تحت شعار quot;تطهير مناخ التجارة الخارجيةquot;، بدأت الجهات المختصة في الجزائر حملة جديدة للنيل ممن تسميهم السلطات quot;المورّدين المزيفينquot; وما انجرّ عن ممارستهم للغش والتحويل المشبوه للأموال إلى ما يربو عن الملياري دولار، في بلد يعدّ الثالث عالمياً من حيث استقطابه السلع المقلّدة.

الجزائر: أكّد مسؤولون في المديرية العامة للجمارك الجزائرية، وهي أعلى هيئة رقابية في البلاد، أنّه جرى الشروع أخيراً في إعادة تنظيم مصالحها المعنية بمكافحة الغش، في إطار تطهير التجارة الخارجية، واستناداً إلى معلومات موثقة توافرت لـquot;إيلافquot;، فإنّ عملية إعادة التنظيم هذه تأتي تطبيقاً لمخطط مستحدث، يراهن على تعزيز أدوار الاستعلامات والمراقبة لمواجهة العمليات ذات المخاطر على غرار تبييض الأموال، ورفع قيم المنتجات المستوردة والتحويل غير الشرعي لرؤوس الأموال، فضلاً عن تزوير العلامات التجارية، وهي محاذير تنامت، في ظل تفشي ما يُعرف بـquot;إيجار السجلات التجارية بأسماء مستعارة واستيراد منتجات مقلدة.

ويشير مجبر بوعانم، المدير المركزي للاستعلامات لدى المديرية العامة للجمارك، إلى أنّ الإجراءات صارت سارية المفعول، ملاحظاً أنّه في مقابل تشديد الخناق على الموردين المزيفين، سيستفيد عموم المتعاملين الاقتصاديين الناشطين فعلياً في فضاء الإنتاج، من تسهيلات على مستوى سائر الموانئ والمطارات، موضحاً أنّه لا ينبغي أن يكون للمستفيدين من هذا الإجراء أي سوابق جبائية أو مصرفية، وسيتم تدوين أسماء هؤلاء المتعاملين في بطاقية خاصة تسهّل التجارة الشرعية.

ويسجل بوعانم أنّ إدارة الجمارك اتخذت السنة الحالية عنواناً كبيراً لمحاربة الغش، وللحيلولة دون تفاقم التحويل الكبير غير القانوني للعملة الصعبة، تمّ وضع ترتيبات لمحاربة هذه المخالفة في الصرف على خلفية انحرافات تمخض عنها رفع قيمة منتجات مستوردة من بعض البلدان العربية.

من جهته، حذّر الراغ بن عمر، المدير المركزي المكلف بالرقابة البعدية، من أنّ ظاهرة quot;الموردين المزيفينquot; كشفت عن ممارسات خاطئة لمؤسسات أجنبية، وكذا مؤسسات خاضعة للقانون الجزائري، ويوضح بن عمر أنّ المتعاملين المزورين يضمون كذلك المستثمرين المزيفين، الذين يستفيدون من امتيازات جبائية، في إطار وكالة تطوير الاستثمارات، ويقومون برفع قيمة التجهيزات التي يستوردونها، والتي ليست لها قيمة تجارية.

من جانبه، يشرح الخبير أنيس نواري أنّ رفع قيمة المنتجات يبرز في quot;تضخيمquot; فواتير استيراد البضائع بالتواطؤ مع المموّنين في غالب الأحيان، ليتسنى لهؤلاء تحويل الفارق بين الأسعار المصرح بها والأسعار الحقيقية بالعملة الصعبة للسلع المستوردة من خارج الجزائر.

وكشفت دوائر الرقابة أنّ العامين الأخيرين شهدا عمليات تحويل عملات صعبة بقيمة 15 مليار دينار (حوالي 210 مليون دولار)، وهي تخص أساساً مواد التجهيز المستوردة، وهو مجال حساس، لكونه يمثل وحده أكثر من ثلث القيمة الإجمالية للواردات الجزائرية، علماً أنّ واردات الجزائر خلال العام الأخير بلغت في حدود 40 مليار دولار من البضائع، تمثل 34 % منها مواد التجهيز، التي فاقت فاتورتها 13 مليار دولار.

بدوره، يحيل مجبر بوعانم إلى أنّه غالباً ما ترتكب هذه المخالفات في الصرف في حالات الإعفاء من الرسوم الضريبية وما يُصطلح عليه بـquot;التفكيك التعريفيquot;، بحيث من شأن إلغاء أو خفض الرسوم تشجيع المهرّبين على رفع قيمة منتجاتهم في حالة نظام تعريفي عادي، أو تخفيض قيمة المنتوج للتهرب من الأعباء الجمركية الإضافية.

وخلصت الجمارك الجزائرية في تتبعها لما حصل في أعقاب انضمام الجزائر إلى المنطقة العربية للتبادل الحر في يناير/كانون الثاني 2009، إلى ارتفاع في قيمة البضائع وانخفاض محسوس في كثير من التصريحات بالأسعار، وهو وضع كبّد الخزانة العامة خسائر ضخمة مست احتياطات الصرف الرسمية. ويشدد quot;الراغ بن عمرquot; المدير المركزي المكلف بالرقابة اللاحقة على مستوى المديرية العامة للجمارك، على أنّه غالباً ما ترتكب هذه المخالفات من قبل متعاملين كانوا يستوردون بضائعهم من الصين، ليبتعدوا عن تلك الوجهة غداة انضمام الجزائر إلى المنطقة العربية للتبادل الحر، بهدف الاستفادة من الإعفاءات من الرسوم لتحويل العملة الصعبة نحو الخارج بشكل غير قانوني.

في هذا الشأن، تراود مصالح الجمارك شكوك مفادها أنّ عديد المنتجات التي يستوردها هؤلاء المتعاملون، ليست من منشأ عربي وإنما صيني، ما يشكل غشاً مزدوجاً، تزوير شهادة المنشأ وتحويل غير قانوني للعملات الصعبة. وتأكدت حالات التحويل غير القانوني للعملة الصعبة بناء على إجراءات عملية ملموسة، وهو ما ظهر جلياً في حالة مؤسسة جزائرية تنشط في مجال استيراد المنتجات الغذائية الصناعية، إذ كانت المؤسسة المعنية تصرّح أنّ سعر علبة السردين (110 غرام) يقدر بـ0.6 يورو (5.58 دينار) قبل دخول الجزائر إلى المنطقة العربية للتبادل الحر.

بيد أنّ السعر عينه تضاعف لاحقاً بفارق 22 ديناراً للعلبة، وهو ما يحتم توخي الأجهزة المختصة باليقظة أكثر لتفادي ثغرات مشابهة، حتى وإن كانت التحقيقات التي تفتح، تعتمد على افتراضات يتطلب التأكد منها مساعدة دولية متبادلة، وإن كانت تبقى نسبية، لكون بعض الدول لا ترد أو يتأخر ردها على الطلبات الجزائرية. وخارج المتابعات القضائية، يلزم المشرع الجزائري المزورين في حال تأكيد جنحهم، بإلزامية دفع فارق القيمة المضافة وغرامة مالية تعادل ضعف مقابل قيمة البضاعة بالنسبة إلى الأشخاص الماديين، وأربعة أضعاف بالنسبة إلى الأشخاص المعنويين.