بدأت قطر منذ أشهر هجمة إستثمارية مكثفة، مسرحها قلب العاصمة البريطانية لندن، فبعد صفقة بيع متاجر quot;هارودزquot;، يرتقب أن يكون للدوحة صفقات أخرى وشيكة، وسط تندر عرب لندن الذين صاروا يسمون الأخيرة بـquot;لندوحةquot;.
الكويت: تركّزت أضواء الصحافة العالمية في الأيام الأخيرة صوب العاصمة القطرية الدوحة، ورغم أن الكاميرات أدمنت الحراك القطري في السنوات الأخيرة، إلا أن التركيز الإعلامي الأخير لم يأت لتسليط الضوء على جمع نقيضين في السياسة، وتوقيعهما إتفاقاً من بعد دماء كثيرة، بل جاء لتسليط الضوء على الحراك الإستثماري، الذي دشّنته الدوحة في ما وراء البحار، في هجمة إستثمارية ذات طابع رسمي في قلب العاصمة البريطانية لندن، وبمساع مدروسة بعناية لتملك أصول لندنية مهمة، مستغلة وفرة السيولة الناجمة من بيع (الكاش) للغاز الطبيعي.
فبعد صفقة تملك المتاجر البريطانية الشهيرة quot;هارودزquot; لمالكها ذي الأصول العربية أساساً رجل الأعمال المصري محمد الفايد، الذي باع أمبراطوريته بأكثر من ملياري دولار أميركي، بعد مفاوضات شاقة، لمصلحة هيئة الإستثمارات القطرية المملوكة للحكومة القطرية، التي تعد صندوقَ قطر السيادي، علماً أن هذه الهيئة تتبع مباشرة رئيس الوزراء القطري- وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الذي ظهر ببدلته الأنيقة نهاية الأسبوع الماضي، ليعلن أن الصفقة ستعزز السياحة في العاصمة البريطانية.
ومن شأن الإتفاق quot;الجنلتمانquot;، كما تسميه أوساط العاصمة القطرية وكواليسها، أن يحافظ على الطابع الخاص بـquot;هارودزquot;، وكذلك وضع العاملين فيه وحقوقهم، والمحافظة على الاسم التجاري ذائع الصيت منذ عقود في قلب العاصمة البريطانية، الذي حقق الملياردير المصري من ورائه ثروته الشخصية خلال السنوات الأخيرة، لكن اللافت أن الفايد كان قد رفض منذ العام 1998 عروضاً، صنّفت بأنها مغرية جداً لبيع متجره، خصوصاً بعد ضعف إهتمام الفايد بمتجره، بسبب حزنه الشديد على مصرع نجله الوحيد عماد، خلال حادث سير في العاصمة الفرنسية، إذ كانت برفقته (وتوفيت معه أيضاً) أميرة ويلز السابقة الأميرة ديانا، طليقة ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز.
وتخطط الدوحة بعد تملك quot;هارودزquot; لشراء حصة أكبر من أسهم بنك quot;باركليزquot;، الذي تملك فيه أساساً نحو 8% من أسهمه، عوضاً من ضخّها أكثر من مليار جنيه إسترليني في الأسابيع الأولى من أزمة المال العالمية عام 2008، إذ لا تزال المفاوضات جارية مع إدارة البنك لتملك أسهم إضافية، خصوصاً أنها تتحرك ضمن هذا السياق مع مصارف لندنية أخرى، وهي مفاوضات شاقة، بيد أنها تجري بسرية وكتمان شديدين، لكن هناك من يجير نهاية سعيدة للقطريين بإستملاكات إضافية في بريطانيا.
وفي الإستثمارات القطرية في بريطانيا، فقد تملكت شركة قطر القابضة، وهي الذراع الاستثماري للصندوق السيادي القطري ـ هيئة الاستثمار القطرية ـ 26 % من أسهم سلسلة محال quot;سينزبريquot;، وكانت تتفاوض على شراء البقية. كما تملك هيئة الاستثمار القطرية 20 % في شركة التطوير العقاري quot;تشيلسفيلدquot;، التي تعمل على تحويل quot;شيبردز بوش بافيليونquot; إلى فندق فخم، كما تطور مبنى معهد الكومنولث السابق في كنزنغتون هاي ستريت.
وتقدمت شركة استثمار قطرية، مدعومة حكومياً، لشراء شركة المياه البريطانية quot;تايمز ووترquot; العام الماضي، في صفقة قيمتها 8 مليارات جنيه، ولم تتم الصفقة. ووفقاً لـquot;فقهاءquot; البزنس القطري، فإن عدم إتمام الصفقات لا يعني بأي حال، وقف المفاوضات بشأنها.
كما تملك قطر القابضة شركة quot;سونغبيرد أستيتسquot;، التي تملك مبنى quot;ون كندا ستريتquot; في كاناري وورف، حي الأعمال الجديد المطور حديثاً، قرب حي سيتي أوف لندن. وفي السابق، منذ العام 2005، كانت قطر قد إستثمرت عائدات هائلة من بيع الغاز في إستثمارات في بريطانيا. وفي عام 2006، اشترت هيئة الاستثمار القطرية أكبر سلسلة من بيوت الرعاية الصحية البريطانية، هي quot;فورسيزونز هيلث كيرquot; بمبلغ 1.4 مليار جنيه إسترليني.
ويملك القطريون 80 % من مشروع برج quot;شارد أوف غلاسquot; قرب جسر لندن بريدج، الذي سيفتتح عام 2012، ليكون أطول مبنى في أوروبا. إذ استثمرت قطر القابضة فيه 2 مليار جنيه إسترليني مطلع عام 2008.
وبنهاية العام الماضي، اشترت شركة ديار، الجناح العقاري لهيئة الاستثمار القطرية، مبنى السفارة الأميركية في جروزفنر سكوير في قلب لندن. وكان قيمة المبنى قدرت بنصف مليار جنيه إسترليني قبل عامين. واشترى القطريون ثكنات تشلسي، ليس بعيداً من quot;هارودزquot;، من وزارة الدفاع البريطانية، قبل ثلاث سنوات تقريباً.
وحتى الآن، فإن أعين القطريين لا تزال زائغة على إستثمارات بريطانيا الجميلة، مستفيدة من الركود المتنامي في المملكة المتحدة، تأثراً بأزمة المال العالمية، إذ أدى تراجع قيمة الأصول البريطانية، إلى جعلها مغرية بنظر أطراف دولية عدة، فمع القطريين تتنافس صناديق سيادية إستثمارية عربية وأجنبية لتملكها، أو شراء حصص فيها.
والمفارقة الطريفة المسجلة هنا، هي أن النخب العربية، التي تذهب بصفة مستمرة إلى لندن، في مقاصد عديدة ومتنوعة، قد باتوا يتهامسون في تعليقاتهم على ضراوة الإستثمار القطري، وبأن القطريين قد ينجحون في تحويل إسم العاصمة البريطانية، إلى quot;لندوحةquot;، وهو اسم مصاغ ومشتق من اسمي الدوحة ولندن.
التعليقات