لا يمكن إنكار أن العلاقات السعودية المصرية تعاني أزمة بعد رحيل الرئيس المصري محمد حسني مبارك عن سدة الحكم في 11 فبراير الماضي، خاصة مع أطراف معارضة ترى أن دعم المملكة مبارك كان ضد إرادتهم ورغبتهم في التحرر، كما لعبت الشائعات دوراً مهماً في زيادة التوتر بين الشعب المصري والسعودية، نظراً إلى غياب دور السفير السابق للمملكة في القاهرة (هشام ناظر) للعمل على دحض ووأد هذه الشائعات.


الرياض: لعل أبرز الشائعات كانت عن محاولات المملكة تهريب الرئيس المصري إلى تبوك والضغط على المجلس العسكري لعدم محاكمة مبارك والتهديد بطرد العمالة المصرية وحجب الإستثمارات السعودية عن مصر في حال محاكمته، إضافة إلى شائعات بقيام مبارك وعائلته بإيداع أمواله في بنوك سعودية.

وبعد صمت لم يطل استطاع السفير الجديد في القاهرة (أحمد القطان) أن يلعب دوراً مهماً وبارزاً في إنقاذ تلك العلاقة، والعمل على دحض كل التهم التي ألصقتها الشائعات في الحكومة السعودية، وهو ما تجلى في تفهم قطاعات عريضة من الشعب المصري تلك التوضيحات، التي كان لابد وأن تأتي منذ اليوم الأول لصدورها، خاصة وأن هناك صحفًا وأحزابًا معارضة مصرية لها مواقف خاصة مع المملكة مثل quot;روز اليوسفquot; وquot;الوفدquot; وquot;الشعبquot; والصحف الموالية للأخوان المسلمين، وهي التي تركت صفحاتها مفتوحة لبثّ العديد من الأخبار التي يؤكد السعوديون أنها كاذبة، وتأتي في مجملها من دون أدلة أو توضيحات رسمية.

جاء قرار النائب العام المصري بالتحفظ على أراضي شركة المملكة العائدة للأمير الوليد بن طلال في توشكى، وأيضاً قيام الشركة القومية للتشييد بالتقدم بطلب بدعوى لمركز التحكيم الدولي تطالب بفسخ عقد بيع عمر أفندي للمستثمر السعودي جميل القنيبط، ليصيب العلاقات بالتوتر في ظل أجواء غائمة وغير واضحة بين الطرفين.

وعلى الرغم من أن هناك دعوى قضائية ضد شركة المملكة قبل قيام ثورة يناير وإجبار الرئيس المصري على التنحي وما صاحبتها من دلائل تشير إلى أن الحكم كان سيصدر في غير مصلحة الشركة مثلما تم مع أرض شركة مدينتي للملياردير المصري هشام طلعت، كما إن الخلافات مع رجل الأعمال السعودي جميل القنيبط كانت منذ سنوات وفي عهد الرئيس السابق، إلا أنه تم إستغلالهما في صبّ المزيد من الوقود على العلاقة المتوترة مع شباب ثورة 25 يناير.

خبراء اقتصاديون في مصر يرون أن معالجة أزمة توشكى كانت خاطئة منذ البداية، خاصة وأن الشبهات تحوم حول وجود شبهة فساد في منح الأرض لشركة المملكة، ولكن رغم ذلك فهم يرون أن المعالجة كانت لابد وأن تتم بحكمة وعن طريق التفاوض، خاصة وأن القانون المصري نفسه يمنع تأميم الممتلكات، لذا كان يجب التفاوض على إعادة تقويم الأرض بسعرها الحقيقي وقت الشراء، وتعديل شروط العقد بما لا يضر أحد، ويحفظ السيادة للحكومة المصرية على أرضها، لأن تلك المعاجة من شأنها إخافة المستثمرين، خاصة الخليجيين من الإستثمار المستقبلي لمصر، وهو ما لا يصبّ في مصلحة الإقتصاد المصري.

في حين يرى آخرون أن هذا القرار سيزيد من فرص الإستثمار في مصر لأن الكثير من رجال الأعمال السعوديين يرغبون في العمل في مناخ بلا فساد، مشيرين إلى أن استثماراتهم في الدول الغربية أكثر منها لدى مثيلتها العربية بسبب وضوح القوانين وصرامتها وعدم قدرة الفاسدين على التلاعب بها، وهو ما يفضله المستثمرون.

وعلى الرغم من أن خسائر شركة المملكة لا تقارن بقيمة ما دفعه رجل الأعمال القنيبط الذي زاد عن 450 مليون ريال، إلا أن الأخير لم يصدر منه أي رد فعل حتى الآن، كما إن توقفه عن سداد مرتبات العمال وتوقف نشاط الشركة عن العمل يزيد من الشائعات حوله، خاصة وأن قيمة الصفقة أقل من القيمة الحقيقة للمحال، والتي تقع في مواقع استراتيجية في مصر، كما إن اتهام رئيس الوزراء المصري السابق عاطف عبيد بتلقي رشوة لبيع محال عمر أفندي أصاب الموقف بالمزيد من التعقيد والمشاكل.

الأيام المقبلة قد تشهد المزيد من المشاكل، إلا أن المعالجة الهادئة للأزمة بين الحكومة السعودية ونظيرتها المصرية تنمّ عن تحرك إيجابي يصبّ في مصلحة الطرفين، خاصة وأن هناك ترتيبات تجري هذه الأيام للتمهيد لزيارة أخرى يقوم بها رئيس الوزراء المصري عصام شرف إلى الرياض، قد تمهد لعلاقات جديدة مبنية على أسس قوية بعيدة عن مظاهر الفساد والعمولات التي شابتها الحقبة المصرية الماضية، التي كانت تبتز المستثمرين لتسهيل إستثماراتهم في مصر.