انتهت الزيارة الرسمية التي قادت أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى إسبانيا، والتي توّجت بالتوقيع على إتفاقات شراكة إقتصادية متعددة في مجالات الزراعة والطاقة وتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين وبقيمة وعود إستثمارات قطرية بلغت 3 مليارات يورو، تنوي دولة قطر ضخها في إسبانيا. كما بحث أمير دولة قطر مع العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس ورئيس الوزراء خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو الوضع الأمني في منطقة الشرق الأوسط، وتصاعد حركة التغيير والإحتجاجات التي يشهدها الشارع العربي، على وجه الخصوص الأزمة في ليبيا، بإعتبار أن البلدين يشاركان بقوات عسكرية ضمن مجموعة التحالف الدولي، إلى جانب تصاعد الوضع الامني في سوريا التي تشهد حركة إحتجاجية شعبية واسعة أدت إلى سقوط مئات الضحايا خلال الأيام القليلة الماضية.


مدريد: تميزت زيارة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى إسبانيا ببروتوكول خاص أبعده من وسائل الإعلام المحلية والدولية التي كانت تستعد بشغف لتغطية هذه الزيارة وبعمق نظرًا إلى أهميتها الراهنة، والدور الذي تقوم به دولة قطر على الصعيد العربي والدولي تجاه الأزمة الليبية.

وقد ألغت وزارة الخارجية الإسبانية دعوتها وسائل الإعلام إلى تغطية لقاء كان سيجمع وزيرة الشؤون الخارجية الإسبانية ترينيداد خيمينيث بوزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. كما إنتهى إجتماع رئيس الوزراء الإسباني ثاباتيرو بأمير دولة قطر في قصر المونكلوا من دون أي مثول للجانبين أمام وسائل الإعلام الدولية نظرًا إلى الوضع الذي يشهده الشارع العربي وتفاديًا لأي أسئلة إعلامية لها علاقة بالأمر.

خبراء إسبان يقوّمون لإيلاف زيارة أمير دولة قطر
يرى أرتورو فيرنينديز رئيس الغرفة التجارية الإسبانية في مدريد - تضم أهم المؤسسات الإسبانية - ورئيس هيئة رجال الأعمال الإسبان أن زيارة أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني تاريخية وإستراتيجية على الصعيد التجاري والإقتصادي المشترك بين البلدين نظرًا إلى الأزمة للوضع الإقتصادي الحرج الذي تمر به إسبانيا.

وعبّر في تصريح خاص لإيلاف عن أهيمة تطوير المبادلات التجارية بين دولة قطر وإسبانيا لتشمل قطاعات إقتصادية وسياحية عديدة. وقال إنّ إجتماعه بوزير الصناعة القطري خلال هذه الزيارة كان مهمًّا جدًّا، وقد حصل على وعود من الجانب القطري ببحث شراكة تجارية وإقتصادية ضمن مجموعة المؤسسات الصناعية والتجارية التابعة لهيئة التجارة في العاصمة مدريد، والتي تعدّ من أكبر هئيات التجارة في إسبانيا.

وأضاف أنّه سيقوم برفقة عدد من رجال الأعمال الإسبان التابعين لغرفة التجارة بزيارة إلى قطر خلال الفترة المقبلة لتجسيد هذه المشاريع، حيث هناك نحو 100 شركة إسبانية تنشط في قطر منذ فترة والحكومة الإسبانية تسعى إلى توسيع آفاق هذا التعاون خصوصًا في مجالات الصناعة الخفيفة والثقيلة، وقطاع النقل، إلى جانب رفع حجم المبادلات التجارية بين البلدين مستقبلاً.

وأكد رئيس الغرفة التجارية إنشاء مجلس إقتصادي قطري إسباني يضم رجال أعمال من البلدين، وقال إنّ نحو 40 رجل أعمال إسباني سيزورون قطر قبل شهر أيلول/ سبتمبر، لبحث مشاريع تجارية وإقتصادية عديدة، ولم يخفِ رئيس الغرفة التجارية إهتمام المؤسسات الإسبانية التي يترأس هيئتها بالتنافس مع مؤسسات اجنبية اوروبية وأميركية للظفر بمشاريع بناء نحو 80 ملعبًا أولمبيًا ضمن التحضيرات التي تباشرها دولة قطر لإحتضان مونديال 2022، وقال إن التجربة الإسبانية في المجال الرياضي واسعة ورائدة. وبإمكاننا ان نساهم في تنفيذ مشاريع رياضية، وهذا ما تم بحثه خلال زيارة أمير دولة قطر حيث تم إبرام إتفاق مع الفيدرالية الرياضية القطرية. وأضاف أن المؤسسات الإسبانية مستعدة لتنفيذ مشاريع رياضية عديدة في قطر.

وحول إستفادة الغرفة التجارية الإسبانية من الغلاف المالي الذي ستمنحه دولة قطر كإستثمارات للحكومة الإسبانية، قال ارتورو فيرنينديز إن الغرفة التجارية لمدريد ستستفيد من هذه الأموال من خلال إستثمارات عديدة لكن لم يتم تحديددها بعد على حد قوله، ويمكن أن تطرح عبر ضخّ رؤوس أموال قطرية في اسهم الشركات الإسبانية الموجودة في سوق البورصة، وهذا امر مهم ونرتقبه، وقد يتم تنفيذه قبل شهر سبتمبر المقبل.

يقول من جانبه، المختص الإسباني في الإقتصاد التطبيقي الدكتور خوان كارلوس خيل في تقويمه لإيلاف هذه الزيارة إنه يمكن إسنادها إلى حلقة اليأس السياسي والإقتصادي الذي تحاول حكومة الحزب الإشتراكي الإسباني التخلص منه مع إنتهاء عهدتها، ومع إشتداد الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تواجهها إسبانيا.

ويوضح الخبير الإسباني لإيلاف أن توسيع رقعة التعاون الإقتصادي مع دولة قطر يندرج ضمن مساعي حكومة ثاباتيرو على الصعيد الدولي للبحث عن فرص شراكة إقتصادية يمكنها تخفف شراسة الأزمة الإقتاصدية والمالية التي تعانيها البلاد، خصوصًا أنّ الحكومة الإسبانية كانت قد فتحت الباب أمام شركاء دوليين كروسيا والصين خلال المرحلة الأخيرة. ويقول محدثنا إن فرص الإستثمارات مع قطر ليست محددة اليوم فقط في مجال الطاقة، بل يمكن توسيعها لتشمل مجالات متعددة ولتتوسع إلى المؤسسات الإسبانية الصغيرة والمتوسطة، كما إن إهتمام الحكومة الإسبانية موجه على المدى البعيد والمتوسط للمشاركة في اشغال بناء المنشآت والمرافق الرياضية في قطر التي تستعد لإحتضان مونديال كرة القدم العام 2012.

على جانب آخر، يرى الدكتور خوان كارلوس خيل أن هناك نوعًا من الضبابية في مدى وفعالية الإستثمارات التي تم الحديث عنها خلال إجتماع الرئيس ثاباتيرو والشيخ حمد بين خليفة آل ثاني حيث وعدت دولة قطر بضخّ نحو 3 مليارات يورو كإستثمارات لم تحدد قطاعاتها سيوجه منها نحو 300 مليون يورو لدعم مصارف الإدخار الإسبانية، ويقول لنا الخبير إن هذا الأمر جد معقد، ويمس بسيادة المواطن الإسباني، علمًا أن صناديق الإدخار ليست ببنوك مستقلة، بل هي ملك للمواطن وللدولة. وهنا يطرح محدثنا السؤال quot;كيف سيكون الدعم القطري للمصارف الإسبانية مباشرة كرأسمال أجنبي أو عبر عرض هذه المصارف ضمن سوق البورصة؟ ويؤكد الخبير أن الحكومة الإسبانية تواجه مشكلة قانونية تتعلق بصياغة قانون خاص يسمح لرؤوس الاموال الاجنبية بدعم المصارف او صناديق الإدخار الشعبية كتدخل أجنبيquot;.

كما يشير الخبير في الإقتصاد التطبيقي في الجامعة الإسبانية إلى أن لجوء الحكومة الإشتراكية الإسبانية إلى خطة شراكة إقتصادية مع دولة قطر جد صائب، على الرغم من أننا حتّى الساعة، كما يقول، لم نتعرف إلى فحوى هذه الشراكة ومميزاتها، ويقول إن الحكومة الإسبانية قد إستفادت من دروس سابقة، عندما أعلنت بأنها ستستقطب نحو 9 مليارات يورو من مجلس الإستثمارات الصيني، وبعد ذلك إتضح أن الأمر يتعلق بوعود لم تحقق، عندما أعلن مسؤول صيني عبر وكالة رويترز بأن مجلس الإستثمارات الصيني لم يقرر ضخ هذا المبلغ. ولهذا فإن الخبير يرى أن زيارة أمير قطر تعد ضمانًا رسميًّا لتأكيد الشراكة الإقتصادية، ولكن معالمها غير واضحة.

ويرى الدكتور إيفان مارتين الخبير في معهد الدراسات الدولية في جامعة مدريد في حديثه لإيلاف أن زيارة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى إسبانيا تحمل بعدًا إستراتيجيًا ودفعًا معنويًا لحكومة الحزب الإشتراكي الحاكم، على الرّغم من أنها كانت زيارة إقتصادية أكثر من أن تكون بالزيارة السياسية. ويؤكد الخبير أنه يراها بالمؤشر الإيجابي لبعث علاقات متينة بين إسبانيا والعالم العربي، وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي، وهذا يجسد إرادة الحكومة الإسبانية في التطلع لبناء علاقات إقتصادية وسياسية مع دول عربية ذات طاقة إقتصادية رائدة... خصوصًا أن إسبانيا تمر بأزمة إقتصادية حادة، وهي تسعى منذ فترة طويلة إلى فتح قنوات دعم إقنتصادي على الصعيد العربي، وقطر خير دولة يمكن أن تساهم في ضخ مساعدات وإستثمارات لإسبانيا التي تعاني ازمة سيولة مالية وديونًا خانقة.

حول إقتراب موعد الإنتخابات المحلية والعامة في إسبانيا، يقول الخبير الإسباني إن الإنتخابات ليست لها علاقة مباشرة بحجم وكيفية إستثمار قطر في إسبانيا لأنها إستثمارات على المدى البعيد، غير ان حكومة الحزب الإشتراكي قد تستفيد من هذه الزيارة سياسيًا على الصعيد الداخلي والخارجي. فعلى الصعيد الداخلي يمكن للحكومة الإسبانية الحاكمة توظيف هذه الزيارة كمؤشر إيجابي لمساعيها في كسب ثقة خارجية مع دولة كقطر لها حضور سياسي وإقتصادي دولي.

وعلى الصعيد الخارجي يرى الخبير أن هذه الزيارة كانت مناسبة لبحث الجانبين الوضع المتوتر في المنطقة العربية، وعلى وجه الخصوص في ليبيا وسوريا، ويقول إننا نعلم مدى الوجود والمشاركة العسكرية لقطر وإسبانيا في الحرب الدائرة في ليبيا وزيارة أمير قطر كانت مناسبة لبحث توسيع التنسيق الدولي عبر إسبانيا في هذا المجال.

أما بخصوص لقاء أمير دولة قطر مع ماريانو راخوي زعيم المعارضة الإسبامنية فإن محدثنا يراه مؤشرًا إيجابيًا لمصلحة الحوار الديمقراطي لا غير، ولا يفهم بأن أمير قطر يسير وفق تطلعات إستطلاع الرأي، التي ترى أن مستقبل حكم الحزب الإشتراكي على مشارف إنتهاء حقبة حكمه.

إسبانيا تنظر لأمير قطر كفارس جاء لإنقاذها
ترحيب واسع من قبل القيادة الإسبانية بالزيارة التي يقوم بها أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وعقيلته الشيخة موزة بنت ناصر منذ يوم الإثنين، والتي تدوم ثلاثة أيام، وذلك نظرًا إلى أهميتها البالغة من الناحية الإقتصادية، خصوصًا وأن إسبانيا تعاني إضطرابات إقتصادية ومالية جد معقدة، و تتطلع إلى ضخ أموال قطرية وعربية عبر شركات الإستثمارات، ومن خلال تعزيز التعاون في مجالات الطاقة، علمًا أن دولة قطر تموّل إسبانيا بنحو 14 % من إستهلاكها للغاز الطبيعي، وبنحو 25 % للسوق الأوروبية. كما تعهدت قطر بضخ سيولة مالية في المصارف الإسبانية قدرت بـ 300 مليون يورو، لم يتم بعد تحديد وجهتها.

ورحّب العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس بأمير دولة قطر الشيح حمد بن خليفة آل ثاني وحرمه الشيخة موزة بنت ناصر خلال إستقبال خاص ومميز، جعل من العاهل الإسباني يخترق برتوكول الإستقبال، ليتوجه إلى أرضية مطار باراخاس الدولي في مدريد ويستقبل أمير دولة قطر بعد نزوله مباشرة من مدرج الطائرة.

هذا ما لم يعهد عند ملك إسبانيا خلال إستقباله للوفود العربية والدولية التي تزور بلده، وفسرت مصادر لـ إيلاف هذا التصرف المميز بمتانة العلاقات بين العائلة الملكية الإسبانية وامير دولة قطر، إضافة إلى حرص القيادة الإسبانية على تعزيز وتوسيع علاقاتها الإقتصادية مع دولة قطر، وهذا ما أكدته كلمة الملك خوان كارلوس خلال مأدبة عشاء أقامها على شرف ضيوفه، حيث دعا إلى توسيع آفاق التعاون الإقتصادي بين البلدين، من خلال ضخ إستثمارات عبر مختلف القطاعات.

وكانت مؤسسة قطر هولدنيغ قد وعدت الحكومة الإسبانية بضخ نحو 3 مليارات يورو كاستثمارات، يوجه منها نحو 300 مليون يورو للمصارف الإسبانية التي تعاني ازمة سيولة مالية خانقة، وجاء هذا الإتفاق المبدئي عقب الزيارة التي قادت رئيس الوزراء الإسباني لقطر قبل شهرين. كما إن قطر هولدينغ تمكنت من عقد صفقة شراء لأسهم شركة الطاقة الإسبانية إيبيردرولا بقيمة نحو أكثر من 2 مليار يورو، وهذا ما يرجحها لأن تكون سيدة القرار في الشركة الإسبانية بامتلاكها لـ 6.16 % من أسهم الشركة.

كما ستتوسع الإستثمارات القطرية في إسبانيا، لتشمل قطاع الرياضية، الذي وضعت به مؤسسة قطر للأعمال الإجتماعية نحو 165 مليون يورو مقابل عقد 5 أعوام رعاية لأكبر ناد في العالم، وهذا ما أتاح للبرشلونة مجالاً للتنفس والتخفيف من أزمته المالية، كما إن الشيخ القطري عبد الله بن ناصر آل ثاني كان قد إشترى نادي الملقا الإسباني، الذي يلعب في الدرجة الاولى بقيمة وصلت إلى 25 مليون يورو.

على جانب آخر, تبحث اهم مؤسسات الإتصال وأشغال البناء الإسبانية الظفر بعقود ضخمة مع دولة قطر من أجل المشاركة في مشاريع التهيئة للمركبات الرياضية في قطر قبل موعد كأس العالم 2022، وهذا يمثل فرصة إقتصادية هائلة للشركات الإسبانية من أجل اقتلاع حصة الاسد. وتوّج إجتماع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بالرئيس ثاباتيرو بالتوقيع على أربع معاهدات تضمنت عدد من الاتفاقيات في اطار تعزيز العلاقات الثنائية، منها اتفاقية النقل الجوي بين البلدين، ومذكرة تفاهم في المجال الرياضي بين اللجنة الاولمبية القطرية ومملكة اسبانيا واتفاقية تعاون امني، فضلاً عن اتفاقية لانشاء مجلس الاعمال القطري الاسباني.

أمير قطر يجتمع بزعيم المعارضة الإسبانية
لعل الملفت للمتابعة خلال زيارة الشيخ حمد الخليفة آل ثاني إلى إسبانيا هو إجتماعه صباح اليوم بزعيم المعارضة الإسبانية الأمين العام للحزب الشعبي ماريانو راخو، وذلك قبل توجهه إلى قصر المونكلوا للإجتماع برئيس الوزراء خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو، وقد فسرت بعض المصادر المستشارة من قبل إيلاف هذا اللقاء بإهتمام أمير دولة قطر بجس نبض الوضع السياسي والإنتخابي في إسباني، قبل إعلانه عن أي معاهدات أو إستثمارات مليونية مع الحكومة الراهنة، نظرًا إلى تمتع الحزب الشعبي بتقدم في إستطلاعات الرأي قبل موعد الإنتخابات المحلية المقررة في 22 مايو/أيار المقبل، والإنتخابات العامة في مارس/آذار 2012.

وقد وجّه أمير دولة قطر دعوة إلى زعيم المعارضة الإسبانية لزيارة بلاده، ولم تبدِ الحكومة الإسبانية أي رد بخصوص هذا اللقاء الذي يعتبر مؤشرًا مشجعًا لزعيم المعارضة الذي يستعد حزبه لإقتلاع رئاسة الحكومة الإسبانية من الحزب الإشتراكي الحاكم خاصة بعد أن قرر قبل اسابيع الرئيس ثاباتيرو عدم ترشحه لعهدة ثالثة، والإنسحاب من قيادة حزبه إلى غاية موعد الإنتخابات العامة المقررة عام 2012.