سألت quot;إيلافquot; خبراء ومسؤولين جزائريّين عن وضع سوق القمح في بلادهم تزامنًا مع ارتفاع الأسعار واضطراب حركة التّصدير دوليًّا، فبدا واضحا الانقسام بين الفريقين، إذ بينما يشدّد مسؤولون على أنّ الجزائر محصّنة ضدّ أيّ تقلبات محتملة بحكم إنتاجها 12.2 مليون طنّ من الحبوب خلال سنتين، يشكّك خبراء آخرون في ذلك.

الجزائر: يستبعد نور الدين كحّال، المدير العام للديوان الجزائري للحبوب، أيّ تأثير لطوارئ سوق القمح العالميّة على بلاده، ويستند محدّثنا إلى تمكّن الجزائر من تحقيق اكتفائها الذاتي ليس من القمح بنوعيه فحسب، بل أيضًا من الشعير، وهو ما يغطّي حاجيّات السوق المحليّة لأعوام مقبلة. ويستدلّ كحّال بكون الجزائر حافظت على معدّل مرتفع من الإنتاج خلال السنة الأخيرة تمامًا مثل السنة الحالية، بواقع 6.1 ملايين طنّ في كلّ موسم، وهو حجم لا يعفي الحكومة من اللجوء إلى الاستيراد فحسب بل يسمح لها بالتصدير أيضًا، ما يجعلها في منأى عن أي مفاجآت سيئة، على حدّ تعبيره. على المنوال ذاته، بدوره، يجزم رشيد بن عيسى، وزير الزراعة والتنمية الريفيّة، أن لا خوف على بلاده، احتكامًا لإنتاجها النوعي والضخم من القمح، وتحقيقها فوائض سمحت لها بالتطلع للالتحاق بركب الدول المصدرة للحبوب، غداة تحقيقها تحدّي تقليص فاتورة استيراد القمح، وامتناعها عن استيراد الشعير والقمح الصلب منذ أبريل - نيسان 2009، وهو ما يعتبره الوزير تتويجًا لاعتماد الجزائر سلسلة تدابير تحفيزيّة لتحقيق مستوى إنتاج يفي بحاجيات السوق، مع تدعيم إنتاج الحبوب في جنوب البلاد.

على طرف نقيض، يقول الخبير فريد مدّاس إنّ الجزائر ليست محصنة بتاتًا ضدّ القلاقل التي تعرفها سوق القمح الدوليّة حاليًّا، ويعزو مدّاس اتجاهه إلى استيراد الجزائر لنحو 60 في المئة من احتياجاتها من مادة القمح بنوعيه، ومع ارتفاع سعر الأخير عالميًّا، فإنّ الجزائر ستكون مدعوّة لدفع ثمن باهظ للحصول على الكمية المطلوبة. وردًّا عن أرقام السلطات وموجة التطمين الرسمية، يشير مدّاس بلهجة العارف لخفايا الأمور، إلى أنّ تلك الأرقام تفتقر إلى المصداقية وتعتمد على التضخيم، وحتى تباهي المسؤولين بخمسين مليون دولار كصادرات زراعية، قيمة محدودة برأيه.

ويستغرب الخبير في الشأن الزراعي في الجزائر، كيف للحكومة أن تزعم عدم استيرادها القمح مع أنّها تمارس ذلك فعليًّا، ويستدل محدثنا بما يسميها quot;فضيحةquot; استيراد الحبوب قبل فترة في صفقة اشترك فيها كل من ديوان الحبوب المملوك للحكومة والمجمع الخاص (سيم)، حيثتمّ بحسبه استيراد كمية هائلة بكلفة عالية، قبل أن تتمّ معاودة تصديرها بأقلّ كلفة في حادثة تختصر الفوضى السائدة في قطاعتمّ التخلّي فيه نهائيًّا عن نظام اقتصاد السوق، والعودة إلى النمط الذي ظلّ متّبعًا خلال سبعينيّات القرن الماضي. وتعليقًا على التفاؤل المفرط لوزارة الزراعة ومسؤوليها بشأن تواجد الجزائر في منأى عن الأزمة الراهنة، يذهب مدّاس إلى أنّه يستحيل استنادًا إلى حجم الأراضي المرويّة في البلاد والتي لا تتعدّى على حدّ قوله 4 في المئة، إضافة إلى الظروف المناخية الكارثية أن تتموقع الجزائر كبلد منتج وتغطي حاجياتها بعيدًا عن الحلّ السهل وهو الاستيراد، حتى وإن كانت تلوّح ظاهريًّا بمضاعفتها قيمة الرسوم على موردي الحبوب.

ويتفق الأستاذ حسين شبكي رأي مدّاس، مفيدًا أنّ قطاع الزراعة في الجزائر يفتقد إلى سياسة اقتصادية بمعنى الكلمة، ويحيل شبكي على ما تشهده الجزائر في شهر رمضان الحالي، إذ يفضّل ترك الواقع يتكلّم، فالجزائر اضطرت إلى استيراد اللحوم من الهند، فيما لا تزال سوق الخضروات رهينة التهاب غير مسبوق، والملحوظة نفسها تنسحب على قطاع الحليب الذي يترنح بدوره، فكيف تفسّر السلطات كل هذه المطبات؟ ويلحّ كلّ من شريف ذويبي وعبد الحق العميري وهيثم رباني على ضرورة وضع إستراتيجية محلية متكاملة من شأنها إنعاش منظومة الحبوب الجزائرية واستعادة مكانتها بشكل دائم وحاسم، ويتقاطع هؤلاء في حتمية توخي إستراتيجية موضوعية تبنى على الإمكانات المتاحة والظروف المحيطة والاحتمالات المستقبلية. ويلحّ ذويبي، العميري ورباني أيضًا على إعادة تكييف الأنماط الزراعية السائدة لتتلاءم مع إمكانات الإنتاج الزراعي القومي، علاوة على تكوين مخزونات لمواجهة أي نقص أو اضطراب محتمل، كما يشيرون إلى حاجة الجزائر لإجراءات فعالة تكفل تلافي أي انعكاسات على منوال أزمة الحبوب الناشبة العام قبل الماضي، وذلك لن يتأتّى إلاّ بمباشرة إصلاح عميق يعيد الاعتبار للآلة المنتجة في الجزائر.