إجتماع وزراء الخارجية العرب

تحفظ العراق على القرار الذي أفرزه إجتماع لوزراء الخارجية العرب أمس، بشأن فرض عقوبات إقتصادية على سوريا، حيث قال وزير الخراجية العراقي إن هذا الموقف جاء إقتصادياً بالأساس، مشيراً إلى أن هناك تبادلاً تجاريًا وحدودًا مشتركة مع سوريا، وإن القرار له تداعيات وسيؤثر على بغداد كما دمشق.


بغداد: تدفع مصالح العراق التجارية الحكومة إلى التحفّظ على قرار جامعة الدول العربية بفرض عقوبات اقتصادية على سوريا، في موقف قد لا يخلو أيضًا من الحسابات السياسية.

وفي خطوة غير مسبوقة، أعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، عقب اجتماع لوزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد، أن الوزراء العرب أقرّوا مجموعة من العقوبات الاقتصادية ضد الحكومة السورية، إلا أنه ذكر أن quot;العراق تحفظ على القرارquot;، ولن ينفذه.

ويقول وكيل وزارة الخارجية العراقية لبيد عباوي لوكالة فرانس برس إن quot;موقفنا في الأساس اقتصادي. هناك تبادل تجاري مع سوريا، وحدود مشتركة معها، وهذا القرار على كل حال سيطال الشعب السوري أكثر من النظامquot;، واعتبر أن quot;هذا القرار ستكون له تداعيات علينا كما على سورياquot;، مشيرًا إلى quot;وجود نحو مئتي ألف عراقي يعيشون في سوريا، ويعملون فيها، ويتسلمون رواتب، وهناك مصالح مشتركة كثيرةquot;.

وأكد عباوي أن هذا القرار quot;سيؤثر بشكل كبير مباشرة على شعبنا، ونحن كحكومة عراقية نسعى إلى تطبيق القرارات التي لا تضرّ بشعبناquot;.

ومنذ بدء الحركة الاحتجاجية في سوريا في منتصف آذار/مارس، والتي قتل فيها أكثر من 3500 شخص، وفق آخر تقرير للأمم المتحدة، تعتمد بغداد موقفًا حذرًا من هذه الأحداث، وحاول العراق في البداية تحقيق توازن بين قربه من إيران الداعمة لدمشق وquot;العمق العربيquot;، الذي ترتفع فيه أصوات تضغط على نظام بشار الأسد باتجاه إنهاء العنف.

غير أن بغداد انحازت إلى سوريا، عندما تحول الضغط السياسي إلى ممارسة على الأرض، من خلال تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية وإقرار عقوبات اقتصادية بحقها، وهما خطوتان تحفظ العراق عليهما.

ونقلت صحيفة quot;الصباحquot; الحكومية عن ممثل العراق لدى الجامعة العربية قيس العزاوي، في تصريحات نشرتها اليوم الاثنين، قوله إن quot;العلاقات التجارية بين العراق وسوريا لا تتيح تطبيق توصيات الجامعة العربية بالنسبة إلى العراقquot;.

كما قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب همام حمودي في تصريحات نقلتها الصحيفة الحكومية إن quot;الموقف العراقي من سوريا يتطابق مع مصلحة العراق السياسية والاقتصاديةquot;.

ويشترك العراق مع سوريا في حدود تمتد بطول 605 كليومترات، حيث تقع محافظات عراقية ذات غالبية سنية، كان ينظر إليها على أنها معاقل للتمرد ضد القوات الأميركية والحكومة العراقية، وتربط العراق وسوريا علاقات اقتصادية كبيرة.

وتشير أرقام رسمية عراقية وسورية إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ في العام الماضي ملياري دولار، فيما من المتوقع أن يصل في نهاية العام الحالي إلى3 مليارات دولار.

وكان المركز السوري للإحصاء أعلن في عام 2009 أن 52.5% من الصادرات السورية تجري مع الدول العربية، وأن 31.4 % من هذه البضائع السورية تتجه نحو العراق.

وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بحث الجانبان إقامة منطقتي تجارة حرة مشتركة في منطقتي اليعربية والبوكمال في الجانب السوري، ومنطقتي ربيعة والقائم في الجانب العراقي، ووقّعت سوريا والعراق في العام الماضي مذكرة تفاهم، تتناول مشروع إنشاء منظومة خطوط أنابيب النفط والغاز، لنقل النفط الخام والغاز العراقيين عبر سوريا، على أن يتم البدء بضخّ النفط العراقي في نهاية العام الحالي.

وتقول النائبة ندى الجبوري العضو في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب لفرانس برس إن quot;العلاقات التجارية بين العراق وسوريا لن تتوقف، ومن الصعب فرض عقوبات اقتصادية مع دولة جارةquot;.

وتضيف إن quot;سوريا دولة جارة، ولا نستطيع اتخاذ موقف مطابق للجامعة العربية تجاهها، وهناك مصالح مشتركة بين البلدينquot;، وحول وجود تأثير خارجي لاتخاذ العراق هذا الموقف، قالت الجبوري إن quot;الموضوع لا يخلو من وجود ضغوط إقليمية، تتمثل في إيران اللاعب الأكبر في المنطقةquot;.

غير أن عباوي شدد في تصريحه لفرانس برس على أن quot;قرارنا هذا سيادي مستقل، لم يتأثر بأي أمر خارجي، وليست له علاقة بأي تأثيرات خارجية على الإطلاقquot;.

وتعتمد الأسواق العراقية، خصوصًا في مجال الخضر والفواكه، بشكل شبه كامل على المنتجات السورية.

ويقول لؤي فيصل (35 عامًا)، وهو تاجر في مركز الرشيد التجاري، أكبر مركز لاستيراد الخضر والفواكه في جنوب غرب بغداد، إن quot;سبعين بالمئة من الخضر والفواكه، التي تصل إلى السوق العراقية، مصدرها سورياquot;.

ويشير فيصل، الذي يعمل منذ 17 عامًا في تجارة الخضر، إلى أنه يستورد يوميًا نحو أربعين طنًا من الفاكهة، وأنه واحد من نحو أربعين مستورد في المركز الذي يزود بغداد والمناطق المجاورة لها بالمواد الغذائية.

بدوره، قال تاجر المواد الغذائية محمد جابر (40 عامًا)، الذي يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من عشرين سنة، إن quot;البضائع السورية أقل سعرًا من غيرهاquot;، مشددًا على أن quot;قطع العلاقة التجارية مع سوريا سيخلق أزمة اقتصادية كبيرة، لأن المنتجات المحلية لا تكفيquot;.

وأكد مصدر في وزارة التجارة العراقية، رفض الكشف عن اسمه، أن quot;أسعار المواد الغذائية بدأت في الارتفاع إثر اتخاذ الجامعة العربية قرارها ضد سورياquot;، من دون الإشارة إلى تفاصيل أكثر.

ويرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري أن quot;العراق يقف اليوم مستقلاً ضد أي سياسة تجاه سورياquot;. ويضيف أن quot;حجم التبادل الاقتصادي السوري يكاد يكون نصفه مع العراق، الذي يمثل المنفذ الرئيس لسورياquot;، مؤكدًا أن quot;الحاجة السورية إلى العراق على كل حال أكثر من حاجة العراق إليهاquot;.