الشعب المصري شعب مبتكر لا يدع مناسبة من دون أن يستغلها مخترعًا لها منتجاً خاصاً، يكاد يضمن رواجه في هذه الفترة، هذا ما حدث مع ثورة يناير، فكانت تجارة الأعلام والرايات تقتصر على مواسم المباريات الرياضية المهمة في مصر، لكن بعد حالة من الركود العام أثناء شهري يناير وفبراير 2011 وجد عدد من المصريين ضالتهم في بيع الأعلام للثوار والمتظاهرين، وليس فقط الأعلام والرايات، فقد اخترع البعض إشارات ولوحات تحمل شعار الثورة محاكية لوحات السيارات المعدنية وبطاقات وكارنيهات العضوية وغيرها، وقد لاقت هذه التجارة بالفعل رواجًا غير مسبوق لسلعة مبتكرة خصيصاً لمناسبة في مصر.


القاهرة: انتشرت تجارة الأعلام والرايات وملصقات quot;25 ينايرquot; في أنحاء جمهورية مصر بشكل كبير، لدرجة إن أكثر من 5 آلاف بائع متجول أصبحت تلك البضاعة هي بضاعته الأساسية التي يعرضها على المارة في شوارع القاهرة العامة والطرق السريعة.

أحمد البالغ 18 عامًا جاء إلى القاهرة من جنوب مصر، بعدما نال دبلوم صناعيًا ndash; قسم تبرد وتكييف ndash; كان يأمل في أن يحصل على وظيفة ما تناسب مؤهله، ولكنه بعد شهور من البحث الدؤوب عمل كبائع متجول لسلع عدة، منها الجوارب والملابس الداخلية الشعبية والقبعات وغيرها.

شارك أحمد مجبرًا ndash; بحكم مكان فرشه - في ثورة يناير، وتحطمت الطاولة التي كان يضع عليها بضاعته، كما ضاعت بضاعته سدى بعدما داستها أقدام المتظاهرين والشرطة في جمعة الغضب، واستمرت مشاركته في الثورة، لكن كبائع أيضًا. فقد ظل طوال فترة اعتصامات ومظاهرات ميدان التحرير يبيع المياة المعدنية والسندوشتات وبعض المأكولات داخل الميدان، إلى أن ظهرت منتجات الثورة، وعندها صنع أحمد طاولة جديدة، وضع عليها الأعلام الكبيرة والصغيرة والملصقات المحاكية اللوحات المعدنية للسيارات وكارنيهات العضوية وغيرها.

يقول أحمد لـquot;إيلافquot; لم أكن أتوقع أن تكون هناك تجارة مربحة مثل هذه، أو أن تلقى بضاعة ما مثل هذا الرواج، فقد بعت أكثر من 20 سلعة قبل ذلك، لم ينفد مني بضاعة في سلعة مثلما حدث مع بوسترات وأعلام ورايات ثورة يناير، فقد بعت إلى الآن بضاعة تخطت مبلغ 30 ألف جنيه، على الرغم من أن أغلى قطعة عندي لا يتخطى ثمنها خمسة جنيهات، ويضيف أحمد إن المارة يشترون مني الأعلام الصغيرة، والتي توضع على الرأس أو تحمل في اليد، وأصحاب السيارات يشترون هذا الملصق الذي يشبه أرقام السيارة ليضعوه مكان الأرقام الحقيقية أو في مكان ظاهر في السيارة، وكما هو يلاحظ فإن غالبية السيارات في مصر تضع هذه الأرقام التي تحمل شعار (مصر ...25 يناير).

أما عن أسعار المنتجات، فيوضح الشاب quot;البوستر اللاصق نوعان، أحدهما بجنيهين اثنين، والثاني بـ 3 جنيهات، في حين يبدأ سعر الأعلام بجنيه واحد للأصغر حجمًا، والأكبر نسبيًا يباع بـ 5 جنيهات، وهناك ما هو أكبر من ذلك ويصل إلى 20 جنيهًا. ولكن لا أبيعه نظرًا إلى أن رأس مالي صغير، وفرشتي صغيرة ومزدحمة. أما البطاقات فتبدأ من جنيه واحد ومنها ما يصل إلى 3 جنيهات. ويضيف أحمد quot;لقد بعت أعدادًا كبيرة جدًا من الأعلام والملصقات، وكلما نفدت البضاعة أذهب لأضاعفها لأن المنتج يباع ويكثر عليه الطلب يومًا بعد يوم.

أمام طاولة أحمد التقت إيلاف بـ هاني يوسف أثناء شرائه بعض الملصقات والأعلام، فأكد هاني أنه للمرة الثالثة منذ اندلاع الثورة يقف ليشتري هذه المنتجات التي تعيد لذاكرته الأيام الأولى من ثورة مصر، ويضيف هاني أن هذه المنتجات أصبحت سمة مميزة في شوارع مصر، وأنها أول بضاعة تخترع في مناسبة، وتستمر لهذه الفترة من الزمن، فقد مرّ ما يقر من شهرين وما زالت تباع وتشترى.

من جانبه يقول سيد سلامة الصحافي والباحث الاقتصادي لـquot;إيلافquot; quot;شعبنا المصري مبتكر، ويستغل أحلك الظروف، ويجعل منها سببًا في فتح أبواب الرزق، وهذه المنتجات التي نتحدث عنها أكبر دليل على ذلك، فقد فطن الحرفيون والبائعون إلى أن مثل هذه المنتجات سوف تلقى رواجًا نظرًا إلى الروح الوطنية التي أوقدتها الثورة، ولكن اللافت للنظر أن تستمر تجارة ما يطلق عليه quot;منتجات الثورةquot; إلى منتصف شهر مارس/آذار، وتلقى الرواج نفسه الذي كانت عليه في بداية الثورة في أواخر شهر يناير/كانون الثاني الماضي.

ويضيف سلامة قد رصدت في دراسة أقوم حاليًا على إعدادها أكثر من 5 آلاف بائع متجول في القاهرة فقط حولوا نوعية المنتجات التي يعرضونها إلى منتجات الثورة، وقد وصل رأس المال المستخدم في تجارتها إلى مليوني جنيهًا في العاصمة فقط، ولهذه الأرقام دلالة كبيرة على أن هذه الملصقات والأعلام تلقى رواجًا كبيرًا بين المصريين.