أكد خبراء مشاركون في المؤتمر السنوي السابع عشر للطاقة الذي اختتم أعماله اليوم الأربعاء في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي ضرورة قيام دول مجلس التعاون الخليجي بوضع خطة شاملة في ما بينها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وإقامة شبكة إمدادات أكثر فاعلية بين دول المجلس.


البرنامج النووي الإماراتي السلمي

أحمد قنديل من أبوظبي: لفت خبراء مشاركون في المؤتمر السنوي السابع عشر للطاقة في أبوظبي إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي استطاعت بناء هياكل مؤسساتية لقطاعات الطاقة والصناعات الثقيلة التي تديرها quot;الدولةquot;، وهي تمثّل quot;جيوباً من الكفاءةquot;، خاصة في الإمارات والسعودية نتيجة إداراتهما خارج نطاق البيروقراطية والتزام المهنية والتخصص، وهو نموذج يلزم تكراره في الأنشطة كافة التي تديرها دول المنطقة، مثل الطيران والفضاء والطاقة المتجدّدة.

النووي الإماراتي والنووي الإيراني
وأشار الدكتور هانز بليكس وزير خارجية السويد السابق، المدير العام الفخري للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الرئيس السابق للجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش (الإنموفيك) في العراق في كلمته في اليوم الختامي للمؤتمر، إلى أن هناك حججًا قوية تدعم اعتماد خيار الطاقة النووية في دول الخليج العربية، موضحًا أن برنامج الطاقة النووية المدنية الذي يجري تطويره حاليًا في دولة الإمارات العربية المتحدة، هو حلّ فعّال لسدّ احتياجات البلاد من الطاقة.

وأكد بليكس أن دولة الإمارات العربية المتحدة لعبت دورًا قياديًا في تبنّي برنامج متطور للطاقة النووية المدنية، وأن هناك حاجة ملحة في منطقة الخليج إلى تبادل المعلومات النووية على غرار quot;الجماعة الأوروبية للطاقة الذريةquot;. مشيرًا إلى أن انتشار الأسلحة النووية لا ينتج تلقائيًا من البرامج النووية المدنية. وأوضح أن البرنامج النووي الإيراني لا يزال يثير الكثير من الجدل في الشرق الأوسط.

ورأى بليكس أنه من الواضح أن هناك انقسامات حادة حول جدوى الطاقة النووية المدنية في المستقبل، ولكنه أوضح أنه في نهاية المطاف، تخضع قضية الطاقة النووية لاعتبارات اقتصادية وبيئية. فعلى سبيل المثال، أصبحت الطاقة النووية أقل أهمية بالنسبة إلى احتياجات الطاقة الإجمالية في الولايات المتحدة، بسبب ابتكارات مهمة في مجال استغلال الغاز الحجري. كما يرتبط استخدام الطاقة النووية بمتطلبات السلامة العامة في المستقبل، لافتاً الانتباه إلى أن التهديدات البيئية هي أكثر خطورة من انتشار الأسلحة النووية.

إقرأ في quot;إيلافquot; أيضًا...
الطاقة النووية تتعرّض لتحديات كبيرة نتيجة حادث فوكوشيما

وأوضح بليكس أن الاستخدام الآمن للطاقة النووية هو خيار مقنع لتلبية احتياجات الطاقة في المستقبل، وأنه يبدو أن المعارضة الشعبية لاستخدام الطاقة النووية تتأثر بشكل جوهري بالمخاوف من التسرب الإشعاعي، مبينًا أن بعض هذه المخاوف منطقي، ولكن بعضها الآخر غير منطقي إطلاقًا. لذا هناك حاجة ماسة، وفقًا لبليكس، إلى مبادرات أفضل من أجل توعية الجمهور للتغلّب على هذه المخاوف، وأنه بغضّ النظر عن المخاوف العامة، لا يزال هناك دعم قوي للاستخدام الآمن للطاقة النووية في المستقبل، حيث إن المواد النووية مثل quot;الروديومquot; وquot;الثوريومquot; يمكن أن تدوم آلاف السنين.

وأشار بليكس إلى أنه ينظر إلى الطاقة النووية في أنحاء العالم كافة بشكل متزايد على أنها حلّ طويل الأمد لمعضلات الطاقة في المستقبل، وأنه على الرغم من أن الحادثة النووية التي وقعت أخيراً في quot;فوكوشيماquot; قد تسبّبت ببعض القلق، فإنه يمكننا وصف هذه الحادثة بأنها مجرد quot;عثرة في الطريقquot; وليست نهاية الطريق. وأضاف أنه كردّ فعل على هذه الحادثة، أخضعت الدول الأوروبية محطاتها النووية quot;لاختبارات تحمّلquot;، ووجدت أن معايير السلامة فيها كافية. وقال quot;في الواقع لم تتسبب حادثة فوكوشيما في اليابان بوقوع أي إصابات بشرية نظرًا إلى إجراءات الطوارئ الفعالة هناكquot;.

هانز بليكس

ولفت بليكس إلى أن التطورات التي حدثت في العقود القليلة الماضية قد جعلت من فرص وقوع حوادث نووية أمرًا مستبعدًا على نحو متزايد. حيث اتخذت البلدان كافة، التي تستخدم الطاقة النووية، تدابير فعالة للتكيف مع الدروس المستفادة من الحوادث التي وقعت في السابق، مثل كارثة quot;ثري مايلز آيلاندquot;. وأشار إلى أنه في المستقبل سيتم رفع معايير السلامة إلى مستويات أعلى. مضيفًا أن الجدل حول الطاقة النووية قد أثار ردود فعل سياسية مختلفة في بلدان عدة، حيث قررت ألمانيا التخلص تدريجيًا من الطاقة النووية بحلول عام 2020، على الرغم من أن حكومة quot;ميركلquot; كانت قد أعربت في السابق عن دعمها الطاقة النووية، ويرجع ذلك كليًا، بحسب بليكس إلى المعارضة الشعبية القوية ضد هذا التوجه.

وبيّن أن سويسرا أعلنت أنها لن تسعى إلى استخدام الطاقة النووية. أما في إيطاليا، فقد أدى استفتاء للرأي العام إلى اتخاذ قرار برفض بناء محطات الطاقة النووية، وأنه على الرغم من أن بريطانيا وفرنسا تتمتعان بقدرات نووية مدنية كبيرة، فإن هناك احتمالاً بأن يتم في المستقبل تعديل السياسات القائمة بناء على مطالب الرأي العام.

ومضى بليكس يقول إنه في آسيا كانت اليابان قد أعلنت سياسة للحصول على نصف احتياجاتها من الطاقة باستخدام الطاقة النووية، وأنه قد تم تعديل هذا الهدف في أعقاب quot;حادث فوكوشيماquot;. لكن مع ذلك أعلنت الصين أنها ستمضي قدمًا في أبحاثها وبرنامجها التنموي في مجال الطاقة النووية المدنية. وأضاف أنه لا تزال بعض الدول الأخرى، مثل أستراليا، تعيش حالة من التضارب حول خيار الطاقة النووية المدنية.

مستقبل الطاقة في منطقة الخليج
من جهته، أوضح الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي أن الخبراء المشاركين في هذا المؤتمر توصلوا إلى نتائج مهمة عدة، منها أن الوقود الأحفوري سيظل المصدر الرئيس لاستهلاك الطاقة لعقود مقبلة، الأمر الذي سيؤدي إلى أضرار بيئية وتغيرات في المناخ، ما يفرض ضرورة تضافر جهود المنتجين والمستهلكين لوضع حلول مناسبة للتعامل مع هذه الأضرار.

وأضاف أن من أهم العوامل الحاسمة التي تؤثر في الطلب المتوقع للنفط: استمرار عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسات الحكومية بشأن الطلب على الطاقة والاستثمار في الدول المنتجة، واستعادة مستويات الإنتاج السابقة من قبل المنتجين الرئيسين في العالم العربي، لافتًا إلى أن هناك حاجة ماسة إلى صياغة رؤى شاملة للتحديات الرئيسة والاتجاهات المحتملة لأسواق الطاقة العالمية، والتعرف إلى الجدوى الاقتصادية لمصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية، ومن ثم إعداد الاستراتيجيات والخطط الملائمة في دول quot;مجلس التعاونquot; للتعامل مع كل هذه العناصر.

وشدد السويدي على أهمية إنشاء مجموعات من شركات الطاقة المتجددة في دول quot;مجلس التعاونquot; كلها، واستمرار الدعم الحكومي لها، وإصدار التشريعات المنظمة، والتعاون الدولي لتعزيز مستقبل الطاقة النظيفة والمستدامة. مبينًا أنه لا يوجد تغيير كبير في مخططات التوسع في استخدام الطاقة النووية، حيث تستمر عمليات بناء المفاعلات النووية حول العالم، ولكن يوجد تركيز على قضايا السلامة النووية، وباستطاعة الجيل المقبل من المفاعلات ضمان ذلك.

وأشار السويدي إلى أن استهلاك الطاقة الجديدة والمتجدّدة قد وصل خلال عام 2010 إلى ثلاثة أضعاف مستوياته مقارنة بعام 2000، ما يشجع على زيادة الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة. لافتًا إلى أن انتشار الطاقة النووية يمثّل تنويعًا في الوقود للحدّ من تقلبات أسعار أسواق الوقود الأحفوري، ومن ثم يزيد من أمن الإمدادات، ويساعد على استقرار السوق العالمية للطاقة. ولفت السويدي إلى أن الجغرافيا السياسية للنفط الخام في العالم تكشف عن أن منطقة الخليج وحدها تنتج ما يزيد على ثلث الإنتاج العالمي من النفط.

سياسات الطاقة في دول quot;مجلس التعاونquot;
في كلمته ناقش الدكتور محمد رمادي، الأستاذ في قسم الاقتصاد والإدارة المالية في quot;جامعة الملك فهد للبترول والمعادنquot; في المملكة العربية السعودية quot;سياسات الطاقة في دول مجلس التعاونquot;، مؤكداً أن دول quot;مجلس التعاون لدول الخليج العربيةquot; مجتمعةً، تواجه معضلات متزايدة في إدارة العرض والطلب لموارد الطاقة على حدّ سواء. وقال إنه من المتوقع أن يشهد الطلب المحلي على الطاقة نمواً كبيراً على مدى العقدين المقبلين، ولا سيّما في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، مدفوعاً بزيادة التوقعات، والعوامل الديموغرافية، والتنويع الاقتصادي.

وأوضح رمادي أن اضطرابات quot;الربيع العربيquot; قد أدّت إلى تغيير بعض الافتراضات السابقة بأن القطاع الخاص سيكون القوة الرائدة للتغيير الاقتصادي، إلى فرضية تقوم على تدخّل حكومي أكثر استدامة في دول quot;مجلس التعاون لدول الخليج العربيةquot;، وأن هذا سوف يدفع حكومات دول quot;مجلس التعاونquot; إلى اتخاذ خيارات مؤلمة بين العقلانية الاقتصادية والسياسية في سياساتها المحلية حيال الطاقة.

ومضى رمادي يقول إنه سوف يتعيّن على دول quot;مجلس التعاونquot; أن تتحدّى مجموعة القواعد القائمة المتعلّقة بكيفيّة إدارة برامجها الخاصة بالطاقة المحلية، كلاً على حدة، سواء كانت تتعلّق بالنفط أو الغاز أو الطاقة المتجدّدة أو النووية، ووضع خطة لتحقيق اكتفاء بالطاقة وشبكة إمدادات أكثر فاعلية بين دول quot;مجلس التعاونquot;. متسائلاً: هل ستتضافر جهود دول quot;مجلس التعاونquot; معاً من أجل تزويد الدول الأعضاء في الكتلة الأكثر إنتاجاً والأكثر احتياجاً للطاقة، أو أنها ستستمر في توزيعها المحلي غير الفعال للطاقة، ولا سيّما الغاز، وتتّبع سياسات منفردة في مجال الطاقة؟، وهل ستُعيد دول quot;مجلس التعاونquot; النظر في صادراتها طويلة الأجل لغير دول المجلس لمصلحة التكامل الإقليمي في مجال الطاقة؟، وهل سترى دول quot;مجلس التعاونquot; في ذلك حجر الزاوية كي تبني عليه وحدة اقتصادية فعلية، تشبه الاعتماد المتبادل بين دول الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة؟.

تحديات الطاقة
أشار الدكتور سلمان سيف غوري، كبير الاقتصاديين في إدارة التخطيط الاستراتيجي والسياسات في شركة quot;قطر للبترولquot;، في ورقته بعنوان quot;تحدّيات الطاقة الرئيسة في مواجهة الاقتصاد العالميquot;، إلى أنه من المرجّح أن يبلغ إجمالي استهلاك الطاقة الأولية العالمي مستوى 820-1036 كوادريليون وحدة حرارية بريطانية بحلول عام 2050. مضيفاً أن التحدّي الأساسي يتمثّل في أنه بحلول عام 2050، سيظل الوقود الأحفوري المصدر الرئيس لاستهلاك الطاقة، ما سيؤدّي إلى أضرار بيئية وتغيّرات في المناخ.

وأوضح أنه مع النمو السكاني والاقتصادي العالمي السريع، ولا سيّما في البلدان النامية، سوف يزداد استهلاك الطاقة، وهذا يعني المزيد من الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري والمزيد من التدهور في المناخ العالمي، الأمر الذي يؤدّي إلى نقص في الغذاء وتفشّي الأمراض والاضطرابات السكانية.

وأشار غوري إلى أن المشكلة الرئيسة المتمثلة في الزيادة الكبيرة في الاستهلاك العالمي للطاقة تترافق مع النقص في عدالة التوزيع لموارد الطاقة العالمية، مقارنة بالطلب. لافتاً النظر إلى أن هذا الاختلال في موارد الطاقة ساعد على إيجاد مجال انتهازي لمنتجي الطاقة، ومع ذلك فهو يطرح عدداً من التحدّيات التي تواجه الدول المستهلكة، ومنها أمن إمدادات الطاقة. وبين أنه من المتوقع أن يكون الجزء الأكبر من الطلب على الطاقة مرتبطاً بآسيا. كما ناقش بعض القضايا المهمّة المرتبطة بتوزيع موارد الطاقة، وتغيّرات المناخ، وأمن إمدادات الطاقة.

المخاطر النووية
أوضح أنتوني فروجات، زميل باحث أول في quot;برنامج الطاقة والبيئة والتنميةquot; في مؤسسة quot;تشاتام هاوسquot; في المملكة المتحدة في كلمته عن quot;المخاطر النووية وانعكاساتها على أسواق الطاقة والبيئةquot; أنه سوف تكون هناك حاجة إلى مستويات غير مسبوقة للاستثمار في قطاع الطاقة العالمي في العقود المقبلة، وذلك لتلبية الطلب المتزايد، وللتعويض عن القدرات المتراجعة، ولمعالجة أمن الطاقة والتغيّرات المناخية.

ولفت النظر إلى أنه في بداية عام 2011، كان هناك كثير من التساؤلات والشكوك حول دور الطاقة النووية المستقبلي في أسواق الكهرباء العالمية، وأن أزمة فوكوشيما وما تلاها من مراجعات لشؤون السلامة والتخطيط الوطني قد أضافت مزيداً من المخاوف والاعتبارات المتعلّقة بالسلامة.

وذكر فروجات أن كل مصادر الطاقة تؤثر في البيئة وفي سوق الطاقة الأوسع، كما يمثّل استخدامها توازناً بين المخاطر والفوائد الناتجة منها. مشيراً إلى أن الطاقة النووية ليست استثناءً من ذلك، ولكن تكلفتها المالية -حيث تتطلّب رأسمال مرتفعاً في البداية وتكاليف ثابتة عند سحبها من الخدمة، ترافقها فواتير وقود منخفضة نسبياً- تعزّز مخاطر التشغيل التجريبي، وبالتالي أهميّة السوق واسعة النطاق والتقويمات البيئية.

البرنامج النووي الإيراني

وأكد فروجات أن الفوائد البيئية للطاقة النووية تعدّ ذات أهميّة، حيث لا ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون عند استخدامها مصدراً لتوليد الطاقة. لكن تجب موازنة هذا بانبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري من دورة الوقود وما يرتبط بذلك من إنشاء البنية التحتية، والآثار البيئية الأخرى، مثل تعدين اليورانيوم، والانبعاثات أو النفايات في أثناء عملية التشغيل الروتيني والعواقب المترتبة على الحوادث صغيرة الحجم، وكذلك الحوادث كبيرة الحجم.

وأوضح أن انتشار الطاقة النووية يمثّل تنويعاً في الوقود للتخلّص إلى حدّ ما من تقلّبات أسعار الوقود الأحفوري، وبالتالي يمكن أن يزيد من أمن الإمدادات، ويساعد على استقرار السوق. لكن ثمّة تقنيات أخرى للإمداد بالوقود غير الأحفوري -مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة الكتلة الحيوية- فضلاً عن اتخاذ تدابير تتعلّق بالطلب تساعد على ضمان أمن الإمدادات أيضاً. لافتاً النظر إلى أن ضمان توافق العرض والطلب وتعبئة مجموعة من التقنيات وأنواع الوقود يستدعي التدخّل في السوق من خلال قوانين وأنظمة وبرامج دعم تتخذها الحكومات.

ظاهرة quot;الاحتباس الحراريquot;
من جانبه قال الدكتور محمد العشري، رئيس quot;شبكة سياسات الطاقة المتجدّدة للقرن الـ (21)quot;، زميل مؤسسة الأمم المتحدة في الولايات المتحدة الأميركية، في كلمته بعنوان quot;ظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيراتها في أسواق الطاقةquot; إن العالم قد دخل حقبة جديدة تميّزت بالاهتمام بمسائل أمن الطاقة وتغيّر المناخ وكيفيّة حصول الفقراء على خدمات الطاقة الحديثة، وإن أمن الطاقة أصبح أولوية رئيسة بالنسبة إلى الدول كافة المعنية بتعزيز نمو اقتصادي صحي، مع الحفاظ على الاستقرار الداخلي والخارجي على حدّ سواء. موضّحًا من ناحية أخرى أن التغيّر المناخي يعدّ أحد أكبر التحدّيات التي تواجهها الإنسانية، وهي تؤثر في الأجيال الحالية والمستقبلية.

وأضاف العشري أنه على الصعيد العالمي، يبرز تغيّر المناخ باعتباره الرابط الأخطر بين الطاقة والبيئة. حيث إن إنتاج الطاقة واستخدامها يساهم أكثر من أي نشاط بشري آخر في تراكم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، مبيّناً أن التوجّهات المستقبلية في مجال الطاقة ستحدّد مدى سرعة ارتفاع هذه المستويات وكميّتها.

ولفت العشري النظر إلى أن المجتمع الدولي قد وافق في quot;قمة كوبنهاغن عام 2009quot; وquot;قمة كانكون عام 2010quot; على الحدّ من ارتفاع درجات الحرارة العالمية، بحيث لا تزيد على درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. مشيراً إلى أنه نظراً إلى أن الطلب العالمي على الطاقة سيستمر في النمو، بحيث يمكن أن يزيد على الضعف بحلول عام 2050، فإن خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 50% على الأقل عن مستويات عام 1990 سيتطلّب تحولاً تقنياً غير مسبوق في كيفيّة إنتاجنا واستخدامنا للطاقة.

وذكر أن هذه المخاوف قد ساعدت على تحفيز أسواق الطاقة النظيفة، حيث وصل استهلاك الطاقة الجديدة والمتجددة خلال عام 2010 إلى ثلاثة أضعاف مستوياته مقارنة بعام 2000، وأن اليوم أكثر من أي وقت مضى يستمدّ عدد أكبر من الناس الطاقة من مصادر الطاقة المتجدّدة، إذ تشهد الطاقة المولّدة نمواً مستمراً، وتواصل الأسعار هبوطها.

مبيّناً أن الاستثمار العالمي في الطاقة المتجدّدة قد ارتفع بنسبة 32% خلال المدة من عام 2009 إلى عام 2010 ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 211 مليار دولار. كما إن الطاقة المتجدّدة ولّدت ما يقدّر بنحو 16% من الاستهلاك النهائي للطاقة في العالم، إضافة إلى أنها ساهمت بنحو 20% من إنتاج الكهرباء في العالم. وقال إن الطاقة المتجدّدة قد ساهمت، بما في ذلك الطاقة الكهرومائية، بنحو 50% من إجمالي قدرة توليد الطاقة الإضافية عام 2010.

وأكد العشري أن اعتماد quot;بروتوكول كيوتوquot; عام 1997، والاتفاق بين معظم البلدان المتقدّمة على أهداف ملزمة قانونياً لخفض انبعاثاتها، قد ساعد على فتح الباب أمام الاتجار بالانبعاثات الدولية وإنشاء سوق كبيرة للكربون، وأن مشروع الاتحاد الأوروبي للاتجار في الانبعاثات يعدّ الأكبر في العالم، حيث استحوذ عام 2010 على 84% من قيمة السوق العالمية.

الأهميّة التاريخية لصناعة النفط في دول التعاون
وأشار الدكتور ستيفن هيرتوج، المحاضر في مادة النظم السياسية المقارنة في quot;كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسيةquot; في quot;جامعة لندنquot; في المملكة المتحدة، في ورقته quot;ثقل دول مجلس التعاون في سوق الطاقة ومنظومة الطاقة العالميةquot;، إلى أن الأهميّة التاريخية لصناعة النفط في دول quot;مجلس التعاون لدول الخليج العربيةquot; لا تقتصر على كونها مورداً للعائدات الصافية. حيث استخدم قطاع النفط الذي تسيطر عليه الدولة كأداة من أدوات التصنيع الوطنية، التي لا تقل أهمية عن بناء المؤسسات نفسها.

مضيفاً أنه تم تشييد الصناعات القائمة على الطاقة والمواد الخام الكثيفة في دول quot;مجلس التعاونquot;، إما مباشرة من قبل صناعة النفط الوطنية، أو عبر إنتاجها بصورة غير مباشرة، بالاعتماد على الخبرات والبنية التحتية التي بناها القطاع النفطي. وأوضح أنه من خلال ذلك أصبحت معظم دول quot;مجلس التعاونquot; لاعبة صناعية دولية في مجالات باءت فيها دول أخرى في منظمة quot;أوبكquot; بالفشل.

وأشار هيرتوج إلى أن كثيراً من النجاح الذي تحقق في دول quot;مجلس التعاونquot; يجد تفسيراً له من خلال السياق السياسي وهيكليات الحوكمة لقطاعات الطاقة والصناعة الثقيلة التي تديرها الدولة؛ حيث إنها تدار خارج نطاق البيروقراطية العادية، كما إنها تستخدم أنظمة رواتب وتوظيف منفصلة، وتستفيد من الرعاية المباشرة للحكّام. وهي أيضاً محميّة من السياسات الشعبوية والتنافس البيروقراطي الداخلي، ما يذكّر إلى حدّ ما بالهياكل المؤسسية للدول التنموية الآسيوية.

وقدّم هيرتوج في ورقته تحليلاً للعمليات التاريخية، التي أتت quot;بجيوب من الكفاءةquot; إلى هياكل الطاقة والصناعة في دول quot;مجلس التعاونquot;، بالاعتماد على دراسات لحالات من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. مستعرضاً تحليلاً للكيفية التي حولت بها هذه المؤسسات دول quot;مجلس التعاونquot; إلى لاعبين مؤثرين في سوق البتروكيماويات الدولية.

من جانبه قال الدكتور أحمد شكارة، الباحث في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي إن النفط وغيره من مصادر الوقود الأحفوري الحيوية سيستمر في لعب دور جوهري في تحديد العوامل الجيواستراتيجية في المسيرة الطويلة لمنطقة الخليج العربي نحو الأمن والاستقرار. موضحًا أن المخاطر المرتبطة بالنفط ستبقى مصدر قلق على المستويين الإقليمي والدولي، طالما بقي النفط وغيره من المصادر الحيوية للوقود الأحفوري يستحوذ على الحصة الكبرى في سلة الطاقة.

وأضاف شكارة أنه من الواضح أن الولايات المتحدة، وهي المستهلك الأكبر للنفط على المستوى العالمي، لم تضع حتى الآن حلولاً تقنية أو تشريعية شاملة للتغلّب على المخاطر المرتبطة بالنفط، بينما تواجه دول أخرى تحديات خطرة في محاولة العثور على خيارات لطاقة بديلة قابلة للاستمرار.