أفلت لبنان من عاصفة العام 2008، فتابع اقتصاده نمواً مضطرداً على عكس أهمّ اقتصاديات العالم. لكن أتى تسونامي الاضطرابات الشعبية في الشرق الأوسط ليحقّق ما فشلت عاصفة العام 2008 من تحقيقه كأضرار لقطاعي السياحة والتجارة.


بيروت: بعد أن بلغت توقعات صندوق النقد الدولي نسبة 8.5% لنمو الاقتصاد اللبناني في 2008 مقارنة بـ 4.1% للاقتصاد العالمي، خفّض مصرف إتش إس بي سي تقديره لنمو الناتج الإجمالي المحلي للاقتصاد اللبناني من 3.2% إلى 2.7% في 2011. ويمكن لهذه النسبة أن تهبط إلى 1.1% وفقاً لتقديرات معهد التمويل الدولي.

وقد ارتفع عجز الميزانية العامة في الأشهر الثلاثة من 2011 بقيمة 794 مليار ليرة لبنانية (529.3 مليون دولار) وفقاً لوزارة المالية، ليشكّل 37.76% من الإنفاق، وذلك ارتفاعاً عن نسبة 21.83% في الفترة نفسها من العام 2010.

تراجع العائدات السياحية مع الأزمة الحكومية واضطرابات سوريا والمنطقة
كان العام 2011 مليئاً بالتحديات بالنسبة للقطاع السياحي، بدءاً بأزمة الحكومة اللبنانية التي بدأت في يناير 2011، مع انسحاب 11 وزيراً من حزب الله من الحكومة المنتخبة في 2009 برئاسة سعد الحريري، بسبب الخلاف حول لجنة التحقيق الدولية في مقتل رئيس مجلس الوزراء السابق رفيق الحريري، والد سعد الحريري، في 2005، بعد أن أصدرت المحكمة مستندات سريّة توجّه أصابع الاتهام نحو أعضاء من الحزب الشيعي.

وأتت أزمة quot;الربيع العربيquot; في تونس، مصر، ليبيا، البحرين، اليمن وسوريا لتشحّ بسببها عائدات السياحة، مع إشارة منظمة السياحة العالمية إلى انخفاض عدد السياح الدوليين إلى المنطقة بنسبة 14% خلال الأشهر الخمس الأخيرة. وفي لبنان بالتحديد، هبط عدد الزوار العرب بنسبة 18% والإنفاق السياحي بنسبة 3% وفقاً لوزير السياحة اللبناني فادي عبود، تأثراً بالاضطرابات الأمنية في سوريا حيث فاق عدد القتلى من المدنيين 1000 مواطن، ووقعها على quot;السياح القادمين من البرّquot; لاسيما من سوريا والأردن الذين تراجعوا بنسبة 65%.

ويعلّق جاستن دارجن، الخبير العالمي في القانون الدولي، وزميل مبادرة دبي في حديثه الحصري مع AMEinfo: quot;إن السياح متخوفون من القدوم إلى لبنان حالياً نظراً إلى انتشار موجة الربيع العربي إلى سورياquot;. ويشير إلى التوترات السياسية على الساحة الداخلية قائلاً: quot;إن القطاع السياحي تأثر ولا شكّ بالتشجنات على الساحة الداخلية، والناجمة بصورة أساسية عن موقف حزب الله حيال المحكمة الدولية. ومن المتوقع أن تستمر هذه التشنّجات، نظراً إلى أن الحكومة الحالية تحظى بدعم حزب الله الذي يبدو واضحاً من خلال تصريحاته الأخيرة أنه لن يمدّ يد التعاون في هذا الموضوع. ولا أتوقّع أن تتمكن الحكومة برئاسة نجيب مقاتي من تغيير هذا الموقف. فميقاتي سيلعب دور المعتدل، ولكن عليه أن يتحلّى بالكثير من الاستقلالية والجرأة للوفاء بوعده في تمثيل جميع الآراء اللبنانيةquot;.

في ظلّ هذه التحديات، سعت السلطات اللبنانية إلى تشجيع عودة السياح العرب عبر قرار منح تأشيرات دخول للسياح العرب لدى وصولهم إلى مطار بيروت. لكن رغم من هذه التحديات، لا بدّ من التذكير بقدرة لبنان على التعافي من الأزمات، حتى بعد مقتل رفيق الحريري في 2005، والهجوم الإسرائيلي في 2006.

تراجع العائدات التجارية مع انخفاض الطلب من البلدان العربية المتأثرة بالاحتجاجات


إلى جانب الأثر السياحي، تراجعت العائدات التجارية اللبنانية، مع ارتفاع عجز الميزان التجاري اللبناني بنسبة 10% خلال الأشهر الخمس الأولى من 2011، وفقاً لتقرير لمصرف عوده نقلاً عن مجلس الجمارك، وذلك بسبب تراجع الصادرات اللبنانية، مع العلم أن 12% منها تتوجّه إلى سوريا، مصر، ليبيا، تونس، اليمن والبحرين بحسب التقرير.

زيادة عبء الدين العام


تركت الحرب الأهلية التي امتدّت بين عامي 1975 و1990 لبنان تحت وطأة الدين العام وخدمته، نتيجة الاقتراض لإعادة بناء الاقتصاد. ورغم توقّع تحسّن نسبة الدين العام مقارنة بالناتج الإجمالي المحلي من 180% عام 2006، يُرتقب ألا تقلّ هذه النسبة عن 130% (55.3 مليار دولار) في عام 2012، وفقاً للحكومة الأخيرة.

المصارف اللبنانية اللاعب الأساسي في إعادة تمويل الدين

تستمرّ السلطات اللبنانية باللجوء إلى سياسة إعادة تمويل الدين، بغياب الإصلاحات الرامية إلى تقليص الإنفاق، مع تولّي مصارف إتش إس بي سي، فرانسا بنك وبيبلوس آخر عملية لإعادة تمويل سندات يورو بقيمة 1 مليار دولار مستحقة في 18 مايو 2011.

وقد أشارت السلطات أنها ستلجأ أيضاً إلى إعادة تمويل سندات يورو مستحقة في شهر أغسطس 2011 بقيمة 950 مليون دولار، مع العلم أن قيمة سندات اليورو المستحقة هذا العام تبلغ 3.3 مليار دولار وفقاً لوزارة المالية.

إلى جانب سندات اليورو، عادت الحكومة اللبنانية لتصدر في مارس 2011 سندات خزينة بالليرة اللبنانية مستحقة في سبع سنوات، لتمويل حاجاتها المالية، ما رفع قيمة الدين بالعملة المحلية إلى 483 مليون دولار، بعد انخفاضه في الشهرين الأخيرين وفقاً لتقرير من مصرف عوده.

تُعتبر المصارف التجارية اللبنانية من أهمّ المكتتبين بالأوراق المالية اللبنانية. وتعليقاً على قدرة المصارف اللبنانية على الاستمرار في تمويل الدين العام، لاسيما بعد تخوّف موديز من إمكانية تخفيض التصنيف الإئتماني لأربعة مصارف لبنانية منها بنك عوده بفعل تعرضّها للأسواق السورية والمصرية التي طالتها الاضطرابات الأمنية والسياسية، يعلّق الدكتور مروان بركات، مدير قسم الأبحاث لدى مصرف عوده في حديث حصري مع AMEinfo: quot;إن المصارف اللبنانية قادرة على تمويل الدين العام بفضل قاعدة الودائع الجيّدة، بفضل استمرار الرساميل الوافدة بصورة مضطردة، مع العلم أنّ الرساميل الوافدة إلى لبنان في الأشهر الخمس الأولى من 2011 بلغت مليار دولار شهرياً، ويُتوقّع ألا يقلّ نمو الودائع عن نسبة 7% في مطلق الأحوال هذا العامquot;.

ويفسّر السبب قائلاً: quot;في الحقيقة إن السوق اللبنانية هي سوق غير نموذجية، وهي بمنأى عن عمليات إعادة التصنيف. فالمستثمر اللبناني، وله الحصة الأكبر في السوق المحلية مقارنة بالنسبة الضئيلة للمستثمرين الأجانب والعرب، لم يتأثّر سابقاً بعمليات تخفيض التصنيف التي حصلت في العام الماضي. وإن التعرَّض للأسواق السورية والمصرية محدود أساساً، حيث لا يتعدى حجم نشاط المصارف اللبنانية 7%. وقد أخذت المصارف المتعرّضة لهذه الأسواق المؤونات الضرورية في حال حدوث أي طارئ وبالتالي ستتمكّن من احتوائهquot;.

وحول احتمال تأثر الرساميل الوافدة التي تشكّل ثلث الاقتصاد اللبناني، بالخطر على الاقتصاد العالمي نتيجة أزمة الدين العام الأمريكي وتعثّر الكثير من الاقتصاديات الأوروبية، يعلّق الدكتور بركات قائلاً: quot;لقد أثبت لبنان على مرّ السنوات أنه لا يتأثر بالعوامل الخارجية، وإن الرساميل الوافدة تستمر بالتدفق إليه بصورة مضطردة. وهذا ما حصل حتى حين كانت الظروف العالمية أكثر سوءاً في عام 2008quot;.

البطالة والتضخم يزيدان من انتشار الفقر


رغم مثابرة اللبنانيين وثقة المستثمر اللبناني باقتصاده، وصمود القطاع المصرفي بفضل سياسة متحفّظة، سينعكس الوضع الاقتصادي سلبياً على المواطنين الذين، رغم مظاهر الرخاء في مطاعم بيروت المزدحمة بالزوار وشوارعها الممتلئة بالسيارات الفخمة، يعيش 28.5% منهم تحت خط الفقر، أي يكتفون بـ 4 دولارات للفرد يومياً، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وتبلغ نسبة البطالة في لبنان 7.9%، مع تشكيل الشباب ما بين 15 و24 عاماً نسبة 48.4% من العاطلين عن العمل. وقد بلغ عدد اللبنانيين الذين انتشروا في العالم بحثاً عن الأمن الوظيفي ما يُقدّر بـ 15 مليون مقارنة بحوالي 4 ملايين مقيمين في لبنان.

ومن المتوقّع أن تزداد الضغوط على الفقراء مع ارتفاع نسبة التضخم إلى 6 أو 7% في العام الجاري، وفقاً لمحافظ مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، وازدياد الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك، بنسبة 5.6% بين شهري مايو ويونيو 2011، وصولاً إلى 16.2%. ويعود السبب الأساسي للتضخم في ارتفاع أسعار الوقود وبعض السلع الغذائية المستوردة، تأثراً بارتفاع أسعار النفط حول العالم بفعل اضطرابات ليبيا ومخاوف انقطاع الإمدادات عبر قناة السويس.