يربط الباحث quot;جلال يحيىquot; في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، ما يحدث على مستوى أسواق المال العالمية بتفاعلات الأزمة المالية العالمية التي تتمظهر بحسبه في بعض الأوجه كأزمة بنيوية، مهما تضخّم العامل الذاتي فيها، من خلال دور أسواق المال والاحتكارات القابضة على أسواق البورصة والأسهم والمضاربات.

كامل الشيرازي من الجزائر: يشير الباحث جلال يحيى إلى كون من ينعتهم بـquot;الرأسماليين الجددquot; راهنوا على أن مبدأ الحرية المنفلت من ضوابط تدخّل الدول، أو أي جهات أخرى في حركة الرأسمال وصيغه وميادينه واستثماراته وأرباحه وطرقه، هو وجه جديد من أوجه تطوّر النظام الذي كان يواجه بكل الميادين النظام الاشتراكي، وبهدف تحطيمه وإبراز التفوّق عليه، نشأت كتل احتكارية جديدة تتحكّم بجزء كبير من رؤوس الأموال ومجالاتها، ثم جرى الانتقال المبرمج إلى ميدان يبدو سوريالياً تماماً من خلال مبادلة الأموال بالأموال، وبروز دور البورصات، وميدان العقار وما حدث فيه من مضاربات وتلاعبات، ومن فوضى القروض، والغشّ فيها وفي أرقامها وفوائدها وصوريتها، إلى أن حلّت الأزمة ـ الفضيحة الكبرى في الانهيار والإفلاس.

ويحيل يحيى على أنّ الأزمة تفعل فعلها، وأول مظاهرها الكساد، وقلة الطلب وازدياد العرض، مما يعني انخفاضًا متتاليًا في الأسعار يمكن أن يصل حد الكارثة لبعضها، ولعدد من الاقتصاديات الضعيفة، وهو ما يتجلّى في انخفاض عدد من السلع الرئيسة، وفي انهيار اقتصاديات بعض الدول التي لا تملك مرونة وتعددًا في مواردها وسلعها.

ويقحم محدثنا عاملين مهمين، وهما الإنفاق العسكري الهائل، والخسائر الكبرى التي انجرّت على مغامرات quot;المحافظين الجددquot;، بقيادة بوش الابن في أفغانستان والعراق(الأرقام كبيرة)، وثانيهما دور اللوبيات، أو الاحتكارات في التلاعب بالمضاربات، وكأنّ جزءًا من الأزمة مفتعل، وغير حقيقي، ومقصود أيضًا، ومثله حركة الدولار، وسعره في أسواق الصرف، وهو ما يتوضّح في ميادين مختلفة.
ويلفت يحيى إلى أنّ هناك من يشجّع انخفاض اليورو بعد انهيار الاقتصاد اليوناني، وبروز عديد مظاهر الأزمة في عدد من الدول الأوربية، ومستوى التبادل، ونسبة الكساد، لأن ذلك يساعد ndash; بمنظاره - على رواج السلع الأوربية بعد أن ينخفض ثمنها في الأسواق العالمية، وهو ما يُقال عن سرّ خفض الدولار الذي ساعد في نمو حركة مبيعات المواد التي تتعامل به، خصوصًا السلع الأميركية.

وبشأن الانعكاسات المحتملة على الجزائر، يسجل يحيى أنّ الاقتصاد الجزائري، لجهة الصادرات، يعتمد بشكل كاسح على المحروقات (النفط والغاز) بما يتجاوز نسبة 97% ، إلى درجة أن نسبة الصادرات في عموم المواد(غير المحروقات) تراجعت عن الأعوام السابقة بنسبة نصف بالمائة، وهي لا تتعدى اثنين ونصف في المئة.

ومن جهة أخرى، عرفت الجزائر تراجعًا كبيرًافي إنتاجها الوطني في عموم الميادين بعد عمليات الخصخصة، وتدهور وبيع مؤسسات القطاع العام، وعدم إقامة مشاريع إنتاجية مهمة، حيث يتجه الرأسمال (الأثرياء الجدد ومعهم المستثمرون العرب والأجانب) إلى قطاعات العقار والخدمات وبعض المنشآت التحويلية المعتمدة على المادة نصف المصنعة المستوردة.

وهو ما يعني وفق تقدير يحيى أنّ الجزائر تعتمد على الواردات بشكل رئيس، وفي ميادين حيوية لا تحقق فيها كفاية ذاتية، ويعني أيضًا أنها يُفترض أن تكون مستفيدة من انخفاض أسعار المواد المستوردة في السوق العالمية، رغم أنّ الواقع المحلي المُعاش يدحض الأرقام العالمية، فأثمان السلع التي انخفضت عالميًا لم تعرف انخفاضًا منسجمًا معها إلا بشكل طفيف، كالسكر والقهوة والحليب ومشتقاته، والزيوت، وغيرها... وهو يكشف بجلاء طبيعة التجارة الخارجية، وطبيعة القائمين عليها.

ويسوّغ يحيى وجهة نظره بكون التجارة الخارجية الجزائرية تخضع لمجموعة من المستوردين الذين يحتكرون استيراد معظم السلع الخارجية، وهم من يتحكّم بالأسعار، ومن يقوم بالمضاربة فيها عبر عدد من الحلقات التي تعبرها (الوسطاء) حتى تصل إلى المستهلك بأسعار مرتفعة على العموم، ولا تتناسب وأسعارها العالمية، أو أسعارها في أسواق الدول المجاورة .
وطالما أن السوق الجزائرية مستهلك هام، ويزداد إقبالاً على المزيد من السلع الضرورية وغيرها، فإن محتكري التجارة الخارجية(وحتى الداخلية) يتحكمون بحركة الأسعار وفق ما يرونه محققًا لأعلى نسبة أرباح، ودونما حاجة لأن يخضعوا(آليًا) لحركة العرض والطلب التي تعرفها السوق العالمية، الأمر الذي يطرح عديد الأسئلة حول وجوب تدخّل الدولة وأجهزتها الرقابية للحدّ من المضاربة والاحتكار، وتحقيق نوع من الانسجام والعدل بين حركة الأسعار في الداخل والخارج تعود بالفائدة على القطاع الأوسع من الشعب أصحاب المداخيل المحدودة والضعيفة.