في ظل التطورات الحالية والاهتمام المحلي وعلى مستوى عال بتوظيف الكفاءات وتقليل معدلات البطالة والسيطرة عليها وكذلك اتخاذ عدد من القرارات بشأن زيادة الحد الأدنى للأجور ومقترح إضافة بدل السكن ، نجد أن كل هذه الأمور يغيب عنها الوضع الحالي لموظفي البنوك السعودية ، وكأنهم خارج المعادلة تماماً !


الرياض: نشاط واضح وملحوظ من الحكومة السعودية في زيادة الرواتب للوظائف الحكومية وخلق سلم رواتب مميز للوظائف في الهيئات الحكومية والشركات الكبرى التي تمتلك الحكومة منها نسبا تقارب ال70 % وأكثر ، وميزات هائلة تمنحها تلك الجهات لموظفيها ، بدل سكن ودورات تدريبية وانتدابات وخلافه .

والبنوك السعودية على الرغم من رؤوس أموالها العالية وأرباحها التي تجاوزت ال20 مليار ريال في فترة 6 أشهر فقط لم يتغير شيء على سلم رواتبها ومميزات موظفيها منذ ما يقارب ال20 عاما ، وحتى في السنوات الأخيرة لم يتم تعديلأي فقرة من بنود الموارد البشرية والتنمية الوظيفية لهذه الفئة .

الذي ينظر عن قرب لموظفي البنوك يجد شكلا خارجيا مميزا ، هندام أنيق ، بشاشة في الوجه وحسن المظهر ، بالإضافة إلى الأسلوب اللبق والألفاظ المنتقاة بعناية ، والدماثة وغيرها ، ولكن من الداخل ربما يجد العديد منهم يحمل هموما وآلاما لا يمكن احتمالها من أي شخص آخر ، ما خلق صورة عامة ونمطية في المجتمع أن موظفي البنوك من أكثر الموظفين ثراء داخل المجتمع وأسرعهم غنىً ، الأمر الذي ساهم في ازدياد فترة صمت إدارات البنوك على حال موظفيها ، بمساعدة ومباركة من مؤسسة النقد الجهة الإشرافية على البنوك .

ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة

ومما لا شك فيه انه في خلال ال5 سنوات الماضية وفي ظل ارتفاع الأسعار العالمي والذي تعرضت المملكة لمثله سواء بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج أو بسبب جشع التجار الناتج من ضعف الرقابة ، قامت الحكومة وعدد من الجهات بتعديل سلم الرواتب وتغييره ، ومنح بدل غلاء معيشة ، بالإضافة إلى توظيف عدد من الشباب العاجل أو المساهمة في مساعدتهم على البحث عن وظيفة .

الغريب في الأمر أن البنوك السعودية لم تحرك ساكنا لمواجهة غلاء وارتفاع الأسعار ، حتى أصبحت رواتب الجهات الحكومية تقترب من رواتب البنوك ، خصوصا في منطقة الخط الإشرافي الأول ndash; الإدارة الدنيا ndash; في المنشآت ، الأمر الذي حدا بالكثير من موظفي البنوك للخروج واختيار الاستقالة والعمل في القطاع العام ، الذي يوفر المرتب نفسه تقريبا وساعات دوام اقل بكثير منها في البنوك ، ولا يلامون على ذلك فالأمر واضح تماما والخيار الأفضل متوفر .

وازداد عدد الاستقالات والتسرب الوظيفي في البنوك للتوجه للقطاع العام أو حتى اختيار قرار إكمال الدراسة في الخارج للاستفادة من مشروع الابتعاث بدلا من النمط الوظيفي الروتيني الممل داخل هذه البنوك، حسب رأي الكثير منهم ، وليس من المستغرب أبدا أن تتوجه لأي فرع لأي بنك من البنوك وفي العاصمة الرياض أو في احدى المدن الرئيسة لتجد عددا قليلا من الموظفين ، وتجد تدنيا واضحا في مستوى الخدمة المقدمة للعملاء.

مقترح بدل السكن للموظفين الحكوميين

وفي الجدال القائم حاليا داخل قبة مجلس الشورى بين الأعضاء أو خارجه بين المواطنين والصحافيين والاقتصاديين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ، نجد أنبدل السكن أصبح من الضروري إضافته إلى المرتبات الحكومية كجزء من حل أزمة السكن التي تتفاقم مشكلتها يوما بعد يوم في السعودية لقلة المعروض وازدياد الطلب بشكل كبير ما يرفع الأسعار ، مع الزحف الأفقي للمدن الرئيسة.

ولا شك أن قرار إضافة بدل السكن وان تمت الموافقة عليه سيكون بمثابة الجرح الأخير لموظفي البنوك ، الذي سيجبرهم على اتخاذ قرار الانسحاب من المجال البنكي واختيار الوظيفة الحكومية بدلا منها ، فما الذي يجبرهم على المكوث في وظيفة ذات سلم رواتب جامد منذ عشرات السنين ، وزيادة مرتبطة بالأداء الوظيفي ، وبيع وإنتاجية لا تنتهي ، بالإضافة إلى ساعات عمل طويلة يقابلها تعامل شعبي واجتماعي من قبل العملاء على حسب سياسة ( أنت تحصل على مرتبك من نقودي التي في البنك ) وكأن فيها نوعا من التعالي والمكابرة التي يتمنى العديد منا كمجتمع مسلم أن تزول ، ونصبح سواسية كأسنان المشط فعلا.

بيئة عمل غير جيدة

كل هذه العوامل السابق ذكرها تجعل من البنوك بيئة عمل غير مريحة وغير مربحة وتفتقد للأمان الوظيفي ،وتفتقد حتى للمكانة الاجتماعية التي يفترض أن يحظى بها موظف البنك ، في اكبر دولة اقتصادية في الشرق الأوسط ، والذي ينظر لموظفي البنوك في الدول الأخرى سواء الأوروبية أو الخليجية أو حتى شرق آسيا ، يجد أنهم يحظون بمكانة اجتماعية عالية ومرموقة ، بالإضافة إلى بيئة عمل احترافية يسودها النظام والعدل والرغبة الملحة من قبل الموظفين على ممارسة عملهم بكل سعادة وتفان واهتمام وكأنهم يعملون لحسابهم الخاص ، وهذا ما نفتقده في بنوكنا للأسف ، تلك هي رسالة وصلتني بالبريد الالكتروني من موظف في احد البنوك السعودية.