يعتبر الشباب والشابات في أوروبا، الضحايا المفضلين واللقمة الطيبة لشبح البطالة الذي تحول، في زمن أزمة مالية لا نهاية لها، إلى مرض اجتماعي، ينذر بتفاقم ظاهرة الأفعال الجرمية في صفوف الطبقات الشبابية.

طلال سلامة من برن (سويسرا): لو كانت نسبة البطالة في أوروبا ترسو رسمياً على 10 %، فإنها تتضاعف بصورة غير رسمية، أضعافاً مضاعفة، في صفوف الشباب الذين يتحركون بشتى الطرق لإيجاد شيء ما خارج أوروبا، في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً أو سويسرا أو أستراليا وغيرها.

وبما أن الشباب هم آخر الوافدين إلى عالم العمل فإنهم سيكونون آخر من يحصل على وظيفة، وأول من سيتم تسريحهم من دون سبب واضح، خصوصاً في أوروبا الجنوبية. إذ إن عقود عملهم محدودة زمنياً، ولا ضمانات لها. ما يجعل التخلص منهم أسهل من رمي كيس النفايات في القمامة.

وتتفادى الشركات الأوروبية التوظيف، وأول من يدفع ثمن هذا الجفاف، في عروض العمل هم المتخرجون، من المدارس والجامعات. ما يجعل ذاكرتنا تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، حين عجز جيل شبابي أوروبي بكامله عن ترسيخ أقدامه داخل مجالات العمل. اليوم، يتمسك أرباب العمل بشعار عدم توظيف من لا خبرة له في العمل. إنما كيف يستطيع الشاب الحالم تكوين الخبرة الضرورية في حال كانت كل الأبواب مغلقة أمام عيونه، لأن أرباب العمل اختاروا الاستثمار في المضاربات الدموية التي تشهدها البورصات يومياً.

في سياق متصل، تشير quot;ايميلي تورونينquot;، النائبة الدانمركية في الاتحاد الأوروبي، لصحيفة ايلاف الى أن عقود التدريب على العمل quot;ستاجquot; (Stage) أضحت البديل لعقود العمل الثابتة بأوروبا. ما يفرض على الجيل الشبابي معاشات متدنية مع غياب جميع الضمانات الاجتماعية. وفي موازاة تراجع الوظائف هاهي دول أوروبية، كما فرنسا وألمانيا، تتبنى عقود العمل التدريبية وكأن الأخيرة باتت البديل الوحيد لعقود العمل المعيارية. بالطبع، لا يقتصر الأمر على استبدال المئات من عقود العمل الحقيقية بأخرى quot;تدريبيةquot; انما نحن، في الحقيقة، أمام استبدال ملايين الوظائف الحقيقية بأخرى هشة، قد تتلاشى في أي لحظة وفق مزاج أرباب العمل!

علاوة على ذلك، تشير النائبة تورونين إلى أنها، سوية مع زملائها في البرلمان الأوروبي، تتحرك لتقديم مسودة قانون خاص بإصدار بطاقة أوروبية متعلقة بنوعية الستاج الذي ينبغي ممارسته حصراً في الجامعة أو معهد التكوين، قبل الانتهاء من الدراسة، شرط ألا يتخطى ستة شهور وألا يستبدل العمل الحقيقي والمضمون.

في ما يتعلق بكمية ونوعية الاستثمارات التي تقودها الدول الأوروبية راهناً، لتوطيد بنى السياسات الاجتماعية والعملية الخاصة بالشباب والشابات، تنوه النائبة تورونين بأنها غائبة بالكامل. أما الخطة الألمانية، التي جرٌت ورءها جميع الحكومات الأوروبية والتي ترمي الى تقليص الديون السيادية، فإان مصيرها الانفجار، مسببة بالتالي تضاعف الديون السيادية على هذه الحكومات. ما سيجعل أوروبا تدخل ثانية مرحلة الكساد الاقتصادي، ناهيك من تفاقم ظاهرة البطالة الأوروبية، إلى حد أبعد، وخنق ما نجحت أوروبا في تحقيقه، للآن، من انتعاش اقتصادي متواضع.