نهى أحمد من سان خوسيه: خلال 11 عاماً من حكم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز فرّ من البلاد عشرات الآلاف من المهنيين والمتخرجين الشباب إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا وبعض بلدان أميركا اللاتينية مثل باناما وكوستاريكا، وذلك هرباً من الوضع الاقتصادي المتدهور، الذي زاد تدهوراً في السنوات الماضية.

إذ عليهم أما القبول برواتب قليلة وقبول أقل مراكز لدخول سوق العمل أو السعي إلى إيجاد طريق للخروج بوسائل قانونية أو غير قانونية مع عوائلهم وأطفالهم، ونسبة كبيرة من المهاجرين لا تتجاوز الثلاثين من العمر، وهذا يعني الشباب الذي يصنع مستقبل البلد، ولأن الهجرة بالنسبة إلى فنزويلا جديدة فإن ذلك يفسر عدم وجود أرقام رسمية بشأن هذه المسألة.

وكانت فنزويلا في القرن الماضي قد جذبت مواطنين من بلدان تعاني مشاكل اقتصادية، مثل الأسبان والإيطاليين والبرتغاليين، انتقلوا في خمسينات القرن الماضي إلى بلد مزدهر منتج للنفط لتحسين نوعية حياتهم. وفي الستينات، انضم إليهم أصحاب اليد العاملة غير الماهرة في كولومبيا والأكوادور والبيرو والمضطهدون سياسياً خلال الديكتاتوريات العسكرية في الجزء الجنوبي من أميركا، من بينهم الذين نزحوا بسبب العنف من كولومبيا، والمتمردون الماركسيون، وتجار المخدرات، بعبورهم الحدود.

إلا أن الوضع تغيير تماماً، فاشتعلت الشائعات والتكهنات حول مستقبل سيئة خاصة للشباب الفنزويلي، رافق ذلك استمرار تدهور نوعية حياتهم، مع ارتفاع معدلات التضخم، ونقص الأغذية الأساسية، مثل الحليب والسكر.

وفي حديث له مع quot;إيلافquot; قال عالم النفس الاجتماعي يونسيو باريوس الذي فضّل الهجرة إلى كوستاريكا على البقاء في بلاده لعدم وجود أفق مستقبلي أمامه لأن ما يتقاضاه لا يكفي لسد احتاجياته عائلته وطفليه. وقال إن فنزويلا على وجه الخصوص quot;أوبرا كبيرةquot; فيها الكثيرة من رغوة الصابون التي تحجب الحقيقة، ولنرى ماذا سيحدث غداً، ولا يتوقع انفراجاً للأزمة المالية والاقتصادية، التي يعانيها أكثر من نصف الشباب الفنزويلي، الذي يطمح إلى بناء مستقبل مستقر.

نزوح بسبب عدم اليقين
أولغا خوسيه مانويل (35 سنة) كانت تعمل في فرع التسويق في شركة شلمبرجير للخدمات النفطية، وهربت إلى كوستاريكا، فقالت لقد هربت مع عائلتي رغم خطورة طرق الفرار، والقلق الرئيس هو انعدام الأمن والمراقبة في أي وقت وفي أي مكان، لكن المشكلة الأكبر أن حملة التأميمات التي تقوم بها الحكومة نتائجها سيئة جداً، فالعاملون في الشركات التى تأممها الحكومة يصبحون خاضعين لنظام لا يسمح بالمنافسة، ما يقلل من شأن القدرات الكبيرة لديهم، عدا عن ذلك، فالأجور لا تزيد رغم الغلاء لبعض السلع الأساسية وصعوبة الحصول عليها، إلا في السوق السوداء، التي انتشرت في السنوات الأخيرة بشكل كبير.

ولا تريد أولغا البقاء في بلادها للقتال من أجل عقائد الرئيس تشافيز، لأنها تريد مستقبلاً مضموناً لولدها وزوجها. والمشكلة الصعبة التي يواجهها النظام أن فنزويلا بلد يستورد 70 % من استهلاكه من الدول المجاورة له، ويعاني المواطن فيه كثرة الضوابط على أسعار الصرف منذ سبع سنوات، والرقابة على الأسعار تفشل في كبح جماح التضخم.

إضافة إلى ذلك، فقد تأزمت الامور في أكبر دولة مصدرة للنفط في أميركا الجنوبية أشهراً عدة، مما أدى إلى أزمة طاقة حادة، كما أقدم رجال الأعمال على تقنين الاستثمارات وتقييدها.

لكن هناك نوعاً آخر من الذين يهاجرون لأسباب غير اقتصادية أو سياسية، أو يتركون وظائفهم لتدني الراتب، والمقصود هنا الأشخاص الذين يملكون رأسمالاً يفرون به لبدء حياتهم في الخارج. والسبب في ذلك حسب تقدير ماركوس باريوس، وهو أستاذ في جامعة فنزويلا المركزية، الخوف من التوقعات بزيادة تفاقم الازمة الاقتصادية أو الوقوع ضحية جرائم العنف. وهناك بعض الناس الذين يخافون من العملية السياسية، التي تجري في البلد، وهذا الخوف سوف ينتج منه عدم الثقة.

وهذه الفئة تخشى بشكل خاص سياسة التأميم وتأميم قطاعات كبيرة من الاقتصاد التي باشر بها الرئيس تشافيز، الذي يبرر عمله بأنه يريد قيادة البلاد نحو الاشتراكية لمصلحة الفقراء، ويحارب المستوردين وأصحاب المشاريع التجارية الكبيرة، ويتهمهم بإخفاء الغذاء لرفع الأسعار.

والتباطؤ الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم في القارة ليس هو الذي يخيف المواطنين، بل انعدام الأمن، وهذا ما أظهرته استطلاعات الرأي، فهي المشكلة الأخطر في هذه الدولة الأميركية الجنوبية.

وحسب قول باريوس، فإن انعدام الأمن في فنزويلا أسوأ منه في كولومبيا أو المكسيك، وهذا يلحق الضرر بشكل خاص بالطبقات الفقيرة، التي تعاني الجريمة والهجرة. لذا يمكن القول إن البلد يمر في حالة من الفوضى، لذا ينتظر من الطبقة المتوسطى القيام بالمبادرة، لأنها الخاسر الأكبر اقتصادياً، فهي تملك المصانع المتوسطة والصغيرة التي تحرك عجلة الاقتصاد.