماضي، تخلّى مجلس التعاون الخليجي عن موعد نهائي لإصدار العملة الموحدة في 2010. وقال المجلس النقدي إن تحديد موعد جديد لإطلاق العملة الموحدة ليس أولوية. وذكر دبلوماسي غربي مقيم في الرياض أن quot;السعودية تقول لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى إنهم إذا أرادوا لهذا الكيان الاقتصادي الخليجي أن يرى النور، فيتعين أن يكون مركز ثقله هنا في الرياض، ليس في دبي أو أبوظبي. فالسعوديون يريدون التحكم في إيقاع التغييرquot;. وهذه الهيمنة ستزيد الضغوط على الرياض لإنجاح المشروع، ومنع انشقاق أي دولة أخرى. ويقول محللون إن تحسن العلاقات بين الدوحة والرياض في الفترة الأخيرة ساعد على إبقاء قطر في المشروع.