بيروت: يرى محللون أن الاقتصاد السوري الذي اهتز نتيجة الاضطرابات القائمة في سوريا منذ اربعة اشهر سيتحول في حال استمرار العنف والتوتر، الى تهديد حقيقي لنظام بشار الاسد، الذي يواجه بالقمع انتفاضة شعبية هي الاولى من نوعها في تاريخ البلاد.

ويقول دبلوماسي غربي معتمد في دمشق quot;هناك بضع اوراق متبقية في سوريا يمكنها ان تشكل نقطة تحول في مسار الوضع، والاقتصاد احداهاquot;.
ويضيف لوكالة فرانس برس رافضًا الكشف عن هويته quot;كلما طالت الثورة واضطر تجار حلب ودمشق -الذين لم ينضموا الى الاحتجاجات بعد- الى اقفال مصانعهم وطرد عمالهم، فقد يبدأون بالبحث عن حل بديلquot;.

وبدأ الاقتصاد السوري يعاني تداعيات الانتفاضة الشعبية التي تسببت حتى الآن بمقتل اكثر من 1300 شخص، بحسب منظمات غير حكومية. فقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته بالنسبة الى اقتصاد البلاد. فيما يغيب الموسم السياحي الذي يشكل عنصرًا مهمًا في العائدات السورية، تماما هذه السنة.

ويرى خبراء ان موقف الطبقة البورجوازية والتجار السياسي يتوقف الى حد كبير على صحة أعمالهم، وانهم ان كانوا لا يزالون حتى الآن اوفياء للنظام فقد يغيرون ولاءهم، في حال تواصلت الانعكاسات السلبية على اعمالهم.

ويقول الخبير الاقتصادي لاسن آشي من مركز كارنيغي للدراسات في الشرق الاوسط في بيروت ان quot;الاقتصاد السوري في وضع سيء جدًا... وهذا الامر يؤثر على الجميع في سوريا، لا سيما اولئك الذين يعملون في التجارة والصناعة والسياحةquot;.

ويضيف quot;من الاسهل على الفقراء والمحرومين اتخاذ قرار لجهة عدم قدرتهم على تحمل الوضع كما هو والرغبة بالانتقال الى وضع يأملون بان يكون افضل. الا ان الناس الذين لديهم المال، يصعب عليهم ذلك من دون رؤية حقيقية مسبقة للمرحلة اللاحقةquot;.

وتوقع صندوق النقد الدولي ان تبلغ نسبة النمو في سوريا حوالي 3% في 2011، بعدما سجلت 5.5% في 2010. وهذا مؤشر في رأي الخبراء على ان الاقتصاد الذي تشرف عليه الدولة الى حد بعيد، تلقى صفعة قوية ولو انها غير مرئية تمامًا بالنسبة الى العالم الخارجي.

ويقول مصرفي في لبنان يدير اعمالاً في سوريا quot;حرص المصرف المركزي في سوريا على ضرورة عدم استهلاك احتياطه، ويبدو انه يميل الى تشديد قبضته على احتياطي العملات الاجنبية على اختلافهاquot;.

ويبدو القطاع السياحي بوضوح الاكثر تاثرا بالازمة الحالية، لا سيما بعدما شهدت السنوات الماضية تدفقا للسياح الى شوارع دمشق وحلب وغيرها من المدن. وتؤمّن السياحة نسبة 12% من اجمالي الناتج الداخلي، وبلغ حجم العائدات من السياحة 6.5 مليار دولار في 2010.

وتعمل نسبة 11 % من اليد العاملة في سوريا في قطاع السياحة وتصل البطالة، بحسب الارقام الرسمية الى ثمانية في المئة، الا ان محللين مستقلين يقدرون النسبة باكثر من ذلك. وتخلو شوارع سوريا التراثية اليوم من المارة، في وقت تتحسر الاف العائلات التي تعيش من عائدات الموسم السياحي على مصيرها.

في الوقت نفسه، تبدو الخطط الموضوعة لمشاريع تنموية مهددة. وذكر خبير اقتصادي موجود في دمشق ان خطة تنموية خمسية كلفتها حوالي مليار دولار قد تتعرض لضربة قاسية في حال استمرار الاضطرابات. كذلك تلقت المشاريع الاستثمارية ضربة قوية بسبب الازمة.

ويقول آشي ان quot;العديد من المستثمرين اوقفوا مشاريعهمquot;، مشيرا الى ان quot;مستثمرين من الخليج، وخصوصا قطر، إضافة الى دول اخرى يعيدون النظر في استثماراتهم في سورياquot;. واطلق الرئيس السوري في 2006 سلسلة اصلاحات اقتصادية سمحت بانشاء مصارف خاصة في البلادـ وبدء العمل ببورصة دمشق في 2009، وفتح حسابات بالعملات الاجنبية. الا ان السلطات ابقت على قبضتها الحديدية على الاقتصاد.

وفيما هرع اصحاب المدخرات الكبيرة الى سحب اموالهم من المصارف السورية منذ بدء الاضطرابات، تم quot;فرض سقف على السحوبات بالعملات الاجنبيةquot; اخيرا، بحسب ما يقول المصرفي.

ودعا الرئيس السوري في خطاب الاسبوع الماضي الى اعادة الثقة في الاقتصاد السوري لمنع انهياره. وقال quot;لا بد من البحث عن نظام (اقتصادي) جديد يحقق العدالة بين الفقير والغني وبين الريف والمدينةquot;.

وكان الاسد اعلن في الاسابيع الاولى للاحتجاجات سلسلة محفزات، بينها زيادات على الرواتب وتسهيلات يستفيد منها موظفو القطاع العام والطلاب وغيرهم. الا ان آشي يتخوف من ان يؤدي تخصيص مجموعات سورية معينة الى اغضاب الاكثر فقرا في البلاد.

ويقول quot;الاسد قام بتنازلات اقتصادية... مكلفة على صعيد الموازنة، ولم تستفد منها كل شرائح الشعبquot;، مضيفا quot;يترتب على هذا استمرار الفوارق بين الشرائح الاجتماعية وازدياد بعض المناطق فقرا. هذه المناطق والشرائح ستواصل احتجاجاتهاquot;.