سوريون يتظاهرون في تركيا ضد نظام بشار الأسد

يبدو أن الأزمة السورية التركية لا تقف عند حدود مواقف أنقرة السياسية حول أعمال القمع ضد المتظاهرين المطالبين باسقاط نظام بشار الأسد بل تعدتها لتصل إلى العلاقات التجارية حيث يسيطر الحذر على المستثمرين الأتراك نتيجة الأضطرابات في دمشق.


دمشق: تركيا التي دخلت سورية من أوسع أبوابها الاقتصادية عام 2004 متكئة على ازدهار العلاقات السياسية بين البلدين وعودة الود بين الجارتين، تقف اليوم في مسافة بعيدة مهددة بذلك ملايين الدولارات بالزوال والعديد من المشاريع بالتوقف.

الأزمة بين البلدين بدأت مع الأحداث السورية الأخيرة وما أعقبها من تصريحات شديدة اللهجة قدمها رموز السياسة التركية مما أنعكس بداية على تراجع حركة السفر بين البلدين بمقدار كبير وتوقف شبه كامل للرحلات السياحية، ليصل اليوم إلى المستثمرين الذين ماعادوا يرغبون في تجاوز الحدود مع الدولة الجارة.

هؤلاء المستثمرون نأوا اليوم بأنفسهم عن دخول سوريا ومتابعة مشاريعهم الاستثمارية وحسموا أمرهم تماما في عدم البدء بأي مشروع جديد، والسبب برأي بهاء الدين حسن رئيس الجانب السوري السابق في مجلس رجال الأعمال السوري-التركي ليس الموقف السياسي لدولهم فحسب وإنما حذرهم وخوفهم من الاضطرابات في مختلف المدن السورية وبالتالي خوفهم على مصير أموال سيصرفوها في بلد يشهد أحداث واضطرابات.

هذا الأمر لم ينكره رجل الأعمال عرفان دركل الذي رأى أن رجال الأعمال في تركيا وفي أي دولة أخرى يحتاجون للأمان لتنفيذ مشاريعهم واستثماراتهم، معتبرا أن العلاقات وبشكل مبدئي لا تتأثر على المستوى القريب نظرا لوجود اتفاقيات بين البلدين بالإضافة لتأثير الاعتياد فالكثير من الصناعات التي تحتاج لمواد أولية تأتي من تركيا لن تتمكن من تغير هذا الأمر بسرعة والمستهلكين الذين اعتادوا شراء المنتجات التركية لن يكون من السهل عليهم التخلي عنها والبحث عن بديل آخر.

وذكر حسن أن هذا الحذر التركي لم يقابله موقف سوري مماثل فرجال الأعمال السوريين أبدوا نيتهم لمتابعة ما خططوا له لكن الموقف التركي دفعهم أيضا للتردد.

وقف الاتفاقيات

وأمام هذا الموقف وما تبعه من تصريحات سياسية بدأت أصوات تنادي لإيقاف العمل بالكثير من الاتفاقيات الموقعة بين البلدين وعلى رأسها منطقة التجارة الحرة بينهما والتي تعد مفتاح العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وتنص على إعفاء المنتجات السورية المصدّرة إلى تركيا من الرسوم الجمركية، وإلى تفكيك كل الرسوم الجمركية على المنتجات التركية المصدّرة إلى سوريا خلال مدة أقصاها 12 سنة، ودخلت حيز التنفيذ عام 2007.

وهو رأي لم يلق التشجيع من العديد من رجال الأعمال واعتبروا فيه خطوة متسرعة، داعين لعدم اتخاذ قرارات سريعة، ويوضح دركل أنه على الحكومة احترام الدولة وأن لا تتخذ قرارت هي بمثابة ردة فعل فالظرف اليوم طارئ ولابد من الابتعاد عن قرارت ارتجالية تحمل تبعات سيئة مسقبلا، ولم يرفض دركل قطع العلاقة مع تركيا وحدها وإنما مع أي دولة أخرى مشيرا إلى قدم العلاقات الاقتصادية مع أوروبا وأهميتها التي تحتاج اليوم لإعادة نظر وليس لإعلان المقاطعة.

وإن كان لا بد من اتخاذ ردة فعل في هذه المرحلة فلابد أن تكون بترشيد سياسة الاستيراد لحماية المنتج الوطني ودعم الليرة كما يقول حسن، أو باتخاذ إجراءات غير مباشرة كما يقول دركل تتمثل بأسلوب المعاملة بالمثل فتركيا اليوم تفرض رسوم لا تأخذ طابع الضرائب والغاية منها دعم منتجها الوطني وبإمكان سوريا تنفيذ أمر مشابه مع تركيا أو مع سواها.

الحديث عن توقيف الاتفاقية مع تركيا هو تسريبات قام بها أحد المواقع الالكترونية السورية وتحدثت عن نية عادل سفر رئيس الحكومة تقديم هذا المقترح ومناقشته في مجلس الوزاء مستندا في نيته هذه لما وصفه بشكوى رجال الأعمال الذي تضرروا كثيرا بعد دخول البضائع التركية وهو صوت استغرب دركل تجاهله في السابق فالجميع علم بهذه الخسارات وبالخطابات التي قدمها المتضررون لحماية منتجهم أو للحصول على دعم بلادهم ليتمكنوا من البقاء في الساحة والمنافسة، ويشير دركل أن الاتفاقيات الاقتصادية في البلدين استندت في كثير منها على العلاقات السياسية والرغبة السورية لتحسينها الأمر الذي منحهم ربما امتيازات أكثر من سواهم وكانت أيضا في كثير من الأحيان على حساب السوري ولهذا لم يرفض فكرة مراجعة بعض هذه الاتفاقيات المجحفة.

ولم ينكر حسن تأثير الصناعة التركية في السابق على سوريا خاصة وأنها تعتبر دولة صناعية مهمة وقادرة على المنافسة وتركت آثاراها على بعض الصناعات المحلية مما أدى لعزوف بعض التجار من الاستيراد من تركيا خوفا عن المنتج المحلي، لكنه في الوقت ذاته استغرب التناقض في موقف رجال الأعمال الذين أشادوا سابقا بخطوات الحكومة القديمة الانفتاحية وأيدوا الاتفاقيات مع تركيا ومع سواها.

و الجدير ذكره أن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى مليارين و250 مليون دولار حصة سوريا من هذا الميزان، تراوحت ما بين 40 - 45 بالمئة، وهي أرقام من المتوقع أن تصل لأقل من النصف هذا العام بسبب الأحداث الأخيرة في سوريا.