مصرف لبنان

الاضطرابات الجارية حاليًا في سوريا تلقي بظلالها على لبنان، خاصة لجهة تباطؤ النشاط الاقتصادي هناك، مخلّفةً انعكاسات سلبية على السياحة والتجارة وتدفق الأموال. كما تراجعت حركة التبادل التجاري بين البلدين، وخفّض صندوق النقد الدولي أخيرًا توقعاته حول نسبة النمو في لبنان.


بيروت: تضغط الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ سبعة أشهر ضد النظام في سوريا بشكل متصاعد على الاقتصاد في لبنان المجاور، مخلفة آثارًا سلبية كبيرة على السياحة والتجارة وتدفق الأموال.

ويقول الخبير الاقتصادي سامي نادر لوكالة فرانس برس quot;لم يكن الربيع العربي مفيدًا بشكل عام للاقتصاد اللبناني. فقد حرمنا في الواقع من سوقين أساسيين، مصر وسوريا، في وقت تتراجع كل مؤشرات النمو، التي تحققت خلال السنوات الخمس الماضيةquot;.

بعد سنوات من تحقيق أرقام قياسية في النمو، خفض صندوق النقد الدولي أخيرًا توقعاته حول نسبة النمو في لبنان، ليقدر أنها ستصل إلى 1.5 % في 2011، بعدما وصلت إلى 7.5 % بين 2007 و2010.

وأشار الصندوق إلى أن الوضع السياسي غير المستقر والاضطرابات في سوريا قادت إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي بشكل كبير في لبنان. وشهدت السنوات بين 2007 و2010 معدلات نمو بلغت 7.5%.

وتؤكد وحدة المعلومات الاقتصادية (إيكونوميك إينتليجنس يونيت)، مركز أبحاث واستشارات يغطي مئتي دولة في العالم، وجود مؤشرات تدل على تراجع في النصف الأول من العام 2011 في القطاع المصرفي المعروف باستقراره، وقطاعي العقارات والسياحة، وهما كذلك عنصران مهمان في الاقتصاد اللبناني.

ولطالما كان تاريخ لبنان وسوريا واقتصادهما مترابطين إلى حد بعيد. وتسفيد سوريا من انفتاح النظام المصرفي واقتصاد السوق في لبنان، بينما يستفيد هذا الأخير من اليد العاملة السورية المتدنية الأجر.

ألا أن الاضطرابات الجارية حاليًا في سوريا تلقي بظلها على لبنان، وتسود مخاوف من احتمال تمدد العنف إلى الجوار، ما قد يخيف المستثمرين، وربما المغتربين اللبنانيين، الذين تعتبر تحويلاتهم المالية عنصرًا أساسيًا في تنشيط الدورة الاقتصادية.

ويرى نادر أن quot;تدفق الأموال سيتأثر هو أيضًا قريبًا إذا لم يتخذ لبنان تدابير لحماية اقتصاده، بما فيها تحفيز النمو وتنشيط الصادراتquot;.

ويضيف quot;في ضوء كل ما يحصل في المنطقة، يجب أن تكون للحكومة رؤية واضحة ومتماسكة حول كيفية إعطاء دفع للاقتصاد والتعويض عن تراجع النموquot;.

ويبلغ احتياط لبنان من العملات الأجنبية 31 مليار دولار، إلا أن الدين العام تجاوز الخمسين مليار دولار، أي ما يساوي 135% من إجمالي الناتج الداخلي، وهي من أعلى النسب في العالم.

ويتوقع أن يصل التضخم إلى 5.2 % في 2011، لا سيما في ضوء ارتفاع الأسعار عالميًا، وخصوصًا أسعار النفط والمواد الغذائية.

وتراجعت خلال الأشهر الماضية حركة التبادل التجاري بين لبنان وسوريا، التي تشكل أيضًا ممر ترانزيت لجزء من الواردات والصادرات اللبنانية.

يقول تاجر جملة لبناني إن quot;زبائننا في سوريا توقفوا عن الشراء، لأنهم لا يريدون أن يخسروا السيولة الموجودة بين أيديهمquot;. ويستورد التاجر، الذي رفض الكشف عن اسمه، مواد استهلاكية يكثر الطلب عليها وذات صلاحية محدودة، ونصف زبائنه في سوريا.

وكانت الحكومة السورية قررت في 26 أيلول/سبتمبر تعليق استيراد المواد، التي يزيد رسمها الجمركي على خمسة بالمئة، باستثناء بعض السلع الأساسية، التي لا تنتجها الصناعة المحلية.

جاء ذلك في إطار إجراءات للحفاظ على مخزون العملات الأجنبية، بعد فرض الاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى عقوبات على البلاد، بسبب حملة القمع المستمرة ضد حركة الاحتجاج الشعبية. إلا أنها ما لبثت أن ألغت القرار بسبب تأثيره السلبي على الأسواق وارتفاع الأسعار.

ويقول التاجر لوكالة فرانس برس quot;حتى بعدما ألغت السلطات الحظر على استيراد البضائع الأجنبية، جمّد الزبائن أعمالهم معنا، بسبب جهلهم بما ستؤول إليه الأمورquot;.

وبلغت قيمة الصادرات اللبنانية ملياري دولار في النصف الأول من العام 2011، بحسب وحدة المعلومات الاقتصادية، وتعتبر سوريا من أبرز المستوردين من لبنان.

ويقول المدير العام لشركة الشحن quot;إنتارسبيدquot; مروان شبلي إن quot;قسمًا كبيرًا من السلع التي تشحن إلى بيروت يعاد بيعها إلى وجهات أخرى، وسوريا في طليعة هذه الوجهاتquot;.

ويشير إلى أن الأعمال في سوريا تراجعت بنسبة خمسين في المئة منذ بداية السنة، كما تراجعت أنشطة الشحن من لبنان برًا وجوًا وبحرًا بنسبة 13% منذ شهر آب/أغسطس.

ويقول quot;حتى العمليات المصرفية تأثرت، فنحن لا نملك الإمكانات الآن لتحويل أموال إلى مكتبنا في دمشقquot;.

أما الحركة السياحية، التي سجلت أرقامًا قياسية خلال عامي 2009 و2010، فقد تراجعت إلى حد بعيد منذ بداية السنة.

وانخفض عدد السياح خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة، بحسب أرقام صدرت من وزارة السياحة في الصيف، بنسبة 25% تقريبًا.

وتوقع وزير السياحة اللبناني فادي عبود في كلمة ألقاها أخيرًا في افتتاح مؤتمر سياحي تراجع الحركة السياحية بشكل عام في 2011 بحدود 15% بالمقارنة مع 2010 إذا استمرت الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة على حالها.