صورة أرشيفية لتظاهرة في تونس

أثار إقتراح مسألة اقتطاع أربعة أيام عمل من أجور العاملين في القطاعين العام والخاص لمصلحة ميزانية تونس لسنة 2012كمساهمة استثنائية، ردود أفعال متفاوتة أغضبت البعض واستحسنها البعض الآخر وتصاعدت مطالب الشعب في التسريع بإرساء معالم السلطة ومهامها وإرساء ملامح الميزانية والبت فيها.


تونس: صرح مصطفي كمال النابلي محافظ البنك المركزي التونسي بأن ميزانية الدولة من أهم النقاط المستعجلة والتي يجب على الحكومة البت فيها، وقال إنه ولأول مرة ندخل سنة جديدة دون ضبط ميزانية أو مخطط تنمية فمن الاعتصامات إلى الاضطرابات الاجتماعية واندلاع أعمال العنف، تدل كل المؤشرات على تدهور الاقتصاد في تونس وارتفاع معدل البطالة ليتجاوز 18 بالمائة.

ويتوقع حصر عجز الميزانية الجديدة في حدود 6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل حوالى 4 بالمائة متوقعة لسنة2011 سيتم تمويلها أساسا بالقروض الداخلية والخارجية لترتفع نسبة المديونية العمومية من 43 بالمائة سنة 2011 إلى 46 بالمائة في سنة 2012.

الانتماء والحرية

في تصريح خاص إيلاف أفاد السيد بلحسن المشاط باحث ومحلل اقتصادي بأن مسالة اقتطاع رواتب العمال لها بعدان أحدهما سلبي والثاني ايجابي أما الايجابي فيتمثل في الإحساس بالمشاركة لبناء وطن يعني الانتماء والحرية ويلخص الانتقال الديمقراطي الذي لن يتحقق ما لم ينتعش اقتصاد البلاد وما لم ينفرج الوضع السيئ الذي اتسم بتراجع مؤشر النمو إلى حوالى صفر وربما اقل من ذلك بكثير مع نهاية السنة الحالية وهي مرحلة حرجة وجب تظافر جميع الجهود للخروج منها والانتقال إلى بداية الانتعاش والذي ما زالت نتائجه غير مؤكدة وملامحه غامضة وضبابية.

أما التأثير السلبي فقال المحلل إنه يتمثل في الإضرار بميزانية الفرد العامل وما قد يسببه من نتائج على موازناته العائلية والشخصية خاصة وأن مشروع الميزانية الذي أعدته حكومة الباجي لم يقر كيفية الاقتطاع من الأجور في القطاع العمومي والتي من المتوقع أن تمثل حوالى 37 بالمائة من جملة نفقات الدولة أي ما يعادل 8543 مليون دينار مقابل 7643 مليون دينار محتملة في 2011 أي بزيادة قدرها 900 مليون دينار تأخذ في الاعتبار بالإضافة إلى الزيادة التي تم إقرارها خلال سنة 2011 وانتداب 20300 عامل في الوظيفة العمومية فأي رواتب سيتم اقتطاع جزء منها، والتعبئة الاحتجاجية على أشدها والمطالب التي تتعلق بالزيادة في الأجور وتحسين الوضع لم تحل بعد.

وربما إن هذا الموقف قد يثير ردود فعل سلبية وغير متوقعة من المواطن الذي بدأت ملامح غضبه تتبلور من خلال الإضرابات والاعتصامات التي تشن تباعا والتي ينتج منها يوميا غلق المصانع والمؤسسات ما زاد في حدة الأزمة التي تعيشها البلاد وبالتالي فإن المنطق يقتضي احترام مستوى الأجور وعدم المساس بمن هم في حاجة إلى رواتبهم كاملة خاصة محدودي الدخل.

تجربة سيئة جدا

قال ضيفنا بلحسن المشاط إن تجربة التونسي مع صندوق 26 /26 كانت تجربة سيئة جدا لم تترك في الذاكرة إلا مفهوم السرقة والاعتداء على الأموال الخاصة لفائدة العائلة الحاكمة ومناصريها تحت مظلة التضامن الاجتماعي ومساعدة فقراء الحال وذوي الدخل المحدود فقد مرت الأعوام والأموال تستنزف وتنهب وصندوق التضامن تضخ به الملايين من الدنانير على أمل بناء غد أفضل ولم يصل هذا الغد ولم تشرق شمسه وما ازداد الفقير إلا فقرا والغني إلا جشعا وطغيانا وبالتالي فإن مسألة الاقتطاع من الاجور قد تحيل البعض على هذه التجربة السيئة.

وهنا أكد المحلل ضرورة الحوار والإقناع عن طريق وسائل الإعلام وخاصة المنابر الحوارية في القنوات التلفزيونية وتمرير رسالة التآزر والتضامن بين أفراد الشعب لبناء تونس الغد بحريتها وديمقراطيتها ورفاه عيشها الذي يمثل حلما أكيدا تسعى جميع مكونات المجتمع المدني إلى تحقيقه.

وقال إن قرار الاقتطاع يجب أن يكون مسبوقا بسبر آراء أو برامج خاصة لتحسيس المواطن التونسي بما ينتظر الاقتصاد الوطني من خطر خاصة وان الوضع الاقتصادي في المنطقة الاوروبية يسير نحو الأسوأ أضف إلى ارتفاع معدل الاستهلاك الفردي وارتفاع أسعار العديد من المواد خاصة الغذائية التي أدخلت إرباكا كبيرا على مستوى تزويد السوق خلال الفترة الماضية. وليس هذا فقط بل اطلاع الشعب على الحقيقة الاقتصادية وعلى خلفيات الاعتصامات والعرقلة التي يشنونها ضد الحكومة والأحزاب.

وأفادنا مصدر مطلع في وزارة المالية أن حجم ميزانية الدولة لسنة 2012 قبضا وصرفا، حسب هذا المشروع، تقدر بـ23 ألفا و125 مليون دينار أي بزيادة بنسبة 9.6 بالمائة أو 2018 مليون دينار بالمقارنة مع النتائج المحتملة لسنة 2011 منها 71 بالمائة موارد ذاتية و29 بالمائة موارد اقتراض.

ويقترح مشروع الميزانية الجديد 5600 مليون دينار نفقات التنمية في السنة القادمة مقابل 5232 مليون دينار مقدرة في 2011 علاوة على الاستثمارات التي سيتم البدء في إنجازها في إطار صندوق الودائع والأمانات وصندوق الأجيال بالإضافة إلى رصد 2377 مليون دينار للدعم المباشر بعنوان المواد الأساسية (1200مليون دينار) والمحروقات والكهرباء (900 مليون دينار) والنقل (277.5 مليون دينار).

وفي مستوى النفقات كشف مصدرنا أن مشروع ميزانية الدولة اقترح بقاء الدعم المباشر في مستوى مرتفع جدا رغم انخفاضه من 2869 مليون دينار في سنة 2011 وحصره في السنة القادمة في حدود 2377 مليون دينار ليمثل حوالى 3.3 بالمائة من الناتج المحلي مقابل 4.3 بالمائة في 2011.

ويفترض هذا المستوى من الدعم تعديل أسعار المحروقات لتغطية الحاجيات المقدرة على أساس 100 دولار لبرميل النفط لتعبئة إضافية في حدود 516 مليون دينار وذلك على مرحلتين على أن تكون الأولى خلال الفترة الأخيرة من السنة الحالية.